جزر الباسيفيكي .. ساحة تنافس جديدة بين العملاقين
تم النشر في الثلاثاء 2019-04-23
أكثر من 35 رجلا وامرأة يجلسون تحت أشجار بوينسيانا الضخمة، يستمعون باهتمام إلى جويس كونوفيليا، إنها مرشحة في الانتخابات العامة الأسبوع الماضي في جزر سولومون، كانت تنظم حملة في مستوطنة مُزرية على سفح تل فوق العاصمة هونيارا، حيث قلة من السكان بإمكانهم استخدام الكهرباء، في ظل عدد أقل أكثر ممن لديهم أي وظائف.
عندما أنهت كونوفيليا، مستشارة السياحة التي تلقت تعليمها في أستراليا خطابها الجذاب كان السؤال الأول من جمهورها يتعلق بالسياسة الخارجية.
نهض أحد كبار السن المحليين وسأل: “هل تدعمين تحويل العلاقات الدبلوماسية من تايوان إلى الصين؟”
جزر سولومون، وهي أرخبيل يبلغ عدد سكانه 630 ألف نسمة يقع شمال شرقي أستراليا، يُعاني الفقر والفساد والصراع العِرقي في بعض الأحيان، فيما تعاني الجزيرة قوة الصين الصاعدة التي تعتبر تايوان جزءا من أراضيها، وتشن حملة دبلوماسية عليها لعزل تايبيه.
في حين أن المهاجرين الصينيين يسيطرون على قطاع تجارة التجزئة المحلي منذ الوافدين الأوائل في القرن الـ19، إلا أن مجتمعهم تضخم إلى أكثر من خمسة آلاف شخص خلال الأعوام القليلة الماضية، وهو ما هدد بإقامة وضع مُهيمن في الاقتصاد المحلي.
الشركات الصينية المملوكة للدولة تبني مشاريع البنية التحتية جزئياً بقروض صينية، وتوظف العاملين الصينيين بدلاً من عرض وظائف على السكان المحليين الذين هم في أشد الحاجة إليها.
هناك قوى مماثلة تفعل فعلها في المجموعة الكاملة من البلدان الجزرية في المحيط الهادئ، بسبب اشتعال منافسة جديدة بين القوى العظمى بعد أكثر من 70 عاماً من اشتباك اليابان والولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
لطالما خضعت المساحات البحرية الشاسعة في المنطقة لسيطرة البحرية الأمريكية التي تمثل قاعدتها في جوام أهمية قصوى لقدرتها على إبراز القوة في غربي المحيط الهادئ. مع ذلك، بدأت الصين الآن في جعل وجودها محسوساً.
بكين تجذب البلدان من خلال وعود لتعزيز تنميتها، لكنها وعود يمكن أيضا أن تُثري السياسيين المحليين وتُثير المخاوف من هيمنة جديدة على غرار الاستعمار.
في العواصم الغربية، حملة الصين في المحيط الهادئ أثارت المخاوف من أن بكين لديها نوايا عسكرية بشأن المنطقة.
على الرغم من أن الصين تتحدى القوة الغربية في أجزاء أخرى من العالم، إلا أن الحسابات مختلفة في غربي المحيط الهادئ، الذي يحتوي على بلدان ضعيفة اقتصادياً تتألف من جزر صغيرة وعدد سكان صغير تتباهى بمناطق بحرية كبيرة.
إذا سمحت الاستثمارات الصغيرة نسبياً لبكين بالحصول على نفوذ على عدد من الحكومات في المنطقة، عندها سيكون بإمكان الصين الوصول أو حتى السيطرة على البحار الشاسعة ذات الأهمية الاستراتيجية الحيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
يقول إيوان جراهام، المدير التنفيذي لقسم الدراسات الآسيوية في جامعة لاتروب في ملبورن: “نحن نرى كل شيء من المشاركة الاقتصادية على نطاق صغير إلى استيلاء النخبة الكامل. ما هدفهم؟ في المحيط الهادئ، لا يوجد شيء فعلاً ذو قيمة من الناحية الاقتصادية بالنسبة للصين. هذا نوع من لعبة الظل لما قبل الصراع، هو نسخة جغرافية سياسية غير حربية للتنقل بين الجزر. أصبح المحيط الهادئ استراتيجياً مرة أخرى للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية”.
إنها حقيقة غير مريحة لسكان جزر سولومون أن يجدوا أنفسهم مرة أخرى على خط المواجهة للقوى العظمى المتصادمة.
كانت جوادالكانال هي النقطة التي انطلقت منها الولايات المتحدة في هجومها المضاد الرئيس ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية. قاع مضيق أيرونبوتوم ساوند، المضيق الذي يقع شمالي الجزيرة، مليء بحطام السفن الحربية.
تقول ليليانا فيريسوا، وهي زعيمة قبائلية وشخصية سياسية مؤثرة: “مرة أخرى، بدأت الأمور تشبه ما حدث منذ وقت طويل. لم تكُن حربنا، لكنهم جاءوا إلى جوادالكانال وأصبحنا ضحايا. الآن هي منافسة بين بلدان ثالثة مرة أخرى، بين الصين والولايات المتحدة، ويتم الشعور بتأثير الصين. بدأت التداعيات تؤثر في المنطقة”.
أكثر ما يُثير قلق واشنطن هو المحاولات الصينية لاكتساب النفوذ في بالاو، ودول ميكرونيزيا الفيدرالية وجزر مارشال. هذه الدول الصغرى لديها ما يسمى “اتفاقيات ارتباط حرة أو (كوفا) مع الولايات المتحدة – وهي اتفاقيات تمنحها إعانات وإقامة بدون تأشيرة في الولايات المتحدة لمواطنيها، مقابل الحق في إقامة قواتها على أراضيها ومنع بلدان أخرى من القيام بذلك.
في جزر مارشال، قام كاري يان، المستثمر الصيني، باستئجار مساحات كبيرة من الأراضي في رونجيلاب، إحدى الجزر المرجانية الأكثر تضرراً من تجارب القنابل النووية الأمريكية.
يقترح يان إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تقول شركته إنها ستُصدر جوازات سفر جزر مارشال للسكان بمفردها.
في حين أنه لم يبنِ أي شيء حتى الآن، إلا أنه يروّج الفكرة لمستثمرين محتملين في الصين كوسيلة للحصول على حقوق الإقامة في الولايات المتحدة.
كان للمشروع عواقب سياسية غير متوقعة العام الماضي عندما أطلق المؤيدون تصويتاً بحجب الثقة عن الرئيسة هيلدا هاين، على أمل استبدالها بشخص صديق أكثر للصين. إلا أنها فازت بصعوبة من التصويت.
في تشوك، إحدى دول ميكرونيزيا الفيدرالية، يضغط السياسيون المحليون الذين لديهم تعاملات في الأراضي مع مستثمرين صينيين من أجل الاستقلال – وهي خطوة يُمكن أن تؤدي إلى انهيار ارتباط البلد مع الولايات المتحدة، وتوفير فرصة للمصالح العسكرية الصينية.
في بالوا، أصبح المتحدث البرلماني سابينو أناستاسيو، الذي يُشارك في مشروع فندق مع شركاء صينيين، من مؤيدي تحويل العلاقات الدبلوماسية من تايوان إلى الصين.
فضلاً عن بناء هذه العلاقات، تجوب سفن الأبحاث الصينية في علوم المحيطات المياه في بعض الأحيان حول هذه الدول الجزرية وبالقرب من جوام، حيث تضع القوات البحرية الأمريكية غواصات دوريات في غربي المحيط الهادئ. وهي تمسح قاع البحر، وتراقب الحياة البحرية وأنماط المناخ، وتزرع العوامات وأجهزة الاستشعار التي تسجل كيف ينتقل الصوت تحت المياه في مواقع مختلفة.
يقول ريان مارتينسون، خبير الصين في كلية الحرب البحرية الأمريكية: “الدافع الأساسي هو التنقيب عن المعادن في قاع البحر، لكن هناك أيضاً استخدامات عسكرية واضحة. المنطقة التي يتركز فيها نشاط هذه السفن هي المكان الذي قد تقع فيه حرب غواصات بين الولايات المتحدة والصين”.
كان جيش التحرير الشعبي الصيني يبني ما يُسمى قدرات منع الوصول وحرمان المناطق التي تهدف إلى إبعاد الجيش الأمريكي، عن أي نزاع في المياه التي يعتبرها ضمن “مصالحه الأساسية”، خاصة تايوان وبحر الصين الجنوبي.
يقول أليكس نيل، خبير الصين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “يمددون قدراتهم بشكل أسرع الآن. تحتاج الصين إلى تطوير قدرتها على التنقل عبر تلك المياه للقيام بأعمال الردع النووي المنقولة بحراً”.
بدأت الولايات المتحدة بملاحظة ذلك. اتفقت واشنطن مع أستراليا في كانون الثاني (يناير) الماضي، على بناء قاعدة عسكرية مشتركة على جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة، البلد الواقع جنوب المحيط الهادئ الذي يتمتع بأكبر وجود صيني ويتلقى مساعدات ضخمة من بكين. كما تعمل الولايات المتحدة أيضاً على زيادة التمويل لدول ارتباط كوفا، ودعت القادة إلى عدم تحويل الاعتراف الدبلوماسي من تايوان إلى الصين.
مع ذلك، فإن قلة من البلدان هي التي تريد أن تعْلق في منافسة جغرافية سياسية.
يقول جيمس باتلي، المفوض السامي الأسترالي السابق في جزر سولومون: “البلدان الجزرية في المحيط الهادي لا تريد أن تكون في وضع تضطر فيه إلى اختيار طرف واحد، فحتى أستراليا لا تزال تريد الاعتقاد أن بإمكانها العمل مع الصين”.
على الرغم من أن إجمالي المساعدات التي تُقدمها بكين للمنطقة تمثل 4 في المائة فقط من برنامجها العالمي للمساعدات إلا أن الحكومة الصينية تستخدم المساعدات بشكل استراتيجي: تركّز على بناء البنية التحتية، ومتوسط حجم مشاريعها أكبر بكثير من المانحين الآخرين، وذلك وفقاً لمعهد لوي.
بعد انقلاب عسكري في فيجي عام 2006، انفصلت الصين عن القوى الإقليمية الأخرى التي أرادت عزل الحكومة العسكرية.
ليس لأنها دعمت الحكّام الجُدد فحسب، بل لأنها زادت المساعدات من مليون دولار إلى 161 مليون دولار في غضون عامين.
منذ ذلك الحين، عززت فيجي المبادرات الإقليمية التي تسعى إلى تهميش منتدى جزر المحيط الهادئ، وهو مجموعة إقليمية تضم أستراليا ونيوزيلندا – وكلاهما حليف للولايات المتحدة تلعبان دوراً تقليدياً في المنطقة.
كما تشعر أستراليا بالقلق بشأن التمويل الصيني لموانئ المياه العميقة مثل بورت فيلا في فانواتو، واحتمال أنها قد تسعى إلى استخدام مثل هذه المنشآت كقاعدة بحرية.
يقول جراهام: “إنها وجهة نظر ثابتة داخل الحكومة الأسترالية أن الصين لديها مخططات استراتيجية عن مثل هذه الموانئ. حتى لو كان هناك خطر بنسبة 10 في المائة فقط من قيام الصين بإنشاء قاعدة هنا، فإن الأمر يستحق الاستجابة لأن العواقب قد تكون كبيرة جداً بالنسبة لأستراليا – حيث نواجه ازدحاما مروريا في جزر فانواتو، وفيجي وسولومون لخطوط الشحن التي تعبر المحيط الهادئ مباشرة إلى أمريكا”.
في الوقت نفسه، تسببت حكومة جزر سولومون بحدوث صدمات في كانبيرا في عام 2016، عندما قررت استبدال شركة توريد مدعومة من أستراليا تم اختيارها في مناقصة مفتوحة من أجل بناء كابل تحت البحر يربطها مع سيدني، وتعاقدت بدلا من ذلك مع شركة هواوي، مجموعة التكنولوجيا الصينية التي تعتبرها عدة حكومات غربية تهديداً أمنياً. استجابت كانبيرا من خلال بناء الكابل تحت البحر لجزر سولومون بنفسها ودفع ثُلثي التكلفة.
على أن الشركة الصينية لا تريد الاستسلام: تعرض شركة هواوي الآن ربط الأجزاء البعيدة في البلاد عبر كابل من فانواتو.
تقول أستراليا إنها لا تعترض، لكنها تحذر من أن مثل هذه المشاريع قد تدفع البلاد إلى فخ ديون خطير، إذا تم تمويلها من خلال القروض التجارية الصينية.
في تونجا، تركت الأموال الصينية البلاد تعتمد على بكين. بموجب مخطط يتم الاعتراض عليه حالياً في محاكم تونجا، فإن الشركة الصينية للأنظمة الهندسية الإلكترونية، وهي شركة مرتبطة بجيش التحرير الشعبي، دفعت لشركة تونجاسات التي تُسيطر عليها بيلوليفو الأميرة الملكية لتونجا، 50 مليون دولار أمريكي في عام 2008 من أجل وضع قمر صناعي في سماء مملكة بولينيزيا.
الجزء الأكبر من الأموال، نصفها كان ينبغي أن يذهب إلى الموازنة الوطنية، ثم ذهب إلى الشركة، وذلك وفقاً لوثائق محكمة تونجا.
اقترضت تونجا 114 مليون دولار بين عامي 2008 و2010 من بكين. وتعادل ديونها للصين الآن 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
أطلقت العائلة المالكة لاحقاً تحقيقاً مع أكيليسي بوهيفا، رئيس الوزراء والناقد الرئيس للأميرة، فيما يقول إنه محاولة لاستبداله بمرشح أكثر صداقة للصين.
تقول آن ماري برادي، خبيرة الصين في المنطقة، إن مشاركة بكين في تونجا استراتيجية للغاية.
وتجادل بأن “بلدان جنوب المحيط الهادئ المذكورة مهمة للغاية من الناحية العسكرية: نظام بيدو الصيني يحتاج إلى فتحات أقمارها الصناعية لتوجيه الصواريخ وقيادتها والسيطرة عليها”.
في هونيارا، يُنظر إلى مثال تونجا على أنه قصة تحذيرية. يقول فيريسوا: “نرى ما حدث هناك، وفي سريلانكا وجزر المالديف – هناك القروض الضخمة بمنزلة فخ الديون. علينا الحذر لأننا بلد صغير للغاية، وقد نفقد سيادتنا”.
جذب الصين قوي. الأموال من بكين لعبت دوراً كبيراً في الانتخابات في البلاد التي أُجريت أخيراً، لكن الأمر قد يستغرق وقتاً حتى نهاية الشهر قبل تشكيل الحكومة.
وفقاً لأحد أعضاء البرلمان وتنفيذي صيني في شركة هونيارا لهندسة البناء المدنية الصينية المملوكة للدولة، وهي واحدة من قنوات بكين لتمويل السياسيين المحليين. ماناسي سوجافاري، رئيس الوزراء السابق، تلقى أموالاً من تلك الشركة من أجل حملته لإعادة الانتخاب في مقعده البرلماني، كما قال الشخصان. سوجافاري لم يستجب لطلب التعليق.
بعد العودة من زيارة استغرقت أسبوعين إلى الصين دفعت بكين تكاليفها العام الماضي، تبقى المرشحة كونوفيليا مليئة بالإعجاب بسِجل الحزب الشيوعي في انتشال الشعب الصيني من الفقر.
وتقول “إنهم يمكّنون شعبهم”، مُضيفةً أنها تأمل بالحصول على دعم بكين في تحويل جزر سولومون.
الغضب بين سكان الجزر يتزايد بسبب الأعداد المتزايدة من المهاجرين الصينيين وقوتهم الاقتصادية المتزايدة.
على الرغم من إعجاب كونوفيليا ببكين، إلا أنها تعهدت باستبعاد المستثمرين الصينيين من مجموعة واسعة من الصناعات.
وتقول: “نحن لا نريد أن يتدخل الجميع هنا بعد الآن. نحن نريد أن نعيش حياتنا. اتركونا وشأننا، فحسب