تم النشر في الأحد 2017-02-12
معتصم الفلو
نسمع كثيرًا، سيما هذه الأيام، عن ترشيد استهلاك الطاقة أو ترشيد الإنفاق، ولكن ألم يحن الوقت للحديث عن ترشيد الإنجاب؟
قد تكون هذه المسألة ضمن المسائل الأكثر حساسية؛ لارتباطها بمجموعة مفاهيم تشمل الاجتماعي والديني والقبلي. ولكن، ما المشكلة في طرحها بأسلوب هادئ، بعيدًا عن التهويل؟
أنطلق للعمل صباح كل يوم وأرى أفواجًا هائلة من تلاميذ المدارس، وأسأل نفسي: عندما يكبر هؤلاء، هل سيجدون أماكن في الجامعات والمعاهد؟ وبعد تخرجهم، هل سيجدون فرصًا وظيفية لائقة وشوارع ومساكن وطاقة تكفي لهم ولأضعاف مضاعفة من التلاميذ الذين سينجبهم هؤلاء الذين أراهم اليوم؟
درست المرحلة الابتدائية في الطائف في حقبة الثمانينات الميلادية، وكان الفصل الواحد يستوعب بين 18-25 تلميذًا كحد أقصى. أما الآن، فإن الحديث عن هذا العدد في الفصل الواحد يعتبر ضربًا من الترف. فحتى المدارس الأهلية والعالمية، التي تكبد الأهالي عشرات الألوف تكدس في الفصل الواحد 30 و40 طالبًا! فما بالك بفصول التعليم في المدارس الحكومية المجانية؟ والأمر ذاته ينطبق على فرص العمل الحكومية التي وصلت إلى مابعد مرحلة التشبع، فيما القطاع الخاص غير قادر على استيعاب الجميع! فلدينا أكثر من ثلثي العمالة الوافدة تعمل في قطاعات الخدمة المنزلية (4-5 ملايين) والبناء (3 ملايين) والنظافة والصيانة، وكلها زهيدة الاجور وصعبة التقبل على المواطنين.
لسنا في مجتمع زراعي قديم، يحتاج إلى الكثير من الأبناء للعمل في الأرض، ولسنا مجتمعًا صحراويًا يموت فيه نصف الأطفال من المرض أو الرجال من الغزو وقلة سبل الحياة، بل مجتمع مدني يعيش 98% منه في المدن.
في السبعينات الميلادية، لم يكن يتجاوز عدد المواطنين 5 ملايين نسمة، وفي أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، تضاعف العدد إلى 10 ملايين، ووصل العدد مع مطلع الألفية الجديدة إلى نحو 15 مليون، وبنهاية 2010، زاد العدد إلى 18.7 مليون، والآن تجاوز عدد المواطنين 20 مليون نسمة.
هذه الأرقام لوحدها، تبين مدى الضغط الشديد الذي يتزايد كل يوم على مرافق البنية التحتية من كهرباء وماء وطرق ومدارس وطاقة وغيرها، في بلد لا يمتلك إلا القليل من موارد المياه والثروة الزراعية والحيوانية. صحيح أن البلاد غنية بالنفط، ولكن النفط ليس كل شيء، ففاتورة استيراد الغذاء والدواء الآليات، وحتى العمالة المنزلية، تصاعدت إلى أرقام فلكية، ولولا تصدير النفط لأصبح الميزان التجاري خاسرًا.
قد يقول قائل إن استيعاب النمو السكاني هو مسؤولية حكومية بالكامل، وهذا أمر فيه جور كبير، لأننا هنا نغفل المسؤولية الشخصية لكل زوجين سعوديين عن مسؤوليات التربية والإنفاق، فهل الأسرة المؤلفة من 8 أشخاص، يحظى أطفالها بالاهتمام والرعاية والتنمية، وحتى مستوى الإنفاق نفسه، الذي يحصل عليه أطفال أسرة مؤلفة من 4 أشخاص؟ ليست المسألة مرتبطة بالمال فقط، فمدى الاهتمام الشخصي والتربية والمتابعة الدراسية والاحتكاك اليومي، أمور أهم من توفير الطعام والشراب.
وتبقى المسؤولية أكبر على من هم في سن الزواج اللآن من حيث تنظيم الإنجاب وترشيده؛ حتى يبقى شيء من الثروة للأجيال بعد 30 أو 40 عامًا، فسعودية ذات تعداد بـ40 أو 50 مليونًا، لن تكون بالخير والرفاه نفسه الذي تحظى به الآن.
فلنفكر قليلًا!