ط
عاممقالات

كيفية تحديد الفقاعة

تم النشر في الأحد 2018-01-21

صرح ألان جرينسبان الرئيس السابق لمجل الاحتياطي الفدرالي  ذات مرة أنه “من الصعب للغاية أن نقوم بالتعرف على فقاعة ما بصورة مؤكدة قبل أن تتحول لأمر واقع”، ولكنه كان مخطئاً. من الممكن بكل تأكيد أن نقوم بالتعرف على فقاعة ما، حتى لو لم يكن من السهل أن نتنبأ بموعد انفجارها.

 بذل الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفدرالي ألان جرينسبان جهوداً أكثر من أي شخص آخر لإغراق العالم بالوعود الفارغة من خطط الإنقاذ وتسهيل السياسة النقدية وغيرها من الإجراءات التي لا ترتقي أن نصنفها كحلول، ولكن أحد طروحاته المغلوطة أثبت أنه أكثر ثباتاً من البقية.

وفي كلمته التي ألقاها في مؤتمر ’جاكسون هول‘ عام 2002 والتي حملت عنوان ’التقلبات الاقتصادية‘، أطلق جرينسبان تصريحه الشهير: “قمنا في مجلس الاحتياطي الفدرالي بالنظر في عدد من المسائل ذات الصلة بفقاعات الأصول – أي ارتفاع أسعار الأصول إلى مستويات غير مستدامة. ومع تطور الأحداث، أدركنا وبالرغم من شكوكنا أنه كان من الصعب للغاية أن نقوم بالتعرف على فقاعة ما بصورة مؤكدة قبل أن تتحول لأمر واقع: أي عندما أكد انفجارها مسألة وجودها”.

ما هي الفرضية الأساسية؟ أن مسألة التعرف على الفقاعات وتحديدها صعبة للغاية… ولكن للأسف سيد جرينسبان – هذا الأمر غير صحيح! وفي الواقع، قام أندريس نيستين، محلل الاقتصاد الكلي لدى ساكسو بنك (وعالم الفيزياء الفلكية المقيم)، بكتابة مدخل قصير إلى الرياضيات الأساسية التي تكمن وراء حدوث الفقاعة؛ ونحن نعرفها بالحالة التي تنشأ عند ارتفاع الأسعار الأسي الفائق.

ونحن لا ندعي معرفة موعد انفجار الفقاعات الحالية. ولكن يمكن لنا أن نحدد مكان تواجدها، ونعتقد أن هناك العديد من الفقاعات الكبيرة في الوقت الراهن. ونرى هذه الفقاعات في سوق السندات والأسهم والملكية الخاصة ورأس المال الاستثماري والعقارات ودون أدنى شك في العملات الرقمية أيضاً.

(ومن المثير للاهتمام أننا لا نرى أي فقاعات أو ما شابه في سوق السلع، والتي نادراً ما كانت أقل جاذبيةً من غيرها… ولكن هذا الأمر يعتبر موضوعاً آخر)

ويمكن أن تكون فقاعة العملات الرقمية هي الأكثر وضوحاً بسبب التقلبات العالية ومستوى الأداء المسجل خلال عام  2017، ولكن يجب ألا تنطلي علينا الخدعة ونعتقد أن فئات الأصول الأخرى لا تعتبر مرتعاً للفقاعات هي الأخرى. وفي الواقع، يمكن لطول ومدى بعض هذه الأسواق الصعودية أن يخفي مدى انحراف هذه الأصول عن الأساسيات.

وخلال الشهر الماضي، على سبيل المثال، أصدرت النمسا سندات على 100 عام بفائدة لا تتجاوز 2.1% ستفقد ما يقارب نصف قيمتها في حال ارتفعت أسعار الفائدة بنسبة 1% أو أكثر؛ وخلال الأسبوع الماضي قفز سهم ’كوداك‘ بنسبة 117% على خلفية إعلانها عن إطلاق إصدارات أولية لعملة إلكترونية خاصة بها من أجل زيادة رأس المال.

ويستمر السعي وراء تحقيق العائدات في حين يواصل صناع السياسات في البنك المركزي، بدعم من عدم قدرة الساسة على تمرير قرارات إصلاحية حقيقية، إغلاق أعينهم وتعليق الآمال بأن تنتهي الأمور بأفضل صورة ممكنة. ومع دخولنا في الربع الأول من عام 2018، يبدو العالم مرةً أخرى ملياً بالأمل والقليل من الحقائق الثمينة. ويبلغ النمو المتوقع للأرباح قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك وإطفاء الدين في مؤشر ’ستاندرد آند بورز 500‘ نسبة 19% لعام 2018 (مقابل نسبة 17.5% القياسية التي سجلت خلال تسعينيات القرن الماضي).  ولا تتسبب وعود مجلس الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة ثلاث مرات أو أكثر بأي إزعاج لسوق السندات، حيث تستمر فروقات الائتمان بتسجيل مستويات انخفاض جديدة، وحيث ترتفع عائدات السندات الأمريكي لفترة 10 و30 عام وفق وتيرة جليدية، ولكن هناك بعض الأشياء المثيرة للاهتمام والتي ينبغي الإشارة إليها في هذه الناحية.

وتتبع البنوك المركزية حول العالم الآن خطى مجلس الاحتياطي الفدرالي في تطبيع السياسة. ومنذ بداية هذا العام، أصبح كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان أكثر تفاؤلاً بشكل ملحوظ حيال المستقبل – بالقدر الكافي الذي يدفعهم للنظر في مسألة التدهور الإضافي كأولوية على رأس قائمة جهود التطبيع الحالية.

(نشير هنا إلى تباطؤ الدعم الفعلي لبنك اليابان خلال الربع الرابع والتخفيض الذي تم الإعلان عنه مسبقاً من قبل البنك المركزي الأوروبي لمشتريات الأصول من 60 إلى 30 مليار يورو شهرياً.)

ويعتبر هذا الأمر بمثابة إشارة جديدة تم تجاهلها إلى حد كبير من قبل الأصول المستدانة كأسواق الأسهم والملكية الخاصة. ومع ذلك، تفاعلت أزواج العملات اليورو/ الدولار والدولار/الين مع الأخبار ليرتفع الين الياباني واليورو إلى مستويات أعلى بكثير من المستوى الذي كانت السوق مستعدة للمراهنة عليه خلال شهر يناير.

وبالنسبة لي، يمثل هذا الأمر أولى إشارات التحذير.

بينما تتمثل الثانية (والتي تعتبر الأولى في الحقيقة نظراً لتركيزنا طويل الأمد عليها) بالتباطؤ المستمر في الدافع الائتماني أو ’معدل تغير التغيير‘ الذي يطرأ على الائتمان في السوق.

وتشير تقديراتنا إلى أن النمو العالمي سيشهد تباطؤاً ملحوظاً خلال الربع الثاني من العام، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً أمام الاحتياطي الفدرالي لتخفيف تشدده وقذف الدولار الضعيف إلى مستويات أدنى ليخيب أمل العالم مرةً أخرى بحلم النمو المدفوع بنشرات الضرائب الأمريكية (والتي ستعود بالفائدة فقط على نسبة 0.1%) بالإضافة إلى انهيار ما يسمى بـ ’النمو المتزامن‘ والموجود فقط لحجب حقيقة عدم وجود أي إصلاحات أو تغييرات هيكلية.

وبطبيعة الحال، يتمثل كل ما كان هنالك بكمية لا متناهية من الجشع تغذيها أسعار الفائدة المنخفضة والتزييف المستمر للبيانات من أجل تصوير واقع يقابل افتراضات جرينسبان بشأن الفقاعات.

وإذا لم يكن من الممكن التنبؤ بالفقاعات، لا توجد أي فائدة تذكر للبحث عنها… أليس كذلك؟ خطأ!

لقد حان الوقت للتحدث عن كيفية تشكل الفقاعات وليس عن كيفية انفجارها. لقد حان الوقت بكل تأكيد، مع دخولنا في الربع الأول من عام 2018، للتحدث عن كيف أن التقلبات المنخفضة لا تؤدي بحد ذاتها إلى تقلبات أكثر ارتفاعاً ولكن توقعات التضخم المرتفعة وتوسع العجز المالي والارتباطات المتبادلة بين الأصول وتشديد السياسة النقدية تفعل ذلك بكل تأكيد.

وتتربص هذه الجوانب الأربعة بأسواقنا الحالية، وعند توضح الصورة نحن نشك بأن عام 2018 سيروي قصة عدم قدرة الأمل على الحلول مكان الواقع إلى الأبد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock