” النقد” يتوقع أن تحل العملات الالكترونية محل التقليدية
تم النشر في الخميس 2017-10-12
قبل أقل من شهر تقريبا هاجم جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك مورجان ستانلي العملات الافتراضية بشدة، واصفا التعامل بها بأنه “احتيال” معتبرا الارتفاع الكبير في أسعارها في الآونة الأخيرة “فقاعة ستنفجر”.
تصريحات الرئيس التنفيذي لبنك مورجان ستانلي كانت كفيلة بإحداث هزة في أسواق العملات الافتراضية وتراجع ملحوظ في معدلات التداول والأسعار، لكن العملات الافتراضية لم تعجز أن تجد من يدافع عنها، ومن بين الأنصار والمدافعين شخصيات تتمتع بثقل وتأثير في الأروقة الاقتصادية العالمية، يفوق ما يتمتع به الرئيس التنفيذي لبنك مورجان ستانلي من مكانة دولية.
كريستين لاجارد المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، أدلت بدلوها في الصراع الدائر حاليا بشأن العملات الافتراضية، ومستقبلها وتأثيرها الاقتصادي، وفي الحقيقية فإن تصريحاتها ودفاعها عن العملات الإلكترونية، نقل الجدل حول جدوى تلك العملات إلى مرحلة جديدة ومختلفة.
فالمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي لم تدافع عن الجدوى الاقتصادية لتلك العملات فحسب، بل أعلنت أنها يمكن أن تحل في يوم من الأيام محل العملات التقليدية، ومن ثم ليس من الحكمة – وفقا لـ “لاجارد” – استبعاد العملات الافتراضية من الأسواق والتداول، وتساءلت: “لماذا لا يمكنا أن نتصور أن يحمل المواطن العملات الافتراضية بدلا من الدولار أو اليورو أو الاسترليني؟، هذا قد يحدث في يوم ما إذا كان ذلك أسهل وأكثر أمانا من التعامل بالأوراق النقدية”، باختصار، فإن المسؤولة الدولية ترى أن العملات الافتراضية يمكن أن تجعل الواقع الاقتصادي أكثر استقرارا.
“الاقتصادية” استطلعت آراء مجموعة من الخبراء والمختصين حول مستقبل العملات الإلكترونية وإمكانية انتشارها، وهل يمكن أن نتوقع أن تحل محل العملات الورقية يوما ما؟
روبرت ويلسون الخبير في العملات الإلكترونية يعتقد أن الآفاق المستقبلية للعملات الافتراضية مشرق للغاية، رغما عما تتعرض له من اضطهاد – على حد وصفه – من قبل عديد من الحكومات والأنظمة الاقتصادية التقليدية.
ويضيف ويلسون: “الجدل الدولي بشأن العملات الافتراضية، والتضارب الحاد في المواقف من قبل أسماء لامعة ومؤثرة سواء في المجال الاقتصادي أو في النظام المصرفي، أمر شديد المنطقية نظرا لحداثة ظاهرة العملات الافتراضية مقارنة بالعملات الورقية ذات التاريخ الطويل في التداول، وعلينا أن نتذكر أن العملات الورقية عند ظهورها شهدت أيضا معارضة شديدة، لأن الوسيط الذي اعتاد الناس على استخدامه في التداول كان الذهب، ومن ثم فإن إحلال الورق محل الذهب يبدو أمرا غير مستساغ أو مقبول اقتصاديا، وذلك على الرغم من أن العملات الورقية كانت مضمونة بغطاء ذهبي في ذلك الوقت، ورغم ذلك لم تلق ترحيبا، وهذا تماما وضع العملات الافتراضية”.
ومع هذا يقر هذا الخبير في العملات الإلكترونية بوجود عدد من الصعوبات الكامنة في الهيكل الراهن للعملات الافتراضية، يعوق تمتعها بقبول شعبي كبير، ويقول ويلسون، إن العملات الافتراضية في الوقت الراهن مثل بيتكوين تشكل تحديا ضئيلا أو لا يذكر للعملات الورقية وللنظام المصرفي القائم على البنوك المركزية، فالعملات الإلكترونية متقلبة جدا، ومحفوفة بالمخاطر، والتكنولوجيا المستخدمة في التنقيب عنها وإصدارها معقدة جدا، ولا تتمتع بالشفافية المطلوبة بالنسبة لكثير من المنظمين، بل إن بعض التكنولوجيات المستخدمة في إصدارها يمكن اختراقها، وهذا يطيل الأمد الزمني لانتشارها وحلولها محل العملات التقليدية ولكنه لن يمنعه، وهذة مسألة وقت.
آستون هاملتون المحلل المالي في بورصة لندن، يعتقد أن عديدا من التحديات التكنولوجية التي تواجه العملات الافتراضية يمكن معالجتها مع مرور الوقت، مؤكدا أن المستقبل وعلى الرغم من جميع التحديات، سيشهد موقع قدم مؤثر للعملات الإلكترونية في أسواق العملات في العالم.
ويوضح هاملتون أن “الحرب إلى تشنها روسيا والصين على العملات الافتراضية سيؤخر صعودها بعض الشيء، ولكن لن يفلح في منعها من الانتشار، والدليل على ذلك أن البنك المركزي الصيني يرفض العملات الافتراضية، ولكنه يعمل في الوقت ذاته على إنشاء عملة رقمية خاصة به، فالمشكلة إذا هي القلق الذي ينتاب البنوك المركزية من عدم انتظام سوق العملات الافتراضية وليس الفكرة في حد ذاتها”.
ويضيف هاملتون أن المستقبل سيشهد تفكيرا متزايدا من قبل البلدان ذات المؤسسات المالية الضعيفة، والعملات الوطنية غير المستقرة، للتوجه للاعتماد على العملات الرقمية بدلا من ربط العملة الوطنية بالدولار على سبيل المثال، نظرا لم يثيره ذلك من مشاعر وطنية غير مريحة، كما يمكن أيضا إضفاء المزيد من التنظيم على العملات الرقمية، والأخذ بالمقترحات التي قدمتها كريستين لاجارد أخيرا مثل إصدار العملات الافتراضية مقابل سلة ثابتة من العملات، أو وفق قواعد موثوق فيها ومحددة سلفا، أو حتى وفق قواعد تعكس الظروف الاقتصادية المتغيرة.
ويواصل هاملتون قائلا: “أحد أبرز العوامل التي ستشجع مستقبلا على انتعاش العملات الرقمية، ومنافسة العملات التقليدية، أنها تحل مشكلة سعر الصرف، فعند التحويل من الاسترليني إلى اليورو أو الين الياباني لدفع ثمن خدمة تم شرائها عن طريق الإنترنت أنت لا تعلم على وجه اليقين هل من المصلحة السداد الآن أم التمهل حتى صباح اليوم التالي، حيث يمكن أن ينخفض سعر الصرف ولكنه أيضا معرض للارتفاع، وفي حالة العملات الافتراضية تغيب تلك المشكلة، فسعر خدمة ما عبر الإنترنت سيكلفك مثلا 3 بيتكوين اليوم أو غدا أو بعد غد، وبهذا ستسهم العملات الإلكترونية في نقل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة جديدة، تبدو فيها السوق العالمية أكثر وحدة، إنها أشبه بتحدث كل البشر ذات اللغة، حيث يستبعد أي مشكلة جراء الترجمة لأننا جميعا نتحدث اللغة نفسها”.
لكن الدكتور دافيز آدم أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة ليدز، وأحد أبرز الاقتصاديين البريطانيين المشككين في مستقبل العملات الافتراضية، يعتبر أنه من الخيال الجامح أن يظن البعض بأن العملات الافتراضية يمكن أن تزاحم أو تحل محل العملات الورقية المتداولة حاليا، ويرجع ذلك إلى طبيعة ومفهوم العملات الافتراضية ذاتها.
ويضيف آدم: “جوهر فكرة العملات الرقمية غياب سلطة مركزية في عملية إصدارها، وهو أمر يختلف تماما عن جوهر إصدار العملة الوطنية التي تتطلب بنك مركزي لا يقوم فقط بطباعتها، وإنما الأكثر أهمية أنه مسؤول عن تنظيمها وضمان توافر درجة محددة من السيولة المالية في الأسواق، فمركزية إصدار العملة الوطنية ليست فقط أحد محددات الدولة القومية، ولكن شرط أساسي لضبط النظام الاقتصادي وازدهاره، وإلا فإن البديل هو الفوضى”.
ويؤكد آدم أن العملات الرقمية ونظرا لارتفاع أسعارها في الوقت الراهن بشكل ملحوظ، يمكن أن تتحول إلى ملاذ آمن للقيمة وبديلا عن الذهب، لكن هذا سيظل محل شك أيضا، إذ إن الذهب وعلى الرغم من تراجع أسعاره وتذبذبه كأي سلعة، يصعب تعرضه لانهيار سريع ومفاجئ، بينما جميع العملات الرقمية وبلا استثناء عرضة لهزات عنيفة، بمجرد صدور تصريحات من قبل سياسيين أو اقتصاديين معارضين لها أو تعرضها لضغوط حكومية.
ومن هذا المنطلق، يشير آدم إلى أن التقلبات السعرية العنيفة للعملات الرقمية مثل البيتكوين تحول دون تحولها إلى بديل أو حتى عملة موازية للعملات التقليدية، سواء كانت من الورق أو المعدن، بل إن الاستثمار فيها يتضمن مخاطر مرتفعة بلا ضمانات حقيقية، بعكس العملات التقليدية التي تضمنها الدولة.
جون هاربر الباحث الاقتصادي يعتقد أن المشكلة الرئيسية للعملات الرقمية التي تحول دون أن جعلها بديلا ملائما للعملات التقليدية، يتمثل في عدم فهم الأسواق لطبيعتها هل هي عملة كالدولار مثلا أم سلعة كالذهب؟
ويوضح هاربر أن نقطة الضعف الرئيسية في العملات الرقمية، هي عدم حسم أنصارها موقفهم بشأن الطبيعة المركزية لها، فهل هي عملة تنطبق عليها القواعد المنظمة لسوق العملات، أم انها سلعة ينطبق عليها القوانين التي تحكم سوق السلع؟
ويرى هاربر أن غياب تعريف واضح وقاطع يجعل العملات الرقمية شديدة الخطورة، ويثير القلق بشأن التعامل معها كوسيط مادي ملموس لتنفيذ الأعمال التجارية أو الاستثمار، بعكس العملات الورقية كالدولار مثلا والمدعوم من الاقتصاد الأمريكي ومستوى أدائه ومعدلات النمو والتضخم وغيرها من المحددات، وهو ما يغيب تماما في العملات الرقمية ويضعف احتمال تحولها إلى بديل للعملات التقليدية مستقبلا.