مقالات

ما هي حسابات التوفير والادخار والاستثمار؟

تم النشر في الأحد 2020-10-04

 

د. فهد بن عبد الله الحويماني

مع تزايد الالتزامات المالية على الأسر والأفراد في الفترات الأخيرة، بسبب التقلبات الاقتصادية حول العالم وارتفاع تكاليف المعيشة، بدأ كثير من الناس، خصوصا الشباب والشابات، بطرح تساؤلات عديدة عن طرق الادخار للمستقبل وكيفية التحكم بالمصروفات وزيادة الدخل، وعن أفضل الطرق للقيام بذلك. كذلك بدأ تقريبا جميع المصارف السعودية بتقديم خدمات التوفير والادخار وتسويقها بشكل مكثف.
هذا النوع من التوعية والاهتمام يبشر بالخير ويدل على تنامي الفكر المالي لدى الشباب الذين بدأوا يستشعرون أهمية التخطيط للمستقبل وبناء الثروة الشخصية. هنا لن أتحدث عن طرق تقليص المصروفات الشهرية ولا زيادة الدخل، كون ذلك من اختصاص المخطط المالي الشخصي، وهناك كتب وموضوعات كثيرة يمكن للمهتمين الاطلاع عليها. ما يهمني هنا هو التحدث عن الجانب المالي فيما يتعلق بتنمية رأس المال، وبحث الفروق بين حسابات التوفير والادخار والاستثمار، المتاحة من قبل المصارف السعودية.
من المعروف أن الحساب الجاري مجرد وسيلة منظمة لإيداع ما لدى الشخص من أموال، حيث يستطيع الصرف منها بيسر وسهولة وأمان، دون الحصول على أي عائد مالي من هذه الأموال، حتى إن تبقى منها رصيد عال في حسابه. لذا، ظهر هناك حساب التوفير، وهو شبيه بالحساب الجاري من حيث السحب والإيداع واستخدام بطاقة الصراف الآلي، لكن مع الحصول على عائد مالي يحسب غالبا شهريا ويضاف إلى الحساب عادة كل ستة أشهر.
لذلك، فإن حساب التوفير هو، أبسط طريقة لتنمية رأس المال، لكن هناك إشكاليتان في هذا الحساب، أولا: لا يساعد على الانضباط المالي، بمعنى أنه لا يمنع الشخص من السحب والصرف ولا يعين في مسألة الادخار. والإشكالية الأخرى أن العائد الذي يقدمه الحساب قليل جدا، وهو عائد مضمون بالمناسبة. على سبيل المثال، هذه الأيام ستجد أن العائد السنوي بحدود عشر نقاط مئوية من متوسط رصيد الحساب طيلة العام. مثلا، لو أن متوسط الرصيد 30 ألف ريال، فسيحصل الشخص على 15 ريالا “نعم 15 ريالا فقط” كل ستة أشهر، والسبب خلف هذا العائد الهزيل – بالطبع – كون العائد مضمونا، وأي شيء مضمون لا بد أن يكون قليل العائد، بل إن بعض المصارف تشترط زيادة على ذلك ألا يقل متوسط الحساب عن 20 ألف ريال لتستطيع الحصول على هذا العائد الهزيل.
الخطوة الأفضل من ذلك هو حساب الادخار، الذي بالفعل يساعد على الانضباط، ويتم بسهولة بفتح وديعة محددة المدة، غالبا من أسبوع إلى عام كامل، حيث لا يمكن سحب المبلغ خلال هذه المدة دون خسارة العائد. غير أن هذه الطريقة لا تناسب من يرغب في إيداع مبلغ منتظم “مثلا كل شهر”، لأن الأمر يصبح متعبا وغير عملي، حيث يحتاج الشخص إلى فتح وديعة جديدة كل شهر، كذلك يجب ألا يقل المبلغ عن 20 ألف ريال في كل مرة، وفي النهاية ستكون هناك تواريخ مختلفة لحلول أجل كل وديعة. لذا، هذه طريقة لا بأس بها لمن لديه مبلغ من المال كبير نسبيا ولا يحتاج إليه عدة أسابيع أو أشهر، وكذلك يقبل الشخص بعائد متدن في حدود ثمانية أعشار النقطة المئوية. مثلا، وديعة لمدة عام بمبلغ 100 ألف ريال ستحقق عائدا بمقدار 800 ريال بعد عام واحد، أو وديعة 30 ألف ريال – كما في المثال السابق – تمنح 240 ريالا بنهاية العام.
لذلك، فإن الطريقة الأخرى التي قد تناسب من يريد إيداع ما لديه من فائض مالي وبشكل متواصل هي، الوديعة المتكررة، وتسمى الأنيوتي، ويمكن الإطلاع على طريقة عملها بالتفصيل في كتابي “المال والاستثمار في الأسواق المالية” المتوافر مجانا على الإنترنت. وطريقة عملها أن تبدأ بمبلغ لا يقل عن خمسة آلاف ريال، ومن ثم إيداع ما لا يقل عن 500 ريال كل شهر، ومدة الوديعة المتكررة تراوح بين عام واحد وخمسة أعوام. وهنا يبدأ العائد بالتحسن، لأن مدة الالتزام أطول، لكن في حال السحب المبكر تكون هناك إما غرامات أو الحرمان من أي عائد، الذي يصل في هذا النوع من حسابات الادخار، كمثال وحسب الأسعار الحالية، إلى 2.50 في المائة فيما لو استمر الحساب لمدة خمسة أعوام.
وكمثال أكثر دقة، لو أن شخصا قام بفتح الحساب بمبلغ خمسة آلاف ريال وقام بإيداع 500 ريال كل شهر لمدة خمسة أعوام “60 شهرا”، فسيصبح المبلغ نحو 37600 ريال بنهاية الأعوام الخمسة، أي أن العائد الكلي سيكون 2600 ريال، وهذا يمثل عائدا سنويا بنسبة 2.50 في المائة. مرة أخرى، هذا كذلك عائد مضمون، وبالضرورة لن يكون مجزيا كثيرا، لذا يقدم بعض المصارف حسابات ادخارية بعائد غير مضمون، يعد آمنا إلى حد ما، لكنه معرض للخسارة، بمعنى ممكن أن يحقق نسبة أعلى من 2.50 في المائة، لكن كذلك ممكن أن يحقق أقل من ذلك، بل ربما ممكن أن يحقق خسارة بنهاية المدة.
إذن، ما الحل لمن يريد تنمية رأسماله من خلال إيداعات شهرية ويحقق عائدا معقولا؟
لا يوجد جواب سهل على ذلك، لأن من المعروف أن العائد العالي مرتبط بمخاطرة أعلى، فعلى الشخص أن يقرر أولا إذا كان فقط يريد المحافظة على ما يتوافر لديه من أموال، حيث يضع عليها نوعا من الانضباط ضد الصرف المنفلت، دون الاهتمام بنسبة العائد، وبذلك فأي من الطرق السابقة قد تكون مناسبة له.
أما من لم تستهوه أي من الطرق السابقة، فيمكنه التفكير إما بصناديق الاستثمار التي تستثمر في الأسهم السعودية وغير السعودية، وإما بفتح حساب استثماري لدى المصرف “جنبا إلى جنب مع الحساب الجاري”، ومن ثم شراء أسهم سعودية، لكن بطريقة أسهم المؤشرات، وهي عبارة عن مجموعة أسهم تشترى كسهم واحد وتكون مخاطرتها أقل من شراء الأسهم الفردية. ويوجد حاليا في السوق السعودية على الأقل صندوقان يعملان بهذا الشكل، ومرة أخرى هذه ممكن أن يحقق عوائد أعلى بكثير مما سبق، لكن في الوقت نفسه قد يحقق خسائر مباشرة في رأس المال.

عن الاقتصادية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock