مقالات

يناير القادم بلا هدرجة

تم النشر في الخميس 2019-12-26

د. بدر بن سعود

الزيوت المهدرجة كانت فكرة نبيلة في بداياتها، فقد طلبها الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث في القرن التاسع عشر، وفي ذاك الزمان كان مثلت الزبدة ركناً أساسياً في نظام الغذاء الأوروبي، ولكنها لم تكن متاحة لأصحاب المداخيل المحدودة، وكان الطلب عليها متزايداً من قبل الجيش الفرنسي، ونتيجة لأسعارها المرتفعة، خرجت زبدة المارغرين المحضرة بطريقة كيميائية، استجابة لرغبة الإمبراطور في توفير بديل رخيص للزبدة، وبما يجعلها في متناول كل الناس، على ألا تختلف في مذاقها ومظهرها عن الزبدة الطبيعية، والتجربة الفرنسية استنسخت في أوروبا وأميركا، واستطاعت تأمين الطلب العالي على الزبدة في أوقات الحروب والأزمات، وقد استمرت هذه الحال لفترة قبل أن يتنبه العالم لمخاطر الهدرجة والدهون المشبعة.

الدكتور توفيق الربيعة، صاحب المبادرات الرائدة في التجارة قبل الصحة، خرج في مقابلة تلفزيونية على قناة الإخبارية في 19 ديسمبر الجاري، وتناول فيما تناول موضوع الزيوت المهدرجة، وأكد أن وزارة الصحة ستبدأ بإيقافها اعتباراً من يناير القادم، ثم ستنظر في مرحلة لاحقة إلى خفض معدلات الملح والسكر في الأغذية، وكلاهما يدخلان في مبادرات تعمل عليها وزارة الصحة بالتنسيق والتشاور مع منظمة الصحة العالمية، ضمن ما يعرف ببرنامج التحول الصحي السعودي، وبما يحقق مبدأ الاستثمار في الصحة، الذي يشكل مطلباً أساسياً للتنمية المستدامة وفق رؤية 2030، ويؤدي بالتالي لزيادة متوسط أعمار السعوديين، وتحسين نوعية الحياة لشرائح المجتمع على اختلافها، علاوة على خدمته لجهود تعزيز الصحة والوقاية من المرض، باعتبارها خط الدفاع الأول لمواجهة الأمراض المزمنة والعوامل المؤدية اليها.

تحذير الصحة ليس جديداً، والتأخر في تطبيقه جاء لإعطاء فرصة كافية لمصنعي ومستوردي الأغذية، فالمواصفات الصحية تحتاج لإحداث تغيير كبير في خطوط الإنتاج، وقائمة المواد الاستهلاكية المهدرجة طويلة، ومن أمثلتها، الوجبات السريعة والحلويات والبطاطس المقرمشة والنودلز والشوربة الجاهزة ومبيضات القهوة والحليب منزوع وقليل الدسم، والهدرجة تعطي الدهون ومنتجاتها عمر تخزين أطول، وتقدمها بأسعار رخيصة، وتحسن من مذاقها، إلا أنها تقتل قيمتها الغذائية بالكامل، وترفع الضغط والكوليسترول الضار والدهون الثلاثية، بجانب أنها تعد من مسببات مرض السكري من النوع الثاني، وقد تؤدي إلى السمنة المفرطة والوفاة المفاجئة والإصابة بالجلطات القلبية والدماغية، وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، هناك 500 ألف شخص حول العالم يفقدون حياتهم كل سنة نتيجة لإصابتهم بأمراض الدهون المهدرجة.

قرار الإيقاف سيدخل حيز التنفيذ في اليوم الأول من سنة 2020، وستترتب على من يخالفه عقوبات تتراوح بين السجن لمدة سقفها عشر سنوات، أو دفع غرامة لا تزيد على عشرة ملايين ريال، أو بهما معاً، بالإضافة لنشر الحكم على نفقة المخالف في ثلاث صحف محلية، وتوجد عقوبات مكملة من نوع إيقاف تداول الغذاء وتصحيح المخالفة، وإغلاق المنشأة وسحب ترخيصها مؤقتاً أو بشكل نهائي، ومعها إعادة تصدير الغذاء المستورد.

الصحة قامت وتقوم بإجراءات جريئة ومطلوبة، وكل ما نتمناه هو ألا تلجأ شركات الأغذية والمطاعم إلى تصنيع الدهون المهدرجة واستخدامها بطريقة مخالفة بعد الإيقاف للاستفادة من ميزاتها، والمسألة مرهونة بالمتابعة الجادة والأمينة من الجهات المسؤولة عن سلامة الغذاء السعودي.

عن الزميلة الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock