ساتروب والمشاركة المجتمعية
تم النشر في السبت 2020-04-18
عبد الله السعدون
جمعتني الصدفة أثناء مشاركتي في صعود جبل شدا الأسفل لتعزيز فرص الرياضة والسياحة في محافظة المخواة في منطقة الباحة بسيدة في غاية الاحترام والأدب، وأبلغتني أنها تعمل في شركة (تراثنا للمسؤولية – الاجتماعية) وهي شركة غير ربحية استحدثتها أرامكو السعودية توتال للتكرير والبتروكيميائيات (ساتروب) للحفاظ على الحرف اليدوية التراثية، وبمبلغ مالي يقارب الأربعمائة مليون ريال لدعم الموهوبين من أبناء الوطن لإحياء المهن التراثية وتزويدهم بالقروض والتدريب والتوجيه والمساعدة على التسويق حتى ينجح ويبني مؤسسته الخاصة، ومساعدته على صقل مهاراته وتطوير حرفته من مشغله أو من المنزل، وتعزز شغفه وحبه لمهنته، ومن هذه الحرف التي اطلعت عليها حرفة استخلاص دهن العود والأعشاب والنباتات العطرية، والتي تم تسويقها خارج المملكة، وصناعة الكراسي من سعف وجريد النخيل، والنقش على الجبس والرسم على الزجاج، وصناعة الصابون من شحوم سنام الإبل وغيرها. كل ذلك يتم بقروض للأفراد ومن دون فوائد أو ضمانات، إضافة إلى تقديم الدعم والإسناد والتسويق وجلب الخبراء من خارج المملكة لو تطلب الأمر ذلك.
ولمعرفة مسؤولي الشركة أن نجاح هذا المشروع يعتمد على القائمين عليه فقد تم اختيار رئيس تنفيذي بكل عناية وإعطاؤه وزملاءه كامل الصلاحيات لإنجاح المشروع. وأثناء لقائي بهم أفادوا بأن سيدة من منطقة جازان أنشأت (مركز إبداع المرأة السعودية) ودربت عدد ستمائة سيدة من مختلف محافظات وقرى جازان لتمكين المرأة من صنع الأثاث من سعف النخيل وجريده ومن مواد أخرى.
كل ذلك يدعوني إلى طلب تكرار التجربة بعد تقييمها؛ ذلك أنها من أهم وسائل مكافحة البطالة والبحث عن المواهب ودعمها حتى تقف على قدميها، لتصبح فيما بعد أحد مصادر دعم الاقتصاد والتوظيف للشباب في مختلف مناطق المملكة، ولذا أسوق المقترحات الآتية:
أولاً: أصبحت التطبيقات والابتكارات والذكاء الاصطناعي من أهم محركات الاقتصاد على مستوى العالم، والشباب هم المصدر الأساس لهذه التطبيقات ولا حدود لإبداعاتهم ونجاحاتهم إذا توفر الدعم المالي والتدريب والتسويق فيما بعد، وهذه الكفاءات يمكن دعمها من البنوك وشركات الاتصالات والطاقة على غرار ما قامت به شركة ساتروب، بحيث تنشئ كل شركة أو بنك شركة غير ربحية لها علاقة في مجال عملها أو أي مجال تراه، ويُستقطب المميزون في هذا المجال، ويقدم لهم الدعم المالي والإشراف والتدريب. الشركات الكبيرة والبنوك عليها واجب المشاركة المجتمعية، وفي المملكة لا يفرض عليها ضريبة تصاعدية كما هو لدى الدول الأخرى، وعليه لابد من توجيهها للمشاركة المجتمعية المنتجة للخروج بأفضل نتيجة، ومن أهمها المساهمة في بناء المؤسسات الاقتصادية، وتخصيص نسبة معينة من أرباحها للمساهمة في مكافحة البطالة والفقر، فأمن البلد واستقراره مقدمان على ما عداه من أولويات كتوزيع أرباح أو زيادة رأس المال، وعلى هذه الشركات والبنوك أن تدرك أن أي نجاح تسهم فيه سيعود عليها بالربح فيما بعد عن طريق زيادة القدرة الشرائية لدى المواطنين.
ثانياً: أفضل وسيلة لمكافحة البطالة هي استثمار نتاج العقول وهو ما يعني أن تبني هذه الشركات غير الربحية المقترحة شراكات مع الجامعات وكليات التقنية والجمعيات الأهلية غير الربحية للبحث عن المواهب ودعمها خصوصاً أن من مهام الجامعات المشاركة المجتمعية، إضافة إلى مهمة التعليم والأبحاث العلمية، أما الجمعيات الأهلية فقد آن لها أن تطبق الحكمة التي تقول: “لا تعطني سمكة، علمني كيف أصطادها”، وهذا من مهام وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لدعم الجمعيات الأهلية وتشجيعها على هذا التوجه.
مثل هذه الشركة التي أنشأتها أرامكو توتال اليوم، كفيلة بتقليل نسب البطالة وخصوصاً في هذا الوقت الذي يتعرض فيه العالم إلى ركود قد يصل إلى مرحلة كساد يشبه بما حصل في ثلاثينات القرن الماضي.
الحكومة – وفقها الله – تقوم بجهود كثيرة لتأمين العيش الكريم لأبناء الوطن كمكافحة الفساد، ومنع التستر التجاري، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها من الإجراءات التي بدأت تظهر نتائجها في خلق المزيد من الوظائف، لكنها تظل غير كافية مع الظروف الاقتصادية العالمية ونقص أسعار البترول، وتزايد عدد السكان، والمزاحمة الشرسة من الوافدين، ما يحتم تضافر الجهود لإنجاح جهود الحكومة واستحداث وسائل أخرى لتقليل نسب البطالة، وتنويع مصادر الدخل
عن الزميلة الرياض