عوائد السلع الأساسية: لماذا تُعدّ مسألة التوزيع أمراً بالغ الأهمية

أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك
تم النشر في السبت 2025-04-26لا تزال الأضواء مسلطة في سوق السلع الأساسية على الذهب، الذي قفز الليلة الماضية إلى مستوى قياسي جديد بلغ 3,500 دولار أمريكي للأونصة، محققاً بذلك مكاسب سنوية مذهلة بنسبة 33% حتى تاريخه. هذا الصعود السريع يعني أن المعدن الأصفر قد بلغ بالفعل توقعاتنا السعرية المعدلة صعوداً – وذلك في وقت أبكر بكثير مما كنا نتوقع. ويؤكد هذا الارتفاع المذهل على اتجاه أوسع نطاقاً في سوق السلع، التي لا تزال تتأثر بشدة بالتطورات الجيوسياسية والاقتصادية الكلية، لا سيّما تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ومع تصاعد التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم، تتزايد المخاوف من الأثر السلبي المحتمل على النمو العالمي، وما قد ينجم عنه من انخفاض في الطلب على السلع الدورية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي مثل الطاقة والمعادن الصناعية.
وقد زادت عطلة عيد الفصح من حدة الاضطراب في الأسواق، إذ شهدت تجدد الضغوط السياسية على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فقد جدد الرئيس دونالد ترامب انتقاداته للبنك المركزي، داعياً علناً إلى خفض أسعار الفائدة، وهي خطوة أثارت قلق الأسواق المالية. تراجعت الأسهم الأمريكية أكثر، وهبط الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات. وبأسلوبه المعروف، هاجم ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، واصفاً إياه بـ”الخاسر الكبير”، واتهمه بالتأخر في الاستجابة للتهديدات الاقتصادية. وقد صعّد تحذيره الصريح – “لا يمكن أن يأتي عزله في وقت قريب بما فيه الكفاية” – من مستوى الخلاف، محوّلاً إياه من اختلاف في السياسة إلى مواجهة شخصية ذات طابع سياسي صريح. هذا التصعيد لا يزيد فقط من الضغط على الفيدرالي، بل يجعله أيضاً بمثابة كبش فداء ملائم لأي تباطؤ اقتصادي مرتقب في الولايات المتحدة.
ورغم هذه التحديات المتزايدة، فقد تفوقت السلع الأساسية عموماً على معظم فئات الأصول الأخرى منذ بداية العام. فجاذبيتها كأصول ملموسة توفّر للمستثمرين تغطية مزدوجة – من جهة التعرّض للنمو العالمي، ومن جهة أخرى التحوّط ضد التضخم وضعف العملة والتقلبات المالية الأوسع. ومع ذلك، لم تكن موجة الارتفاع متساوية، إذ لم تحقق سوى عدد قليل من السلع – أبرزها الذهب، النحاس، الفضة، والبن – عوائد من رقمين. ويبرز هذا التباين أهمية فهم تأثير التركيبة الداخلية لصناديق المؤشرات المتداولة على أدائها العام، لا سيما في ضوء ديناميكيات السوق الحالية.
عوائد المؤشرات السلعية على المدى القصير والمتوسط
تُظهر الجدول أعلاه مقارنة بين ثلاثة من المؤشرات السلعية الرئيسية التي يتابعها كل من المستثمرين المؤسسيين والأفراد، وهي:
وعلى الرغم من أن مؤشر بلومبرغ للسلع الأساسية قد تفوق خلال العام الماضي، إلا أنه لا يزال متأخراً عن المؤشرين الآخرين على مدى خمس سنوات – ويرجع ذلك أساساً إلى اختلافات في تخصيص القطاعات. فمؤشر بلومبرغ، الذي نعتبره المؤشر المرجعي المفضل، يتتبع 24 سوقاً رئيسياً للعقود الآجلة بتوزيع متوازن بين قطاعات الطاقة والمعادن والزراعة. في المقابل، يركز مؤشرا ستاندرد آند بورزودويتشه بنك للعائد الأمثل للسلع الأساسية على عدد أقل من السلع، مع تركيز أكبر على قطاع الطاقة.
ورغم أن مؤشر بلومبرغ للسلع الأساسية حقق أداءً أفضل خلال العام الماضي، إلا أنه يتخلف على مدى خمس سنوات، والسبب الرئيسي في ذلك هو اختلاف التوزيع بين الصناديق الثلاثة. ففي حين يتوزعمؤشر بلومبرغ للسلع الأساسية بين قطاعات الطاقة والمعادن والزراعة بنسب متقاربة، يتركز معظم التعرض في المؤشرين الآخرين ضمن قطاع الطاقة. وقد استفاد مؤشر بلومبرغ خلال العام الماضي من المكاسب القوية في الذهب 46%، الفضة 18%النحاس 7.4%، البن 76%، والماشية الحية 21%. وتشكل هذه السلع الخمس مجتمعة 30.8% من الوزن الإجمالي لـ بلومبرغ للسلع الأساسية – وهي هي نسبة أعلى بكثير من نسبتها في مؤشري ستاندرد آند بورز 16.3%ودويتشه بنك للعائد الأمثل للسلع الأساسية 13.7%.
ختاماً، على المستثمرين الراغبين في التعرض الواسع للسلع الأساسية أن ينتبهوا جيداً للاختلافات الاستراتيجية بين المؤشرات. ففي فترات النمو الاقتصادي القوي – خاصة في الأسواق الناشئة ذات الاستخدام الكثيف للموارد – تميل سلع الطاقة والمعادن الصناعية إلى التفوق في الأداء. أما في أوقات عدم اليقين المالي، كما هو الحال في بيئة اليوم التي تتسم بمخاوف من التضخم وتوترات سياسية، فقد توفّر المؤشرات التي تعطي وزناً أكبر للمعادن الثمينة والسلع الزراعية حماية وتنويعاً أفضل. ويجدر الذكر أن القطاع الزراعي لا يرتبط بقوة ببقية الأسواق، إلا أنه يحظى بدعم إضافي خلال فترات ضعف الدولار الأمريكي.