عاممقالات

أسعار «الصيانة» .. وحماية المستهلك

تم النشر في الأربعاء 2016-12-28
د. عبد العزيز الغدير

أحد الاصدقاء تعطلت سيارته فذهب لإصلاحها في صناعية أم الحمام في مدينة الرياض فوجد أسعارا خيالية حيث تفاوتت الأسعار بين 1200 – 1500 ريال رغم أن العطل ميكانيكي بسيط ويمكن إصلاحه بتركيب قطعتين بديلتين خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات بالكثير (فك قطع وتركيب بديلة)، ويضيف أنه ذهب إلى إحدى الورش خارج الصناعية فطلب منه 1200 ريال لاستبدال قطعة واحدة فقط الأمر الذي أذهله حيث إن الأسعار غير منطقية بتاتا وفيها من التفاوت الجشع والاحتيال الشيء الكثير.

يقول إنه ذهب إلى منطقة صناعية أخرى بعيدة جدا واستطاع إصلاح الأعطال بـ 800 ريال وهو مبلغ كبير خصوصا أن العمالة ليست ماهرة ومن الواضح أنها تعلمت وتدربت في سيارات الزبائن حيث إنهم من خلال الحديث معهم لم يتدربوا في معاهد مهنية في بلادهم بل درب بعضهم بعضا، ويضيف أنه شعر أن نظام التسعير مرتبط بالمنطقة وجنسية الزبون، وأن النظرة للزبون ليست نظرة لعميل بل نظرة لضحية يجب أن يُستنزف ما في جيبها من المرة الأولى وليس من الضروري أن يعود مرة أخرى لجودة في العمل وسعر مناسب.

في المجلس ذاته الذي يتحدث فيه صديقي عن معاناته وعن الأسعار الخيالية لخدمات صيانة السيارات، تحدث أكثر من واحد من الحضور عن المشكلات والجشع الذي تعرض له من قبل شركات الصيانة لجهة أسعارها الخيالية، ولجهة الكذب والنصب في تشخيص الأعطال، ولجهة جودة العمل حيث يتعمدون التشخيص الخاطئ لأن الخلل الحقيقي لا يتطلب وقتا وجهدا وقطع غيار، ولذلك يقولون للزبون بخلل ليس حقيقيا يحقق لهم ما يريدون من مبالغ كبيرة معتمدين بشكل كبير على جهل طالبي الخدمات في السيارات، والأجهزة الإلكترونية، والمكيفات، والسباكة والكهرباء وغيرها.

لا تسألوا عن حال النساء وغير الواعين بأعطال السيارات والأجهزة الإلكترونية والمكيفات وغيرها فهؤلاء جميعا يتم النصب عليهم في التشخيص والأعطال ووقت الإصلاح ومكانه، ويتم تحميلهم قطع غيار لا حاجة لها إلى عملية الإصلاح ، ولا يتم تركيبها، ويتكلفون أسعارا خيالية، ولا يحصلون على نتيجة حيث سرعان ما يعود العطل مرة أخرى. والقصص التي نسمعها مؤلمة ومنها أن ربة منزل أرملة تكلفت بنحو 1500 ريال لإصلاح مكيف لا تتعدى قيمته ثلاثة آلاف ريال بدعوى تغيير الكومبرسور الذي يرواح سعره في محال قطع الغيار حول 350 ريالا وتعبئة فريون الذي لا يتعدى 50 ريالا، والنتيجة أن المكيف تعطل خلال أقل من أسبوع، وعند استقدام متخصص جديد تبين أن الكومبرسور لم يتم تبديله بتاتا، وأن الأرملة هذه ليس لديها فاتورة تبين الإصلاح وتكلفته ومدة الضمان إن وجدت.

وقضية عدم وجود الفاتورة تفتح بابا للنقاش في عدة محاور، أولها تعمد العمالة عدم إصدار فاتورة مطبوعة إلكترونيا لكيلا يلزموا بما فيها، وفي حال طلب فاتورة يأتون بفاتورة فارغة تعبأ يدويا من قبل العميل لأنهم عادة لا يتقنون الكتابة باللغة العربية، والبعض يتعذر بأن المطبوعات لم تصل حتى الآن وأن الثقة موجودة وأنه في المحل وفي الخدمة متى ما أردت ذلك، ثانيها أن عدم وجود نظام فوترة إلكترونية يجعل هذه المحال تتهرب من التزاماتها الزكوية أو الضريبية، وثالثها عدم تمكين وزارة التجارة من تصنيف الخدمات ومعرفة متوسطات تكلفتها ومن ثم إلزام محال الخدمات بتسعيرها الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للعمالة بوضع الأسعار التي يريدون دون مرجعية سعرية ليتمكن الزبون من تحديد نطاقات الأسعار حسب نوع الخدمة المطلوبة.

الأسعار العالية لصيانة السيارات والمنازل بالتزامن مع رداءة الجودة وضعف خدمة ما بعد الإصلاح أصبحت قضية مؤرقة للمواطن والمقيم والكل يشتكي ولا حل منطقي يعالج المشكلة من جذورها بما يحمي المال ويحقق جودة الخدمة إذ لا يعقل أن يتم إصلاح عطل بأسعار عالية ثم ما يلبث أن يعود في مدة قصيرة ثم يأتي فني آخر ويبرز عيوب ونصب الفني السابق ثم ينطلق هو الثاني بنصبة جديدة وهكذا دواليك، وأجهزة الدولة الرقابية المعنية بحماية المستهلك تقف عاجزة أمام هذه المشكلة.

نعم يمكن أن تكون إيجارات المحال مختلفة من منطقة إلى أخرى، ويمكن أن تختلف المهارة الفنية من عامل إلى آخر، ويمكن أن تختلف جودة المواد، ولكن لا يمكن أن تترك الأمور بهذه الصورة لهذه الأسباب، فبكل تأكيد لكل مشكلة حل حيث يمكن أن توضع نطاقات سعرية لكل منطقة، وللعمالة لجهة التأهيل والمهارة، ولقطع الغيار حسب بلد التصنيع وجودته، وبالتالي يجب أن توضع لائحة مطبوعة لدى كل محل وبشكل إلزامي تبين جميع الخدمات التي يقدمها المحل، وسعر قطع الغيار حسب نوعها ومصدر تصنيعها ومورديها، وسعر العمالة، ومتوسط ساعات العمل، وهاتف مكاتب حماية المستهلك للشكوى في حال التلاعب أو الاحتيال أو عدم الالتزام، مع إلزام كل محال وورش خدمات الصيانة بإصدار فواتير إلكترونية مختومة ذات حجية قانونية أمام الجهات المعنية.

“حماية المستهلك” بشقيها الحكومي والأهلي يمكن أن تلعب دورا أكبر بالتعاون مع القطاع الخاص بإطلاق موقع توعوي ومرجعي في الوقت ذاته، موقع يوعي بكل الأعطال المحتملة في السيارات، والمنازل، والأجهزة، وما أسبابها، وكيفية إصلاحها، ومتوسط أسعار إصلاحها لجهة تكلفة اليد ولجهة قطع الغيار ومتوسط الوقت اللازم لإصلاحها، وكذلك يمكن وضع لائحة لمتوسطات أسعار قطع الغيار، ومتوسطات تكلفة العمالة في كل المناطق ليستطيع المستهلك اختيار الأفضل وإن كان موقعه أبعد خصوصا أن تكاليف الحياة في تزايد وتتطلب إدارة اقتصادية أكثر فعالية.

ختاما أتطلع إلى أن تتضافر كل توجهات وجهود التطوير بصورة أو بأخرى لحماية المستهلك في كل مناحي الاستهلاك ومن ذلك خدمات الصيانة بكل أنواعها، خصوصا أن الحلول الإلكترونية باتت تسهم في ذلك بشكل كبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock