بعد كوفيد19-: هل سيجتاحنا فيروس الإنسانية؟
تم النشر في الأثنين 2020-05-18
د.عبدالله بن موسى الطاير
الإجراءات العالمية في مواجهة جائحة كوفيد-19 تذكِّرني بمشاهد مكرورة في الأفلام العربية عندما تدخل الشرطة منازل المجرمين أو المعارضين السياسيين فتدمر كل شيء في طريقها حتى تتحول موجودات المنزل قاعاً صفصفاً من العبث الذي يحدثونه وهم يبحثون عن قرائن أو أدلة تشرعن تورّط المتهم وتزيد عقوبته.
القرارات السياسية التي اتخذتها الدول، وهي مكرهة عليها بدون شك، تدمر كل شيء جميل في طريقها وهي تواجه الجائحة. ومن أجل الإنسان، وهو خليق بذلك، يتم تدمير الاقتصاد العالمي لتصل خسائر كورونا إلى نحو 8 تريليونات في بعض التوقعات.
قرارات إنسانية للغاية أن يتم التضحية بهذه التريليونات من أجل حياة الإنسان. فهل ستكون هذه الإنسانية دائمة أو مؤقته تنتهي بانتهاء الجائحة؟ وهل هي مشاعر كونية أم وطنية ضيقة؟ هناك أناس يقتلون في حروب، وحروب بالوكالة، ومجاعات وتهجير قسري، وفقر وكوارث. فهل تعلّمنا كورونا افتداء تلك الأنفس بالقليل من الأموال؟ وصون كرامة الإنسان الذي يواجه حتفه في أكثر من مكان في العالم ببعض النيِّات الحسنة والتطبيقات الصادقة؟
سوريا، ليبيا، العراق، اليمن، الصومال، أفغانستان، مالي، إفريقيا الوسطى، ضحايا بوكو حرام، والقاعدة وداعش، الروهينجيا، وغيرها من الحروب والنزاعات كان يمكن حلها لو تظافرت الجهود وتنازلت الدول ذات الصناعات العسكرية عن بعض أرباحها، واستثمرت القوى العظمى في صناعة أدوات وآليات الحوار والتفاوض، وجعلهما سبيلاً لحل المشكلات بدلاً من النزاعات المسلحة التي تصنع لها أفتك الأسلحة من أجل ازدهار صناعة السلاح وتوفير ملايين الوظائف لمواطنيها.
الأعداء في الحروب المسلحة يرون بالعين المجردة، والنزاعات بقدر ما هي معقدة فإنها لا تحتاج لعلماء ومعامل لصناعة لقاحات وأدوية، إنما تحتاج لقرارات إنسانية تصان بها الدماء البريئة. هذا العالم الذي يدمر كل شيء في طريقه للوصول إلى فيروس كوفيد- 19 وقتله، يمكن له أن يبني كل شيء في طريقه وهو يخمد الحروب والنزاعات واحداً تلو الآخر، وليس هذا فحسب وإنما يسهم في انتعاش الاقتصاد العالمي وزيادة أرباح الشركات التي تعمل في التنمية والتداوي وتحسين مستوى المعيشة والحياة على حساب تلك التي تصنع الموت وتصدره للخارج.
إفريقيا السمراء فقيرة في الطيران البيني، بل وحتى الطيران الدولي إلا من عدة وجهات لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة، واليوم تربض الطائرات على الأرض في كل أنحاء العالم في إعلان للمساواة مع إفريقيا. في بلدان النزاعات لا يأمن الإنسان من جاره عندما يتحزَّب كل إلى طائفته أو تياره أو قبيلته، واليوم لا يأمن إنسان إلى آخر في دول العالم الآمنة المستقرة خوفاً من أن يكون أحدهما يحمل فيروس كورونا. نحن نجرّب إحساس الخوف الذي يواجهه الناس في مناطق النزاعات، ونجرّب حظر التجوال الذي هو جزء من نسق الحياة اليومي في بلاد يفتك بها الخوف وانعدام الأمن، ونجرّب كساد الاقتصاد الذي تعيشه بلاد لم تعرف الانتعاش الاقتصادي في تاريخها، ونجرب البطالة، حيث وصل عدد الباحثين عن معونة بطالة إلى 36 مليوناً في الولايات المتحدة الأمريكية فنتشارك هذا الشعور المرير مع ملايين العاطلين في البلدان الفقيرة ومخيمات اللاجئين.
القرارات الصعبة التي اتخذتها الدول إنما هي لصالح مواطنيها، ولأول مرة تبرز بوضوح أنانية الدول وانكفائها على إنسانها ومحاولة حمايته مهما تكبدت من الخسائر في مجال الاقتصاد والإنتاج. فهل يمكن أن يُصاب صنَّاع القرار العالمي بعدوى الإنسانية فيخرجون بنظام عالمي أكثر رحمة؟ أم أنهم سيخرجون من هذه الجائحة بخسائر تحيلهم كالسباع الجارحة يعدون نحو كل مورد يعزِّز اقتصاداتهم حتى ولو ارتكبوا في سبيل الاستحواذ على موارد جديدة أبشع المجازر في حق الإنسان.
أرادت أمريكا بسط نفوذها بعد الحرب الثانية، فبدأت بمشروع مارشال لعمارة أوروبا، وامتدت إنسانيتها لإعادة بناء اليابان وكوريا الجنوبية. فهل تفعلها أمريكا ثانية لتقود العالم بأدوات أكثر رحمة؟ أم ستلعب الصين دور أمريكا فيما بعد عام 1946م، فتتدخل في العالم بالبناء والتنمية؟
ما أجزم به هو التغيير القادم في السلوك العالمي بعد الجائحة، لكن أحد يستطيع أن يجزم بما إذا كان للأفضل أو الأسوأ. ما نأمله أن يخرج قادة العالم وقد أصابهم داء الإنسانية.