مقالات

الإدخار كعادة طيبة بين البخل و الإسراف

تم النشر في الثلاثاء 2020-02-25

لا يهنأ البعض منا بأمواله الا عندما ينفقها كاملة ، فما فائدة المال إذن إذا لم نستمتع بما نقايضه به من خدمات و أشياء ، فلن نعيش في هذه الدنيا إلا مرة واحدة , هكذا يبرر البعض الثقب الكبير الذي في يده و الذي لا يجعله يوفر ريالا واحدا جراء الإنفاق الكثير . بالمقابل هناك من يحسب ألف حساب لكل ريال فيمتنع عن إنفاقه و لو بلغت أمواله عنان السماء ، و يكون بذلك برهان على صدق المقولة “قد يجمع المال غير آكله و يأكل المال غير من جمعه” . لكن ما أهمية الادخار و ما علاقته بالبخل من جهة و الاسراف من جهة أخرى ؟

إن أغلب كتب التنمية الذاتية تخصص فصلا كاملا لموضوع الإدخار و تجعله من أهم ركائز النجاح على المستويين الشخصي و المالي ، وبما ان دوام الحال من المحال فإن حياة الإنسان تتأرجح ما بين الرفاه و الفقر ، لذا فإن المنطق يقتضي أن يدخر المرء من أيام رفاهه لأيام فقره ، فالإدخار هو ما يجعلنا أكثر امانا و أكثر مرونة أمام مناورات الحياة ، و يجعل نضرتنا الى المستقبل أكثر طمأنينة .

إن التزامات الحياة و متطلباتها اليوم لم تعد تميز بين الكماليات و الأساسيات ، فثقافة الاستهلاك لم تعد كما كانت في السابق ، إذ مع انتشار الإعلانات و إحاطة العالم الافتراضي بنا جعل من اليسير التعرف على أذواق و أنماط متعددة من ثقافات تشجع أغلبها على الاستهلاك إن لم نقل الإستهلاك المفرط لكل شيء وفي كل الأوقات والأمكنة ،  فمع وسائل الدفع المبسطة يمكنك ان تشتري أي شيء في اي و قت ، لذا يبدوا الأمر للكثيرين أن لا مجال للادخار و ينظرون الى الاستهلاك الكلي لمدخراتهم كأمر محتوم .

يفهم البعض ميزة الإدخار بشكل خاطئ عندما يحرم نفسه و أهله من أساسيات الحياة بحجة ضمان المستقبل ، غير مدرك بأن من لا يعش حاضره لا يمكنه ان يعش مستقبله ، فتتحول ذريعة الإدخار تدريجيا الى داء البخل الذي لا دواء له ، فالإدخار لا يعني تأجيل متع الحياة و حرمان النفس من العيش الكريم بقدر ما هو اقتطاع لجزء من الدخل الزائد  لأجل أمور مستقبلية أهم .

لا توفر عادة الإدخار الأموال فقط بل فوائدها تعم جوانب كثيرة ، كتنميتها لحس المسؤولية تجاه الشخص نفسه و المحيطين به ، و الحماية من الأزمات الطارئة التي تستلزم مزيدا من الإنفاق كالتعرض لحوادث السير أو الأمراض لاسمح الله ، كما أن الإدخار يشجع المرء على الدخول في مشاريع و استثمارات تذر عليه ارباحا .

تقاس قوة الدول الإقتصادية بمدى احتياطاتها المالية و التي  تنتج عن ادخارها للفائض من الأموال ، كذلك فقوة الشخص المالية تتركز بالأساس على حسن تدبيره المالي ، كقدرته على الادخار ، فجميع علماء الاقتصاد أجمعوا على أن الدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود .

عبدالرزاق بهميدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock