مقالات

المملكة بعد كورونا

تم النشر في السبت 2020-03-28

د مشاري النعيم

ربما نحن أحوج ما نكون في هذه الظروف الصعبة إلى بث الأمل والتفاؤل، ونتذكر أن الضربة التي لا تميتنا تقوينا. من يستمع إلى كلمة خادم الحرمين الشرفين -حفظه الله- في القمة الافتراضية لدول العشرين يوم الخميس الفائت يشعر بهذا الأمل كونه ينتمي إلى كيان متماسك يستطيع التعامل مع الأزمات بحكمة وحزم. أكثر ما يجعل كل مواطن ومقيم يشعر بالفخر هو أنه يعيش على أرض يحكمها رجال لديهم نخوة لا يساومون على قيمة الإنسان. كلمة الملك -أيده الله- تبين التوازن بين أهمية الإنسان التي يجب صيانتها “فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” وتعزز من حرمة النفس البشرية التي ينادي بها الإسلام وبين التنمية والتفكير بعمق في المستقبل واستشعار المسؤولية الوطنية العظمى الملقاة على عاتقه -يحفظه الله-. في كلمة خادم الحرمين دعوة للتكاتف للحفاظ على الإنسان مهما كان دينه وعرقه وهذه من شيم المسلم ومن شيم قيادة هذه البلاد. كما أن الكلمة لا تتغافل عن الاقتصاد وإعادة بناء الأسواق العالمية والمطالبة بتدفق السلع، أنها كلمة تحدد الدور المحوري الذي تلعبه المملكة على مستوى العالم.

يتحدث الكثير عن شكل العالم بعد هذه الجائحة التي شلت الدول الكبيرة قبل الصغيرة وغيرت الموازين التي كنا نعرفها لسنوات وحتى قبل أيام وهدمت النظم الأخلاقية التي كنا نتوقع أنها أقوى من أن تهزها أزمة، لكن هذا الفيروس فتح الباب على مصراعيه للتفكير في المستقبل بشكل مختلف قد يكون بداية لتغير موازين القوى العالمية وبناء نظام عالمي جديد بل واستحداث نظام أخلاقي مختلف عن النظام الواهم الذي كنا نعيش داخله. ما أشارت له مجلة “هارفرد بزنس ريفيو” حول فوائد جائحة كورونا هو مجرد بداية لسيل من التكهنات المستقبلية التي ستغير شكل العالم بالتأكيد. نحن مقبلون على تحولات كبيرة فرضتها هذه الأزمة الصادمة ويجب أن نكون مستعدين لها.

دعوة خادم الحرمين -يحفظه الله- للقمة الافتراضية وكلمته المهمة التي أكد فيها على بناء عالم متعاون يواجه الأزمات بشراكة ومسؤولية نؤكد الدور القيادي الذي ينتظر المملكة بعد انفراج الأزمة -بإذن الله-. نحن أمام دولة تشعر بمسؤولياتها الأخلاقية ولديها الاستعداد التام أن تقوم بواجباتها نحو مواطنيها ونحو العالم دون تردد. الكلمة تعبر عن إيمان وقناعة يتبعها استعداد تام للقيام بما هو ضروري لإنقاذ الانسان في كل مكان. الدعوة لدعم البحث العلمي لمواجهة الأزمات البيولوجية القادمة وتأسيس مجتمع علمي دولي يخدم كل دول العالم والأقل نموا منها على وجه الخصوص يعبر عن إحساس المملكة العميق بقيمة الإنسان أولا النابع من بنية ديننا الحنيف الذي صنع شخصية هذه الدولة المباركة على الدوام.

العالم بعد كورونا يرى في المملكة الدولة المبادرة التي تسعى إلى بناء عالم متسامح ومتكاتف لا يفرق بين لون وعرق ودين، وهو أصل الخطاب الإسلامي والقرآني الذي يشمل العالمين ولا يخص أحدا أبدا. فإذا كانت المملكة تقود العالم الإسلامي ويوجد بها مقدسات المسلمين وإذا كانت تشكل الرقم المؤثر في تزويد العالم بالطاقة وإذا هي مهد الحضارات الأولى ومنبعها إلا أنها كذلك “مملكة الإنسانية” فهي لا تتحرك لحماية الانسان عبثا أو من أجل مصالح فردية بل لأن رسالتها تفرض عليها هذه الثقافة الأصيلة المستمدة من جذورها الحضارية والدينية.

خطاب الملك، -حفظه الله-، هو بيان للبشرية يبين المعدن الأصيل لهذه الدولة وقيادتها وشعبها. إنه الدور الكبير الذي حمله، -يحفظه الله-، لكل مواطن، فهو يعلم أننا نعيش فترة انطلاق ونهضة وأن المرحلة القادمة ستكون مرحلة إقلاع غير مسبوق للتنمية الوطنية، وأن هذه الأزمة ستكون سحابة صيف وستعدي وعلينا أن نتعلم منها كما أنه لزاما علينا أن نحجز مكاننا بين الأمم المتقدمة التي تساهم في بناء الحضارة الإنسانية وألا نقبل أبدا أن نكون في الصفوف الخلفية. كلمة الملك موجهة للمواطن السعودي بقدر ما كانت موجهة للعالم.

عن الزميلة الرياض

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock