عاممقالات

الطبقة المتوسطة إلى أين؟

تم النشر في الأربعاء 2016-11-02

تضم الطبقة المتوسطة أصحاب الأعمال والمديرين والكتبة والمحامين والأطباء والمعلمين، وغيرهم من الموظفين وأصحاب المهن، وتعد الطبقة المتوسطة المحرك الاقتصادي لأي دولة في العالم، ويعتبر توسعها صمام أمان اجتماعيا وأمنيا، فكثير من الدراسات الاجتماعية توصلت إلى أن انكماش الطبقة المتوسطة يزيد من معدل الجريمة، والعكس صحيح.

إحصائيا لا توجد تقارير أو دراسات رسمية تحدد نسبة الطبقة المتوسطة من السكان في المملكة، وكل ما يذكر حولها مجرد تخمينات أو توقعات، والسبب في غياب الإحصاءات يعود إلى عدم وجود معايير متفق عليها لتحديد الطبقة المتوسطة، أو عدم الاهتمام بها من قبل هيئة الإحصاءات العامة، لأن كثيرا من الخطط التنموية لا تزال تتجاهل دور هذه الطبقة وأهمية المحافظة عليها كشريحة مرجحة وحاضنة
للنظام الاقتصادي، ومحرك رئيس للإنتاج والاستهلاك.

الدراسة الوحيدة التي حددت نسبة الطبقة المتوسطة في السعودية هي دراسة للدكتور حسن العالي، ونشرت في 2013 أي بعد انهيار سوق الأسهم بنحو ثماني سنوات، وأشارت إلى أن نسبة الطبقة المتوسطة في السعودية تبلغ نحو 34% اعتمادا على أرقام الدخل الحقيقية، كونها أكثر صوابا ودقة من الاعتماد على نصيب الفرد من الدخل القومي بمتوسط الرواتب والأجور، وهو ما يجعل هذا الرقم أكثر قبولا كونه يقترب من الواقع.

وبما أن هذه الدراسة الوحيدة التي تحدثت رقميا عن الطبقة المتوسطة، فسيتم الأخذ بها والاعتماد عليها في مقارنة حجم هذه الطبقة مع نظيراتها في دول العالم، نستنج من هذه الدراسة أن الطبقة المتوسطة في السعودية تمثل ثلث السكان، وهي نسبة مقبولة إلى حد ما إذا افترضنا أنها بقيت كما هي دون تغيير، رغم أنها من الأفضل أن تمثل نحو نصف أو ثلثي السكان قياسا على نسبتها سواء في الاقتصاديات النامية التي نتشابه معها كالصين والهند التي تقترب المعدلات فيها بين 55% و60% من عدد السكان، وتزداد في بعض الدول الصناعية المتقدمة كاليابان، الدنمارك، فنلندا، السويد لتصل إلى نحو 90% من إجمالي عدد السكان.

المهم أن هذه الأرقام مضى على نشرها نحو ثلاثة أعوام، مر بعدها الاقتصاد بمنعطفات صعبة منذ بدأت أسعار النفط تدخل في المسار الهابط في صيف 2014، ودخل معها الاقتصاد بشكل عام موجة من الركود، وكان حضورها هو الأقوى صوتا في الإجراءات الحكومية التقشفية التي اتجهت إلى جيب المواطن، لتشمل إيقاف العلاوات والبدلات الخاصة بموظفي الدولة، ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، وزيادة رسوم بعض الخدمات الحكومية، وتأخير صرف مستحقات المقاولين، وأخيرا وليس آخرا تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي يتوقع أن تقر خلال الأيام المقبلة – مع استمرار وثبات أسعار السلع المرتفع، مما يعني أن هذه النسبة قد تراجعت عما كانت عليها قبل ثلاث سنوات.

ومن المؤكد أن الإجراءات الحكومية الأخيرة إن لم يعقبها دعم مالي لبعض ممثلي الشريحة المتوسطة الذين لا يفصلهم عن الطبقة الفقيرة إلا خط رفيع تنذر بانهيار الطبقة المتوسطة وتآكلها بأسرع من التوقعات، واتساع حجم الطبقة الفقيرة، مما ينذر بركود اقتصادي، لأن تراجع الطبقة المتوسطة يعني تراجع الطلب العام على السلع والخدمات.

خلاصة القول إن المحافظة على الطبقة المتوسطة واتساعها يفترض أن تكون أولوية حكومية، وأن ينظر للإصلاح الاقتصادي من زوايا متعددة، لا أن يركز على تخفيض الرواتب والبدلات وزيادة الرسوم لتخفيض العجز الحكومي، وزيادة الإيرادات الحكومية، وتغفل الجوانب الاجتماعية والأمنية والاقتصادية لاتساع حجم الطبقة المتوسطة أو العكس، وتقليص الفوارق الطبقية، وتصبح خارج حسابات المستشارين الاقتصاديين، ومن على شاكلتهم، رغم أهميتها.

alofi.m@makkahnp.com

نقلا عن مكة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock