تم النشر في الجمعة 2015-10-23
في شهر يونيو من سنة 2012 صدرت عن المعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن دراسة مفصلة حول استهلاك الطاقة في المملكة، كانت الدراسة مرعبة؛ لأنها قررت أنه إن استمرت معدلات الاستهلاك تتزايد بنفس الوتيرة فإن المملكة العربية السعودية ستتحول عام 2040م من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مستوردة! لأن الإنتاج المحلي حينها لن يكفي الاستهلاك.
إن (الإسراف الاستهلاكي) للأسف سمة بارزة في بلادنا، والمشكلة الكبرى أن هذا الإسراف يجري في حقّ ثروات ناضبة غير متجددة، بل كل إسرافنا الاستهلاكي يرجع في النهاية إلى (ثروتنا الأولى): البترول.
فالماء الذي نستهلكه هو نتاج محطات تحلية تعتمد على البترول، والكهرباء التي نستهلكها هي نتاج محطات تعتمد على البترول أيضا، والوقود الذي نستهلكه في سياراتنا هو من مشتقات البترو إننا نمارس هدرا فظيعا في ثروتنا القومية الأولى، ونجني بذلك على أنفسنا، وبلادنا، وأجيالنا المستقبلية.
يبلغ معدل استهلاك السعودي للماء 380 لترا يوميا، في مقابل معدل عالمي يقارب 180 لترا يوميا! ويبلغ معدل استهلاك الفرد في المملكة للكهرباء 8.23 ميجاواط/ساعة، وهي ضعف معدل استهلاك الفرد عالميا! مع زيادة سنوية تصل إلى 5%. بل كشفت دراسة نشرتها صحيفة الاقتصادية أن استهلاك الفرد في السعودية يعادل تسعة أضعاف متوسط استهلاك الفرد في أكبر أربع دول عربية من حيث السكان!
هذه الإحصاءات المفزعة مردها إلى سلوكيات مدمرة تعودنا عليها مع مرحلة الطفرة، ويجب الآن معالجتها عبر حزمة من البرامج التوعوية، والقوانين الحازمة، والمشاريع البديلة.
كنا فيما مضى نحمل شيئا من الإحساس بقيمة هذه النعم، كنا نستخدم (لمبة صفر) لأنها توفر الكهرباء، وكنا نتوضأ بإبريق صغير، ونغتسل بنحوِ ذلك، كنا.. وكنا، لست أدعو للعودة إلى الماضي كممارسات طورتها الحضارة اليوم، ولكنني أدعو إلى حمل ذلك الشعور الذي كان يدفعنا إلى تقنين استهلاكنا عن قناعة ورغبة واهتمام.
علينا كسعوديين أن ندرك أن هذه الوفرة في الماء والكهرباء هي من نعمة الله علينا، وهي بعد فضل الله بسبب سياسات الدعم الهائلة من قبل الحكومة، فالحكومة تدفع سنويا ما يقارب 150 مليار ريال لدعم الوقود المستخدم في الإنتاج، إضافة إلى قروض ميسرة لشركات الكهرباء وتحلية المياه، ولولا هذا الدعم لارتفعت كلفة إنتاج الكيلو واط/ساعة من 14 هللة – كما هي الآن – إلى 80 هللة! يدفع منتجو الكهرباء في المملكة 0.43 دولار لكل مليون وحدة حرارية، بينما السعر العالمي لهذه الكمية = 15.43 دولار!!
ولنا أن نتخيل كم ستكون تكلفة الكهرباء والماء على المواطن لو وقف هذا الدعم وتم التعامل بالأسعار العالمية!
إن المحافظة على هذا الوفر وهذا الرخاء وهذه النعمة لأطول مدة ممكنة مرهون بوعينا معاشر المواطنين وإيماننا بضرورة الترشيد، والحرص، والله تعالى يقول: (…ولاتسرفوا إن الله لا يحب المسرفين)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة). نقلا عن عكاظ