مختصون: تقييم رسوم الأراضي البيضاء غير عادل ولا يفك “الاحتكار”
تم النشر في الخميس 2017-06-01
في الوقت الذي توقع فيه اقتصاديون وعقاريون، أن يُحدِث فرض رسوم على الأراضي في السعودية انفراجا في القطاع، وتطويرا للأراضي البيضاء المحتكرة، وتحقيق عوائد كبيرة مجزية تساعد على علاج مشكلة الإسكان في المملكة، فوجئت الأوساط الاقتصادية والعقارية بتصريح من ماجد الحقيل وزارة الإسكان يشير فيه إلى أن عوائد المدن الثلاث “الرياض، الشرقية وجدة” لا تتجاوز ملياري ريال.
وهنا قال لـ “الاقتصادية” اقتصاديون وعقاريون، إن ما أعلنته وزارة الإسكان حول الرسوم المتوقعة من المرحلة الأولى هو مبلغ زهيد جدا، ولا يتناسب مع الأهداف التي وضعت من أجلها الرسوم، كما أنه غير منطقي مع أسعار الأراضي في المناطق الكبرى “الرياض، الشرقية وجدة”، فيما قالت وزارة الإسكان إنها بنت تقييمها لأسعار الأراضي والرسوم المستحصلة منها بعدالة.
في حين قال لـ “الاقتصادية” المهندس محمد المديهيم؛ المشرف العام على نظام رسوم الأراضي في وزارة الإسكان، إن عدم الاعتماد على سعر الأرض الحالي هو أن الأسعار الحالية في السوق هي أسعار المتر المطور وليس المتر الخام، لذلك لا يمكن أن نعتمد على أسعار السوق الحالية؛ لأن المرحلة الأولى هي للأراضي الخام فقط.
وأضاف المديهيم، “ولأن سعر الأرض لا يعني قيمة الأرض، ويتم تقييمه بناء على رغبة البائع والمشتري، لذلك لا يمكن لأحد أن يحدد سعر السوق، لكونه متغيّر، ويأتي بناء على رغبة أطراف البيع والشراء ولا يمكن الثبات فيه، إضافة إلى وجود تحديات كثيرة تخضع لمتغيرات عدة، وبناء عليه حددت اللائحة القيمة العادلة للأرض، ولم تحدد سعر السوق المتغير”.
وأصدرت وزارة الإسكان أولى فواتير برنامج رسوم الأراضي البيضاء في مرحلته الأولى بمدينة “الرياض، وحاضرة الدمام، وجدة”، التي تشمل الأراضي الواقعة داخل النطاق الجغرافي المحدد من الوزارة، ولم يتم تطوريها، وتبدأ مساحاتها من 10 آلاف متر مربع فأكثر، وذلك بعد استكمال إجراءات الفرز والتقييم للأراضي المسجّلة حتى نهاية فترة التسجيل المحددة في اللائحة التنفيذية بستة أشهر تنتهي بتاريخ 13/3/1438هـ، وتحديد الخاضعة منها للنظام.
وبلغ عدد الفواتير التي تم إصدارها في المدن الثلاث 1300 فاتوة لعدد 955 أرضا خاضعة للنظام، وبمساحة إجمالية جاوزت 353 مليون متر مربع.
وبالعودة إلى المشرف العام على نظام رسوم الأراضي، إذ أوضح أن الهدف من الرسوم ليست الأموال، وإنما “لزيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب، وتوفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة، وحماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية”.
وأبان المشرف العام على نظام رسوم الأراضي، أن الوزارة استقت معلومات توافر الخدمات في الأراضي الخاضعة من مصادرها الأصلية، وهي “شركات الكهرباء، والهاتف، والأمانات، والعدل، وغيرها من الجهات الأخرى، لافتا إلى أنه في حال الاعتراض على عدم وجود بعض هذه الخدمات، ويرغب المواطن حذفها من التقييم، فإنه يجب أن يأتي بما يثبت ذلك من الجهة المعتمدة.
وأضاف، كما أن لجنة التقييم قدرت وزن الخدمات والمرافق العامة المؤثر توافرها أو عدم توافرها في الأراضي البيضاء ونطاق احتساب توافرها، إضافة إلى تقديرها معايير القيمة المتبقية للأرض.
واستطرد المديهيم “وفق ذلك وضعت تلك المعايير في معادلة خاصة لهذا الغرض من قبل الوزارة في برنامج إلكتروني مع أساس أسعار تم اختياره وفق دراسات أعدت من عدة جهات، ليقوم البرنامج الإلكتروني بتحديد الأسعار تبعاً لموقع الأرض، حيث هناك 193 نطاقا سعريا، ويعني تقسيم المدينة بحدود واضحة. فلكل حي في الرياض ميزة، وقيمة مختلفة، ولدينا خريطة بعدد 193 رقما، أينما وجدت الأرض، تأخذ قيمتها من مكانها على الخريطة السعرية”.
وأفاد بأنه بإمكان المواطن صاحب الأرض رؤية معلومات أرضه عبر النظام، ومعرفة كيف يتم تقييم أرضه وقيمة سعرها، وأسباب نقص القيمة في حال نقصت بسبب بعض الخدمات مثلا، إضافة إلى معرفة قيمتها الحالية مرورًا بأحقية اعتراضه على المعلومات.
وشرح المهندس محمد المديهيم كيفية تقدير الأرض الخاضعة للرسوم قائلا “يتم تقدير الأرض الخاضعة لتطبيق الرسم على أساس قيمتها في تاريخ الإعلان وفق المعايير التالية، “موقع الأرض ضمن حدود النطاق العمراني، استخداماتها، تضاريسها، أنظمة البناء المطبقة عليها، معامل توافر الخدمات العامة فيها، ووصول المرافق العامة إليها، الأنشطة والاستخدامات التجارية والصناعية والاجتماعية المحيطة بها ذات الأثر في الاستخدام السكني”.
ولفت إلى أن الغرض من تقدير قيمة الأرض الخاضعة لتطبيق الرسم المتمثلة في تحديد معامل توافر الخدمات العامة فيها، ووصول المرافق العامة إليها وفقاً لما يلي، “تحديد الخدمات العامة والمرافق العامة المؤثر توافرها في تقدير قيمة الأرض، تحديد وزن كل خدمة أو مرفق بحسب ضرورته للسكن، ولا يتغير وزن الخدمة أو المرفق في المدينة الواحدة”.
وأشار المديهيم إلى أن اللجنة المعنية بالتقييم، يتم تشكيلها وفقاً للمادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء من خمسة أعضاء منهم مقيّمان من مدينتين مختلفتين، ومستشار قانوني، ومختص في الشأن العقاري، ومختص في الشؤون الاقتصادية، وذلك للحصول على شفافية أعلى.
ونوه إلى أنه وزنًا لاعتبارات السوق اعتمدت الوزارة في تقديراتها للسوق على مؤشرات وزارة العدل، والزيارات الميدانية، إلا أنها لا تعتمد على سعر السوق، بل قيمة تقديرية على ستة معايير محددة في اللائحة، مستدركا أنه من حق أي مواطن الاعتراض وتحديد سبب الاعتراض مثبتًا ذلك.
من جانبه، قال لـ “الاقتصادية” عبدالحميد العمري؛ محلل اقتصادي ومختص بالشأن العقاري، إن الآلية التي تنفذها وزارة الإسكان حاليا على الأراضي البيضاء غير المطورة “الخام” خاطئة، ولا تعطي بشكل فعلي صحيح القيمة السوقية للأرض حاليا، لافتا إلى ضرورة إلغاء تلك الآلية وتسعير الأرض عن طريق قيمتها في السوق حاليا.
وأشار إلى أن آلية وزارة الإسكان في تقييم الأراضي تضعف من شأن وأهمية الهدف الأساسي من إقرار الدولة لنظام رسوم الأراضي المتمثل في “فك احتكار الأراضي وتطوير تلك الأرضي”، إضافة إلى أنها تؤدي إلى نتيجتين تتمثل الأولى في “انخفاض متحصلات الرسوم، وهو ما يسهم في انخفاض إيرادات الدولة غير النفطية، في حين توضح الثانية بأن هذا الأمر ينزع أهمية وقوة هدف الدولة من نظام الرسوم الذي أقرته”.
وأضاف هذه الآلية تنافي ما ورد في نظام رسوم الأراضي الذي نص على ضرورة تحصيل 2.5 من قيمة الأرض السوقية، حيث إن الآلية تقوم بشكل فعلي باحتساب نحو 1.5 إلى 2 في المائة.
وأوضح أنه بناء على بيانات وزارة الشؤون البلدية والقروية للأراضي الخام الموجودة في السعودية، التي تزيد مساحتها على 10 آلاف وأكثر، فإن الانخفاض الذي سيحدث في متحصلات رسوم الأراضي يصل إلى أكثر من 98 في المائة من قيمة رسوم الأرض التي حددتها الدولة 2.5؛ أي أن ما تبقى فعليا من متحصلات الرسوم نحو 1.5 إلى 2 في المائة.
وأشار إلى أن قيمة رسوم الأراضي التي يفترض من وزارة الإسكان تحصيلها سنويا لا تقل عن 100 مليار ريال في السنة الأولى، في حين السنة الثانية ستقل بسبب أن الأرض لن تستمر على وضعها السابق، حيث سيقوم أصحاب تلك الأرضي الخاضعة للرسوم بتطوير أرضيهم أو بيعها، وذلك لتجنيب دفع قيمة رسومها للسنة الثانية. من جانبه، قال عادل التويجري؛ مختص في الشأن العقاري، إنه بحسب ما ذكره وزير الإسكان فإن رسوم الأراضي الخاضعة للرسوم تتراوح بين مليار ومليارين فقط، وأن حجم الأراضي الخاضعة للرسوم في المدن الثلاث “الرياض، جدة” حاضرة الدمام” بلغت نحو 387 مليون متر مربع، فهذا يعني أن وزارة الإسكان قامت بتقييم متر الأرض بنحو 206 ريالات كمعدل، وأن قيمة متحصلات الوزارة من رسوم الأراضي يتجاوز 80 مليارا في السنة الواحدة، أي أن هذه القيمة أقل من القيمة السوقية بكثير.
وأضاف التويجري، أنه بهذا الأمر يجب أن تقوم وزارة الإسكان بتقييم الأراضي الخاضعة للرسوم بحسب قيمة السوقية الفعلية لها حاليا، وألا تستمر في الآلية التي تتبعها الآن في عملية تقييم الأراضي.
بدوره، قال عسكر الميموني؛ المختص بالشأن العقاري، إنه من الأولى تطبيق الآلية التي تتبعها وزارة الإسكان على أراضي المنح وليس على الأراضي الخاضعة لنظام رسوم الأراضي، مؤكدا أن هذه الآلية المتبعة حاليا من قبل الوزارة لا تقوم بتقييم الأرض بالسعر الصحيح، وإنما تقوم بإعطائها قيمة أقل بكثير من قيمتها السوقية الحالية.
وأوضح أن عملية تقييم الأراضي البيضاء الخاضعة للرسوم يجب أن تتم عن طريق شركات دولية متخصصة، إضافة إلى ضرورة عدم وجود أي رابط مشترك لهذه الشركات مع وزارة الإسكان حتى يتم التقييم بالشكل الصحيح، وإعطاء الأرض قيمتها السوقية الفعلية.
وأضاف الميموني، أنه “إذا أردنا فك احتكار الأراضي، يجب تطبيق رسوم الأراضي على جميع المساحات دون تأخير، ومطالبة صاحبها بالبناء أو دفع رسوم مقابل الأرض”.
من جانبه؛ قال تركي فدعق؛ الخبير الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية، إن هناك معايير وضعتها الدولة للقطاع الخاص، منها أن يتم التقييم بناء على سعر السوق، لذا من المفترض على وزارة الإسكان ألا تخرج عن معايير التقييم المعتمدة لدى الهيئة السعودية للمقيمين التي أنشأتها الدولة، لافتا إلى أن هيئة المقيمين تعتبر واحدة من معايير التقييم التي وضعتها الدولة.
وأضاف فدعق، أنه لو قامت وزارة الإسكان بتقييم الأراضي على القيمة السوقية لها، فإن مبالغ الرسوم المتوقع تحصيلها من الأراضي ستصل إلى عشرة أضعاف المبلغ الذي ذكره الوزير، إلا أن الوزارة لم تقيم الأراضي بالقيمة السوقية، وإنما بناء على معايير خاص بها.
بدوره، قال الدكتور عبدالله المغلوث؛ خبير مالي وعضو لجنة الاستثمار والأوراق المالية في غرفة الرياض، إن المتعارف عليه في تثمين الأراضي أن يأخذ التقييم على السعر السوقي؛ أي السعر الحالي الذي يتداول بين الناس، ومن ثم تضرب في نسبة 2.5 التي حددتها وزارة الإسكان كي يعرف حجم ومقدار فاتورة الأراضي في مختلف مدن المملكة. وأضاف، أن الجميع توقع يتم تحصيل أكثر من 15 مليار ريال كحجم إيراد رسوم الأراضي البيضاء، حيث إن هذا الرقم لو قامت الوزارة بتحصيله سيسهم في تنفيذ مشاريعها، ودعم خزانة الوزارة لتنفيذ البنية التحتية مستقبلا، إلا أن الرقم الذي ذكره الوزير والمتمثل في مليار إلى مليارين لا يعتمد عليه في تنفيذ مشاريع عملاقة مستقبلا.