كورونا والاقتصاد العالمي
تم النشر في السبت 2020-03-28
د.عبد الله الفرج
العالم يعيش وضعاً لم يشهده منذ الحرب العالمية الثانية كما قالت المستشارة الألمانية. فمع أنات الألم ومعاناة الإيطاليين والأسبان وبقية الدول التي أطبق عليها هذا الوحش، الذي لا يزال بلدنا وحكومتنا تعمل بصورة استباقية وإبداعية للتخفيف من وطأة هجومه، هناك من يتنبأ بأن الاقتصاد العالمي سوف يكون على رأس ضحاياه.
أن دول العالم التي بدأت تفرض الإجراءات الاستثنائية للمحافظة على الصحة صارت أيضاً تضخ المليارات، في محاولة استباقية لتفادي، أو بالأصح للتخفيف ولو بعض الشيء من الآثار التي سوف يتركها هذا المسخ على الاقتصاد. إن انتشار كورونا قد جاء في ظل أجواء، كان فيها الاقتصاد العالمي ليس في أحسن أحواله. فهذا الاقتصاد الذي أنهكته الحروب التجارية والتلاعب المالي والنقدي كان يسير لإحراق نفسه حتى دون كرونا.
نعم لقد تبدل العالم منذ عام 1945 وحتى الآن. فجبابرة العالم لم يعد الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. فمكان الأول برزت الصين التي أصبحت القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد أميركا والأولى من حيث القوة الشرائية لعملتها اليوان. ولذلك، فإن الصراع الاقتصادي بين أقطاب النظام العالمي كان على أشده في عام 2019.
إن تغلب الصين على الجائحة، أعطاها أوراقاً إضافية ما كانت تملكها أثناء الحرب التجارية التي دارت بينها وبين الولايات المتحدة خلال العام الماضي. فالصين اليوم هي من تتصدر مقاومة انتشار فيروس كورونا في العالم. ولذلك فليس غريباً أن تتلقى الشكر من إيطاليا التي ذهبت إلى نجدتها أيضاً كوبا وكذلك 15 طائرات شحن ضخمة من روسيا تقل معها المعدات والأودية الطبية والمختصين في مكافحة الأمراض المعدية. فإيطاليا الأوروبية لم تجد النجدة من القارة التي هي من ضمنها بمقدار ما حصلت عليها من خارجها. فالقارة العجوز مشغولة اليوم بنفسها.
بالفعل، كم تغير العالم خلال فترة بسيطة. فبين عام 2014، عندما بدأ ينشر فيروس إيبولا وبين اليوم 2020 تبدل المشهد كثيراً. فقبل 6 أعوام فقط كانت على رأس قائمة الدول التي أخذت المبادرة للتصدي لإيبولا، الذي انتشر في إفريقيا، دول أخرى غير التي تتصدر اليوم مواجهة كورونا. ففي عام 2014 لم تكن الصين ولا روسيا على رأس القائمة. وهذا مؤشر قوي على أن ميزان القوى في العالم بدأ يتغير.
إن الاقتصاد العالمي الآن يواجه مخاطر عدة أقلها الكساد. فهذا الفيروس الخبيث مثلما جاء سوف يذهب بمشيئة الله، ولكن سوف تبقى الأضرار التي تركها تؤثر في الناس والاقتصاد فترة أطول قبل أن يستعيد هذا الأخير عافيته أو ربما يعاد بناؤه من جديد، كما حدث عام 1945.
عن الزميلة الرياض