التآكل المطرد لمنظمة التجارة العالمية
تم النشر في الأثنين 2020-01-20
جاجديش باجواتي
تريد فرنسا استثناء ثقافيا. وهي فكرة لم ترق أبدا للولايات المتحدة التي تعدها طلبا مقنعا بصورة هزيلة للحماية. إلا أن هناك في الواقع نحو 50 دولة، وليست فرنسا فقط يری وزراء الثقافة فيها أنه من الضروري حماية ثقافتهم من التجانس “من التأثيرات الأمريكية غالبا، حسب ما يحدث”. والاستجابة المناسبة هي من الاستثناء الثقافي ولكن الإصرار على أن يتم ذلك من خلال الدعم وليس من خلال حصص الواردات. وفر دعما لرينوار ولكن دعه بعد ذلك يتنافس مع شبيلبرج. فحماية السينما الفرنسية من المنافسة ومن ثم تشجيعها على التمتع بما يسمی “إتاوات احتكارية” وحياة رغيدة هي بالضبط الطريقة الخاطئة.
الأغذية المعدلة وراثيا، هنا مرة أخرى، يكمن الخلاف الرئيس في الرأي في أن عددا كبيرا من الأمريكيين يرون أن هذه التكنولوجيا تحل المشكلات بينما يرى الأوروبيون في الأغلب أنها توجد المشكلات ويرد في كتابي المعنون “دفاعا عن العولمة” In Defense of Globalization كاريكاتير يعرض زبونا أمريكيا يخبر النادل أن يأخذ من أمامه طبق البروكولي عديم المذاق وأن يطلب من الطهاة تعديله وراثيا. ومن المؤسف أن اعتراضات النقاد الذين يطلقون على الأطعمة المعدلة وراثيا عبارة “أطعمة فرانكشتاين” ــ رغم انتهاء منظمة الصحة العالمية إلى أنه لا يوجد لهذه الأغذية أثر ضار في صحة الإنسان) ــ تشكل تهديدا لتعزيز الإنتاجية الزراعية، بما في ذلك في عدد كبير من الدول الفقيرة التي يواجه مواطنوها خطر التضور جوعا.
ضريبة توبین، تلتزم فرنسا التزاما عميقا بهذه الضريبة الدولية على معاملات النقد الأجنبي ــ التي اقترحها جيمس توبين الاقتصادي الحائز جائزة نوبل للحد من تقلب التدفقات الرأسمالية ــ بينما تعارضها المملكة المتحدة والولايات المتحدة كما تدل على ذلك ممارساتهما السابقة. وفي فرنسا، يرى كثيرون أيضا أن هذه الضريبة ببساطة وسيلة لرفع الإيرادات. ويقول آخرون إن البنوك تحصل فيما يبدو على أموال تنقذها من عثرتها بينما لا يحصل الفقراء على أي مساعدة تنقذ رهونهم العقارية حين يعجزون عن السداد. وبالتالي فإن ترك البنوك تغرق في معاملات تدفقاتها الرأسمالية يبدو عادلا تماما وانتصارا للبروليتاريا. ولا يمكن أن نتوقع أن تؤدي شراكة التجارة والاستثمار لدول المحيط الأطلسي بصورة ما إلى توفيق الآراء المختلفة للبلدان، المؤيدة لهذه الضريبة والمعارضة لها، في وقت قریب، إن حدث أصلا.
يتفق خبراء الاقتصاد التجاري عموما على أن اتفاقات التجارة التفضيلية جرثومة تنخر نظام التجارة العالمي. فمن الضروري أن تكون هناك قواعد متزامنة، يتعذر تحقيقها من خلال اتفاقات ثنائية وإقليمية، لتحكم التجارة المتزايدة بشدة في السلع الوسيطة المسماة سلاسل القيمة، وهي تسمية خادعة نظرا لأن السلع الوسيطة التي تدخل في تصنيع أحد المنتجات تذهب في عدة اتجاهات وترتد أيضا إلى نقطة نشوئها، فيمكن لفرنسا أن تستورد الصلب من اليابان، لكن الصلب الياباني يستخدم سلعا وسيطة مستوردة من جميع دول العالم، بما في ذلك فرنسا، وتمس هذه المشكلة كل واردات السلع الوسيطة، وفعليا أدان المدير العام لمنظمة التجارة العالمية المنقضية ولايته باسكال لامی، علنا انتشار اتفاقات التجارة التفضيلية كما أدانها المدير العام السابق للمنظمة ساذرلاند. ومن المفارقات أن القيادة في واشنطن، التي طالما دافعت عن العمل متعدد الأطراف، حولت تركيزها بدرجة كبيرة جدا باتجاه مبادرات التجارة التفضيلية.
لكن يتعين أن يكون صنع السياسة الاقتصادية تطبيقا لنظرية ثاني أفضل خيار، ونظرا لأن الاتفاقات الإقليمية الثنائية ــ وخصوصا ــ الكبيرة آخذة في الظهور، ماذا سيكون دور المدير العام الجديد لمنظمة التجارة العالمية روبيرتو أزيفيدو؟ أرى أن هذا الدور، بعد أن أصبحت ساق مفاوضات التجارة متعددة الأطراف في حكم المكسورة، يجب أن يكون كفالة تجنب حدوث ضرر للساقين الأخريين ــ وضع القواعد وتسوية المنازعات. ويجب أن يقوم أزيفيدو بدعوة قادة شراكة دول المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار لدول المحيط الأطلسي إلى وضع قواعد وإدارة تسوية المنازعات في هذين الترتيبين الإقليميين على نحو يعكس الدروس المستفادة على المستوى متعدد الأطراف. ويجب ألا يقتصر وضع القواعد على هذين المحفلين. ويجب ألا تستبعد من هذه العملية الدول غير الأعضاء في الترتيبين الإقليميين بذريعة أن جماعات الضغط الأمريكية تعرف ما هو الأصلح لكل شخص. وبالمثل، يجب أن تسمح آليات تسوية المنازعات في المحافل الثنائية أو الإقليمية بسماع آراء الدول غير الأعضاء المنتمين إلى منظمة التجارة العالمية.
وذلك مشروع ضخم. ولكن ما لم يعده أزيفيدو أولويته الأولى في عالم جديد، تبددت فيه على الأرجح مفاوضات التجارة متعددة الأطراف وأصبحت الاتفاقات التفضيلية العرف السائد فسيستمر التآكل المطرد لقيادة منظمة التجارة العالمية. وسيكون ذلك أمرا يرثى له.
ملخص المادة :
يتفق خبراء الاقتصاد التجاري عموما على أن اتفاقات التجارة التفضيلية جرثومة تنخر نظام التجارة العالمي. فمن الضروري أن تكون هناك قواعد متزامنة، يتعذر تحقيقها من خلال اتفاقات ثنائية وإقليمية، لتحكم التجارة المتزايدة بشدة في السلع الوسيطة المسماة سلاسل القيمة.
عن الزميلة الاقتصادية