عاممقالات

تراجع السلع والعوامل الجيوسياسيّة والمخاطر التجارية

تم النشر في الأحد 2018-03-18

 أولي هانسن ، رئيس استراتيجية السلع لدى ’ساكسو بنك‘

 سجل ’مؤشر بلومبيرغ للسلع‘ انخفاضاً للأسبوع الثالث على التوالي؛ وبقيت السلع الرئيسية- مثل النفط الخام والذهب والنحاس- عالقة في نطاقات تداولات ضيقة نسبياً. وقد تراجع الطلب من جانب المستثمرين نتيجة التوترات التي شهدتها السوق قبيل الرفع شبه المؤكد لأسعار الفائدة الأمريكية للمرة السادسة تقريباً (في هذه الدورة الحالية) يوم 21 مارس، ناهيك عن المخاطر الجيوسياسية المتنوعة وانعدام اليقين السياسي في واشنطن.

ويعتقد محللون أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعيين المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، مايك بومبيو، وزيراً للخارجية (بدلاً من ريكس تيلرسون) سيحمل تداعيات سلبية للاتفاق النووي مع إيران، كما سيعزز المنهج الأمريكي المتشدد إزاء التجارة. ولا شك أن مضي الولايات المتحدة قدماً في فرض مزيدٍ من الإجراءات الحمائيّة سيؤدي لتفاقم مخاطر الحروب التجارية بما يتخطّى من حيث التأثير منتجات الفولاذ والألمنيوم والغسالات. وسيكون النمو العالمي هو الخاسر الأكبر في ضوء هذه التطوّرات، كما سيطال هذا التأثير أيضاً سوق السلع والمجالات المعتمدة على النمو الاقتصادي مثل الطاقة والمعادن الصناعية.

وشهد الذهب تداولاً ضمن نطاق ضيق نسبياً، وبقي المعدن الثمين متأثراً بالتركيز على مسألة رفع أسعار الفائدة، وتزايد انعدام اليقين الجيوسياسي. وفي الوقت نفسه، ارتفع أحد مقاييس المخاطر الجيوسياسية إلى أعلى مستوى له منذ غزو العراق عام 2003.

من جهةٍ ثانية، تراجعت جميع المعادن الصناعية التي يقودها الألمنيوم، وذلك بالتوازي مع تسجيل ارتفاع قياسي لمستوى المخزون الذي ترصده ’بورصة شانغهاي للعقود الآجلة‘. ولم يشهد الطلب الصيني أي تحسّن بعد في فصل الربيع، مع العلم أن نشوب حرب تجارية قد يؤدي إلى تفاقم المخاطر وتثبيط التوقعات الإيجابيّة.

من ناحيةٍ أخرى، شهد القطاع الزراعي تداولاً منخفضاً للأسبوع الثاني، والذي تزامن مع إنطلاق أنشطة جني الأرباح في قطاعات الاستثمار الزراعي عالية الجودة مثل القمح وفول الصويا والقطن. وبالنسبة لقطاع الحبوب، تتواصل المعركة بين المخزونات الكثيفة وظروف الطقس غير المواتية؛ حيث ساعد الجفاف الشديد خلال الشهرين الماضيين في الأرجنتين والسهول الأمريكية الوسطى على تحفيز عمليات الشراء التي تتلاشى حالياً بسبب التوقعات المتعلقة حول منسوب الأمطار.

وقد أدى ذلك إلى بقاء الأسعار ضعيفة وعُرضة للتأثير، خصوصاً بعد أن ابتعدت صناديق التحوط- خلال موجة شرائية قوية امتدت لستة أسابيع حتى 6 مارس- عن حيازة مزيجٍ قياسي مُجمّع من مراكز التداول قصيرة الأجل في قطاعات الذرة والقمح وفول الصويا بواقع 473 ألف حصة، والتركيز بدلاً من ذلك على 315 ألف حصة.

وكان الذهب في طريقه لتحقيق أعلى مستويات التداول الأسبوعية من حيث النسبة المئوية منذ عام 2012، ومن حيث الدولار الأمريكي منذ عام 2007. وخلال أسبوعٍ هادئ للغاية بالنسبة للدولار، رأينا أن موجة الارتباك المرافقة للقرار المُحتمل برفع أسعار الفائدة (من جانب لجنة السوق المفتوحة الفدرالية) قابلها حالة أخرى من انعدام اليقين الجيوسياسي الذي تجلّى واضحاً على شكل توتر مع روسيا؛ إلى جانب استمرار الغموض السياسي في الولايات المتحدة والذي اقترن مع مضي واشنطن في تطبيق مزيدٍ من الإجراءات الحمائية، وهو أمر قد يضر بالنمو العالمي بنهاية المطاف نتيجة انكماش تدفقات السلع.

وستعقد لجنة السوق المفتوحة الفدرالية اجتماعاً يوم 21 مارس وسط توقعّات مؤكدة بإجراء رفع إضافي لأسعار الفائدة.

وقد أدت الارتفاعات الخمس التي شهدناها لغاية في هذه الدورة الحالية إلى تكرار نفس السيناريو فيما يتعلق بالذهب؛ حيث كان المعدن الأصفر يواجه موجات بيع قويّة قبيل اتخاذ أي قرارٍ لرفع الأسعار، ثم ما يلبث أن يعاود الصعود بعد الإعلان عن رفع الأسعار بشكل رسمي. وكانت جميع هذه الارتفاعات تُوصف على أنها ’إيجابيّة‘؛ ولكن التأثيرات السلبية المحتملة هذه المرة ستترسّخ بشكل أكبر إذا قام الرئيس الجديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بإصدار آراءٍ أكثر تشدداً (وهو أمر لا تُبرّره البيانات الاقتصادية الأخيرة).

وإذا أخفقت لجنة السوق المفتوحة في إجراء رفعٍ مُتشدد، من المرجح أن يجد الذهب بعض المساندة، خصوصاً من حيث استعادة التركيز على الملاذات الآمنة وتنويع الطلب.

تشهد أسواق الذهب واحداً من أضيق نطاقات التداول خلال 6 سنوات، وسط ترجيحات بعدم تغيّر مؤشر المخاطر الجيوسياسية المستقر عند أعلى مستوى له في 15 عاماً. وفي هذا السياق، يقوم ’مؤشر كالدار ولاكوفيلّو للمخاطر الجيوسياسيّة‘ باحتساب عدد المقالات المرتبطة بالمخاطر الجيوسياسية في 11 صحيفة وطنية ودولية كل شهر، وذلك كنسبة مئوية من إجمالي عدد المقالات الإخبارية. 

في ضوء ذلك، لا يزال الذهب عالقاً الآن عند نطاقٍ ضيق يتراوح بين 1300-1340 دولار للأونصة، ونحن نحافظ في هذا السياق على رؤية صعودية فوق 1285 دولار للأونصة، مع حدوث كسر صعودي أولي يتيح الوصول إلى مستوى 1356 دولار للأوقية.

وأسوةً بالذهب والنحاس، كان النفط الخام يكافح أيضاً على نحو متزايد للخروج من نطاق تداوله الراسخ. وقد أصبحت السوق عالقة عند مستوىً ثابت، مع العلم أن ارتفاع الإنتاج الأمريكي والعقود ميسّرة الأجل قابلها توقعات قوية للطلب ومخاطر من انقطاع الإمدادات، مع التركيز بشكل خاص على فنزويلا وإيران.

وأشارت تقارير النفط الشهرية الصادرة عن منظمة ’أوبك‘ ووكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكيّة إلى أن معروض المنتجين من خارج ’أوبك‘ يفوق حجم نمو الطلب هذا العام. وقد سلطت ’وكالة الطاقة الدولية‘ الضوء على الخطر الذي سيواجه الطلب العالمي نتيجة الحرب التجارية، كما أشارت في الوقت نفسه إلى تزايد مخاطر التدهور فيما يتعلق بتوقعات الإنتاج الفنزويلي الذي وصل فعلياً لأدنى مستوياته منذ عدة عقود.

وقد تزايدت مخاطر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، والذي تم التوصل إليه في الماضي، بعد صدور أنباء مفادها أن الرئيس ترامب أقال وزير خارجيته ريكس تيلرسون وعيّن بدلاً عنه مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، وهو أحد المتشددين إزاء إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، وبالتالي فهو يرتكز على وجهات نظر تنسجم مع الرئيس ترامب.

ولكن ردّة فعل السوق على هذه الأنباء كان خافتة تماماً على خلفية التكهنات بأن انخفاض الصادرات الإيرانية قد يؤدي إلى تخلي المنتجين من داخل وخارج ’أوبك‘ عن اتفاقهم المتعلق بتخفيض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً. وستكون روسيا سعيدة بالخروج من هذا الاتفاق إذا أتيحت لها الفرصة؛ في حين من المرجح أن تغتنم المملكة العربية السعودية الفرصة لاستعادة حصتها في السوق عبر زيادة إنتاجها الخاص لمواجهة أي نقص مُحتمل.

وستبقى فنزويلا أكبر خطر قصير الأجل على المعروض، لاسيما وأن إنتاجها انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عدة عقود. ومن شأن العقوبات الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة على فنزويلا أن تعرقل قدرتها على الإنتاج، خصوصاً وأنها تواجه فعلياً العديد من التحديات مثل الديون الكبيرة والبنية التحتية المتداعية والاضطرابات العمالية وارتفاع التضخم.

وسيستقر النفط الخام عند نطاقٍ ضيق مما يؤكد على قرب حدوث كسرٍ. ومع ذلك، من المرجح أن تسهم مراكز التداول الطويلة شبه القياسيّة لصناديق التحوط في كبح جماح المسار الصعودي للنفط خلال المرحلة الراهنة، وذلك ما لم تظهر أي تهديدات واضحة قد تعرقل الإمدادات. من ناحية أخرى، من المحتمل أيضاً أن يكون الاتجاه الهبوطي محدوداً طالما بقيت مخاطر الانقطاع قائمة. وقد يؤدي حدوث كسرٍ أدنى من القاع المُسجل في فبراير عند 57.60 دولار للبرميل (خام غرب تكساس الوسيط)، و61.75 دولار للبرميل (برنت) إلى إجراء مزيدٍ من أنشطة التصفية طويلة الأمد.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock