الهبوط الحاد لأسعار النفط والمخاطر الجيوسياسية تهدد بزعزعة أسواق السندات العالمية
تم النشر في الأحد 2017-04-16
دائماً ما تحمل بداية فصلي الربيع والصيف نوعاً من التفاؤل، على الأقل بالنسبة لنا نحن أبناء الشمال ممن عانوا من ساعات النهار القصيرة ودرجات الحرارة المتجمدة لمدة 5 أشهر على التوالي. وينطبق هذا التفاؤل على الأسواق المالية أيضاً.
وفي واقع الحال، تحققت معظم توقعاتنا التفاؤلية للربع الأول من عام 2017، حيث لامست الأسهم أعلى مستوىً لها في عدة سنوات في حين حقق كل من التضخم والنمو نتائجاً إيجابيةً فاقت التوقعات بالرغم من عوامل الخطورة السياسية التي تكاد لا تنتهي. وفي الواقع، قد تحمل عوامل الخطورة السياسية المتمثلة بالانتخابات الأوروبية تأثيراً أضعف من المتوقع على الأسواق، ولكن تسيطر درجة عالية من انعدام اليقين على الفترة التي تسبق الانتخابات (مخاطر الأحداث المخطط لها).
وبدورها، سجلت العائدات العالمية ارتفاعاً ملموساً. وفي حين ينسجم هذا الأمر مع توقعاتنا نعتقد عند هذه المرحلة بضرورة تكشف الأمور. إذ أننا نشعر بخيبة أمل على مستوى العائدات الأساسية العالمية، وبالتالي نحن ننصح بتوخي الحذر خلال هذه المرحلة. ومع ذلك، هناك في الوقت الراهن عدة عوامل تعرقل ابتعاد العائدات العالمية عن نمط التداول الحالي، ولهذا السبب قد تتأخر زيادة العائدات العالمية أو تتعرض للتهديد حتى بفعل العوامل الواردة أدناه.
الانتخابات الأوروبية
يتضح من منظور السوق أن المخاوف التي تحيط بإجراء الانتخابات في أوروبا تتعلق في المقام الأول بتشكيل الناخبين المعارضين للاتحاد الأوروبي لحكومات من شأنها أن تمزق مشروع الاتحاد الأوروبي. ويمثل هذا الأمر المخاوف السائدة والسبب الكامن وراء توقعاتنا بانخفاض شهية المخاطر بصورة كبيرة لغاية موعد الانتخابات الفرنسية.
ولكن حتى في حال انتخاب حكومة فرنسية ’مناوئة‘ للاتحاد الأوروبي، هناك احتمال كبير بأن تكون حكومة كهذه مجردةً من سلطتها وقوتها الحقيقية. ولذلك، نعتقد بأن النسبة الأكبر من المخاطر ذات الصلة بالسياسة ستتلاشى تباعاً بعد الانتخابات الفرنسية مفسحةً المجال أمام حدوث صعود ارتفاع في أسعار الأصول ذات المخاطر العالية، لتلغي في ذات الوقت علاوات الملاذ الآمن في أسواق رئيسية مثل أسواق السندات الألمانية والهولندية والدنماركية وترسل إجمالي العوائد الرئيسية إلى مستويات أعلى.
وفي شهر سبتمبر، يمكن للانتخابات الألمانية إعادة إطلاق جولة أخرى من تراجع المخاطر، بالرغم من عدم رؤيتنا لمخاوف مماثلة في السوق حيال هذه الانتخابات، أقله في الوقت الحالي.
انهيار أسعار النفط
شهدت أسعار النفط حالة من الاستقرار خلال عام 2016، ويعتبر ثبات مستوى أسعار عند حدود 50 دولاراً للبرميل بمثابة أمر إيجابي بالنسبة لمكونات التضخم، حيث انقلب تأثير الانخفاض الهائل إلى حدود 27 دولاراً للبرميل في أوائل عام 2016 إلى زيادة في أسعار النفط. ويعني هذا الأمر جنباً إلى جنب مع عوامل أخرى أن التضخم دخل في مسار تصاعدي وأنه سينتج تأثيراً أساسياً متواضعاً من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع مستويات العائد العالمي. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تحمل العودة إلى مستوى 20 دولاراً للبرميل تأثيراً كبيراً لا ينحصر بتوقعات التضخم، إذ أن عودةً كهذه قد تعيد طرح التقلبات في الأسواق العالمية أيضاً، مع رد فعل غير محسوب للأسهم والعائدات العالمية ذات المستوى المنخفض.
هل يمكن أن يحدث انهيار جديد في سوق النفط؟ تتمثل المشكلة في أنه بالرغم الارتفاع المتزايد لمستوى الطلب المتوقع على أساس مستوىً أعلى من النمو العالمي، لا يزال المعروض وفيراً ومتزايداً مع قيام سوق النفط الصخري التي تتميز بقدرتها الفائقة على التكيف بإغراق السوق عند أي محاولة لرفع الأسعار.
وعلاوةً على ذلك، ينبغي الأخذ بالاعتبار أن المواقع الرئيسية في سوق النفط المستقبلية تتسم أيضاً بكونها حاسمةً ويمكن لها أن ترسل أسعار النفط في دوامة هبوطية، حيث أن أي خللٍ في المواقع من شأنه أن يطلق العنان لمستوىً قياسي من عمليات البيع المحتملة للنفط في المستقبل.
العوامل الجيوسياسية
لا نرى أي مخاطر هامشية تنشط في الأسواق بسبب المسائل الجيوسياسية الحالية. ومع ذلك، يمكن للتطورات الأخيرة في تركيا أن تصعّد حالة انعدام اليقين في أوروبا، إلا أنها ستحمل تأثيراً طفيفاً على الأسواق. ولكن قد تتسبب أي مواجهات في الوضع السياسي التركي بالمزيد من الصعوبات والإشكالات بالنسبة للأتراك إلى جانب انتقال تداعيات هذه المسألة إلى غيرها من الأسواق الناشئة.
ولذلك، على الرغم من اعتقادنا الراسخ بأننا سنستمر برؤية ارتفاع تدريجي للعائدات على مدار العام إلى جانب المخاطر المحتملة في إطار ارتفاع أسعار الأصول ذات المخاطر بعد الانتخابات، يمكن للعوامل المذكورة أعلاه تغيير هذا الأمر.
وإذا لم نشهد التطور الإيجابي المتوقع، قد تقوم بعض أسواق الدخل الثابت بالتداول عند أسعار منخفضة للغاية خلال الوقت الراهن. ومن وجهة نظرنا، سنستمر بمراقبة الأسواق المرتبطة بصورة مباشرة بالمنحنى المرجعي للدولار الأمريكي ويمكن لهذه الأسواق أن تحقق قدراً أكبر من الإيرادات بكل سهولة في حال لم تتحقق التوقعات المتراكمة بشأن السياسات المالية وارتفاع مستويات النمو العالمي والتضخم. وستحقق سوق سندات الشركات الأمريكية الفائدة إذا دخلنا في جولة أخرى من انخفاض العائدات العالمية، كما أنها ستصبح جاهزةً لتحديد المراكز في حال تأكدت خيبة الأمل هذه.
هل تعتبر الأسواق الناشئة مكاناً مثالياً للكسب السهل؟
تأكدت رؤيتنا الإيجابية على مدى عام كامل لسندات الأسواق الناشئة من خلال المكاسب الكبيرة التي حققتها معظم أسواق السندات الناشئة الرئيسية. ونحن لا نزال ندعم هذه الرؤية مع دخولنا في الربع الثاني من العام، كما أننا نشهد حالة من التحسن التدريجي المستمر في اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية إذ أنها تمتلك تأثيراً كبيراً على جاذبية فئة الأصول قياساً بالأثر الذي تمتلكه بالنسبة لمسألة الرفع التدريجي لمستوى العائدات الأساسية العالمية.
ويتمثل أحد أسباب ذلك في علاوات المخاطر/ المكافئات ضمن فئة الأصول الخاصة بالأسواق الناشئة، والتي نعتقد أنها ستواصل استقطاب المستثمرين باعتبار أننا نشهد تحول المزيد والمزيد من الأسواق الناشئة نحو العولمة والتوحيد وسهولة التداول والتسعير قياساً بأقرانها من الأسواق المتقدمة. وفي ذات الوقت، أصبحت العديد من بلدان الأسواق الناشئة أكثر نضجاً كما تلاشت بعض عوامل المخاطر في الأسواق الناشئة من أمثال عدم وجود هياكل/ أطر عمل سوقية وانعدام السيولة في السوق مع دخول الاقتصاد والنظم المالية الخاصة بهذه البلدان في مرحلة أكثر تطوراً.
وبالمقابل، لا نتوقع أن يكون عام 2017 خالياً من التحديات، ويمكن لارتفاع حدة توقعات مجلس الاحتياطي الفدرالي أو حالة انعدام اليقين الجيوسياسي أن تؤدي لحدوث اضطرابات على مستوى فئة الأصول. كما أن عملات الأسواق الناشئة تواجه مخاطر مواجهة العديد من التحديات والصعوبات خلال عام 2017.
التأثير السياسي يدخل في إطار المبالغة
تمثلت تجربة الأحداث السياسية خلال عام 2016 بتفاعل السوق من خلال بناء التوقعات قبل هذه الأحداث المخطط لها. وعادةً ما تؤخذ المخاطر من السوق، ومن وجهة نظر الدخل الثابت، غالباً ما تسجل السندات الأساسية ارتفاعاً ملموساً قبل هذه الأحداث على خلفية تحديد مراكز تتسم بضعف المخاطر.
وغالباً ما تعزى عملية تحديد المراكز إلى الصناديق كبيرة الحجم التي تجبر في كثير من الحالات على خفض مستويات المخاطر بسبب نماذج المخاطر الداخلية والخارجية. وقد تبين أن حجم عملية تحديد المراكز قبل الحدث كان سطحياً في اثنتين من الحالات الرئيسية، مع حدوث ارتفاع في أسعار الأصول ذات المخاطر العالية على خلفية الحدث، وحتى عند حدوث أسوء السيناريوهات.
ويعتبر هذا الأمر جديراً بأخذه بالحسبان مع اقترابنا من دخول اثنتين من عمليات الانتخاب الأوروبية الرئيسية مع ذات النمط لمخاطر الأحداث المخطط لها. وبالنسبة للسندات، نحن حريصون بشكل خاص على العائدات الأساسية الأوروبية بعد الانتخابات الفرنسية في حال لم تحمل أي مفاجئات، وهو أمر مرجح للغاية. ويمكن أن يكون الجمع بين تحسين الاقتصاد الكلي الأوروبي ومستوى التضخم المرتفع جنباً إلى جنب مع الضغوط التي يخضع لها البنك المركزي الأوربي لتغيير مساره بمثابة مزيج غير صحي بالنسبة لأسواق السندات الأوروبية.
ونحن نتوقع أن يسجل التضخم والعوائد ارتفاعاً تدريجياً، إلا أن عوامل الخطورة الخاصة بهذا السيناريو قد تنشأ من أسعار النفط والأحداث الجيوسياسية. كما نتوقع أن تؤدي الانتخابات الأوروبية إلى تراكم كبير على مستوى تحديد المراكز وفق مخاطر منخفضة، لتعيق العائدات الأساسية الأوروبية قبل موعد الانتخابات.
ويتمثل أكبر عوامل الخطورة في أسواق السندات باحتمال حدوث انتعاش خلال مرحلة ما بعد الانتخابات من شأنه أن يدفع العائدات الأساسية الأوروبية إلى مستوى أعلى بسرعة أكبر مما يمكن للسوق أن تحتمل، وخاصةً في حال اعتمد البنك المركزي الأوروبي استراتيجيةً أقل حذراً بعد الانتخابات.