عاممقالات

احذر مصيدة «البلاك فرايداى»

تم النشر في الجمعة 2018-11-09

 هاني ابو الفتوح

عزيزى القارئ، هل سألت نفسك لماذا أصدق الإعلانات عن تخفيضات لا مثيل لها على مدار العام، ثم أتسابق لشراء سلع لا أحتاج إليها، أو فى حقيقة الأمر لا تساوى ما أنفقته لشرائها، إما لأنها رديئة الصنع، وإما لأنها تُباع بخلاف سعرها الحقيقي، أو على وشك انتهاء الصلاحية، أو تكون قديمة أو عفا عليها الزمن إلخ.
إنها الخدعة الكبرى التى اخترعها علماء التسويق ونفذها التجار ووقع ضحيتها المستهلك المغرر به. أشهر تلك الخدع هو يوم التخفيضات الشهير بـ»بلاك فرايداي»، أى الجمعة السوداء.
الجمعة السوداء هو اليوم التالى بعد عيد الشكر فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويكون فى الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر من كل عام. تتميز هذه الفترة بأنها بداية موسم شراء هدايا عيد الميلاد. فى هذا اليوم تقوم أغلب المحلات بتقديم عروض وخصومات كبيرة جداً، وتفتح أبوابها فى ساعات مبكرة حتى أوقات تصل إلى الساعة الرابعة صباحاً. وبدافع الخصومات الكبيرة، فإنَّ أعداداً كبيرة من المستهلكين ينتظرون بفارغ الصبر افتتاح المحلات الكبيرة فجر يوم الجمعة، ويتجمهرون للتسابق على الفوز بالسلع بأسعار مخفضة جداً – أو هكذا يعتقدون.
وفى السياق نفسه، تقوم، أيضاً، بعض المواقع الشهيرة للتسوق الإلكترونى مثل موقع «أمازون» و»إيباي» بتقديم عروض بتخفيضات ضخمة على منتجات عديدة، وعروض خاصة جداً على منتج معين يتغير سعره كل ساعة.
يستغل أصحاب المحلات التى تشارك فى «الجمعة السوداء» العامل النفسى لدى المستهلك.
قد تبدو قيمة المال الذى يتم إنفاقه يوم «الجمعة الأسود» أكثر مما يمكن أن يشتريه المال قبل أسبوع. لكن الواقع أن الأمر ليس كذلك. ويقود أصحاب المحلات المستهلكون ببساطة إلى الاعتقاد بأن الوهم الذى تم صنعه بالإيحاء يجعل أولئك الذين ينتظرون فى الخارج على أبواب المحلات لحين موعد فتحها يعتقدون أنهم يكسبون صفقات مربحة جداً ويتغلبون على أصحاب المحلات الذين يبيعون السلع بتخفيض يصل إلى %90 من سعرها الأصلي.
منذ سنوات قليلة انتقلت «الجمعة السوداء» إلى البلاد العربية، وبادر أحد مواقع التسوق الإلكترونى الشهيرة بتغيير اسمها إلى «الجمعة البيضاء»؛ نظراً إلى ما يحمله يوم الجمعة عند المسلمين من قدسية خاصة لا تليق بوصفه باليوم الأسود. فنهار الجمعة هو يوم مبارك واللون الأبيض يلائم هذه الصفة أكثر.
فى مصر يعيش رموز للفن والعلم والسياسة، جنباً إلى جنب رموز الفهلويين من رجال الأعمال والتجار الذين اختفى من قاموس معاملاتهم اليومية الصدق والأمانة، فأصبحوا لا شاغل لهم إلا تحقيق مزيد من الأرباح بالفهلوة. لذلك وجدوا فى يوم «البلاك فرايداي» فرصة مناسبة لممارسة أكذوبة العروض الضخمة والتخفيضات التى لا مثيل لها أسوة بما يحدث فى هذا اليوم فى الغرب، وتحديداً أمريكا. وعلى وجه العموم، يستغل غالبية أصحاب المحلات وهم التخفيضات المعرفة بـ»الأوكازيون» على مدار العام، ويحولونها من مناسبة للتخفيضات التى لا مثيل لها إلى مهرجان للنصب على المستهلكين. أما بحلول موسم «الجمعة السوداء» تبدأ الخدعة حينما يقوم أصحاب المحلات فى الأيام التى تسبق بداية التخفيضات بتحريك الأسعار إلى أعلى ثم تخفيضها لتحقيق أقصى استفادة من الإيرادات التى تتدفق عبر الأبواب فى «أقدس» أيام التسوق.
وعلى سبيل الخداع، تقوم بعض المحلات ومواقع التسوق الإلكترونى المشاركة فى «الجمعة السوداء» بعرض لافتات تعلن عن تنزيلات ضخمة تدعى أنها حقيقية تصل إلى %90، مع استخدام تعبيرات مثيرة لشهية المستهلك مثل فرصة مذهلة، وخصومات حقيقية على أحدث الموديلات من أكبر دور الأزياء العالمية، اشترِ قطعة واحصل على الثانية مجاناً إلخ.
هذه العبارات تجعل المستهلك فى حيرة من أمره، فهل هى حقاً عروض وخصومات حقيقية؟ وفى النهاية يقع الكثيرون فى مصيدة العروض الوهمية.
وبما أن بعض التجار لهم باع طويل فى الفهلوة، فهم لن يضيعوا الفرصة لتحقيق مكاسب كبيرة بما فيها التخلص من البضاعة الراكدة. وهذا ما عززه جهاز حماية المستهلك فى نهاية العام الماضى، حيث قام بعمل الحملات على المحلات للإلمام بالأسعار قبل بدء فعاليات التخفيضات. وكانت نتيجة الحملات اكتشاف أن بعض المحلات رفعت أسعارها من أجل عمل تخفيضات وهمية. وبذلك يتحول «الأوكازيون» إلى كوميديا سوداء يضحك فيها التاجر على المستهلك الذى يظن أنه فاز بتخفيض لا مثيل له، بينما فى الحقيقة أنه اشترى بضاعة غالباً ما تكون راكدة بنفس سعرها قبل الخصم الكبير المزعوم.
جيد جداً أن يكون لدينا قانون لحماية المستهلك. بموجب هذا القانون فإنَّ الشركات المخالفة تتعرض لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها بتهمة الإعلان المضلل، ومخالفة نص المادة (6) من قانون حماية المستهلك رقم (67) لسنة 2006 فى حالة قيامها بالتحايل على المستهلكين من خلال طرح عدد من العروض الوهمية التى توحى بوجود تخفيضات وهمية. وهنا يقع على عاتق المستهلك ضرورة الإبلاغ عن المحلات أو مواقع التسوق الإلكترونى التى تضلل المستهلكين وتبيع الوهم لهم.
فيا عزيزى المستهلك، أرجو ألا تتسرع فى الشراء تحت ضغط الخصومات التى لا مثيل لها إلا فى ضمير التاجر، فهى غالباً ما تكون غير حقيقية. ويمكنك بذل قليل من الوقت للتحرى عن سعر السلعة قبل التخفيض من خلال معارفك، أو شبكة الإنترنت إذا كان ذلك ممكناً. يجب عليك ألا تنفق مالك الذى حصلت عليه بشق الأنفس إلا فى الأشياء التى لها قيمة حقيقية تعادل ما تم دفعه من نقود.

 

نقلاً عن البورصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock