مقالات

الدولار/الين بين ضغوط التضخم الياباني وقوة الدولار

رانيا جول، كبير محللي الأسواق في XS.com (MENA)

تم النشر في الجمعة 2025-02-21

تزايدت حدة التقلبات ويتداول الدولار/ الين عند 150.50 اليوم الجمعة، بعد أن جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلك الياباني أعلى من المتوقع، وهو ما كان يفترض أن يمنح الين قوة دفع قوية ضد الدولار الأمريكي، لكن السوق لم تتحرك بالاتجاه المتوقع. فبدلاً من تسجيل انخفاض واضح في زوج الدولار/الين، شهدت الأسواق معركة شرسة بين قوى الشراء والبيع، حيث تدخل كبار المسؤولين في اليابان، محاولين تهدئة وتيرة صعود الين. وهذا المشهد يعكس بوضوح مدى تعقيد العلاقة بين السياسة النقدية لبنك اليابان والضغوط الاقتصادية التي تواجهها الحكومة اليابانية، خصوصًا في ظل ارتفاع عائدات السندات.

كما أن تصريحات وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو كانت بمثابة صدمة للأسواق، حذرت من أن ارتفاع عائدات السندات قد يشكل ضغطًا إضافيًا على الوضع المالي الياباني المتضخم بالفعل. وهذه الإشارة لم تكن عشوائية، بل جاءت في توقيت حساس شهد وصول عائدات السندات اليابانية لأجل عشر سنوات إلى 1.455%، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2009. وبرأيي بينما كان البعض يراهن على أن بنك اليابان سيواصل رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع لمواجهة التضخم، جاءت تصريحات كاتو لتعيد الأمور إلى نصابها، مؤكدة أن البنك المركزي ليس مستقلاً تمامًا عن وزارة المالية التي تواجه تحديات ضخمة بسبب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت مستويات غير مسبوقة.

ورغم أن الأسواق تتوقع رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة في صيف 2025، إلا أن ثقة المستثمرين في هذا السيناريو لم تكتمل بعد. فرغم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الياباني بشكل أقوى من المتوقع في الربع الأخير، والتصريحات المتشددة من بعض أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي، إلا أن القلق لا يزال قائماً بشأن قدرة الحكومة اليابانية على التعامل مع ارتفاع تكاليف الدين في حال استمر البنك في تشديد سياسته النقدية. وأعتقد أن هذا يجعل من المحتمل أن نشهد نهجًا أكثر تحفظًا من بنك اليابان، خصوصًا إذا تباطأ النمو الاقتصادي العالمي أو ظهرت البيانات بوادر تراجع في التضخم خلال الأشهر المقبلة.

وفي المقابل، كانت الأسواق الآسيوية تتعامل بحذر مع التطورات الاقتصادية الأمريكية، حيث ركز المستثمرون بشكل خاص على صحة المستهلك الأمريكي، الذي يُعدّ المحرك الأساسي للطلب العالمي. وجاء تقرير وول مارت بنتائج مخيبة للآمال، مما زاد المخاوف بشأن قدرة المستهلكين الأمريكيين على مواصلة الإنفاق بنفس الوتيرة السابقة. وبرأيي هذا يعني أن أي ضعف في الاقتصاد الأمريكي قد ينعكس على الدولار، مما قد يعطي دفعة إضافية للين الياباني.

ومن وجهة نظري فإنه وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الدولار الأمريكي يحتفظ ببعض الدعم، خاصة مع استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في تبني نهج متشدد تجاه السياسة النقدية. فحتى مع التوقعات بأن الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة لاحقًا في 2025، فإن البيانات الاقتصادية القوية في الولايات المتحدة، بما في ذلك سوق العمل المتينة، قد تدفعه إلى التريث في اتخاذ هذا القرار. وبالتالي، فإن الدولار قد يستفيد من الفجوة في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة واليابان، وهو ما قد يحدّ من زخم الين الصاعد مؤقتًا.

واللافت هنا هو أن تحركات الدولار/الين ليست مرتبطة فقط بالسياسات النقدية، بل أيضًا بتدفقات رؤوس الأموال العالمية والتحولات في شهية المخاطرة لدى المستثمرين. ففي ظل تصاعد التوترات التجارية، وخاصة مع تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة، ازداد الطلب على الين كملاذ آمن. وهذا الاتجاه، إلى جانب ارتفاع عائدات السندات اليابانية، دفع الزوج نحو المستوى النفسي الحساس عند 150.00، وهو أدنى مستوى منذ ديسمبر الماضي. ومع ذلك، فإن أي تلميحات من الاحتياطي الفيدرالي بشأن الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول قد توفر للدولار الأمريكي بعض الدعم وتحدّ من استمرار صعود الين.

وأعتقد إن ما يجري في الأسواق اليابانية ليس مجرد تحركات قصيرة المدى، بل يعكس صراعًا أعمق بين قوى التضخم والقيود الاقتصادية التي تواجهها الحكومة. فمع تسجيل الناتج المحلي الإجمالي لنمو قوي، وارتفاع توقعات الأجور، وزيادة أسعار المستهلك، تبدو اليابان في طريقها إلى مزيد من التشديد النقدي. ولكن مع امتلاكها نسبة دين هائلة، فإن أي ارتفاع مفرط في أسعار الفائدة قد يؤدي إلى أزمة مالية يصعب السيطرة عليها. لهذا السبب، فإن بنك اليابان قد يفضل اتباع نهج تدريجي، يسمح له بموازنة استقرار السوق مع تجنب تفاقم أزمة الدين.

ومن وجهة نظري، السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يواصل الدولار/الين تذبذبه بين ضغوط التضخم في اليابان والسياسات النقدية الأمريكية المتشددة. وعلى الرغم من أن ارتفاع الين قد يبدو كحركة منطقية في ظل ارتفاع العائدات اليابانية، إلا أن قدرة بنك اليابان على المضي قدمًا في رفع الفائدة لا تزال موضع شك. وفي المقابل، فإن أي إشارات من الاحتياطي الفيدرالي حول تخفيف سياسته النقدية قد توفر للين مزيدًا من الدعم، مما قد يدفع الزوج إلى مستويات أدنى.

لذا ربما يبقى الدولار/الين في منطقة حساسة، حيث تتشابك العوامل النقدية والمالية مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. ومن المرجح أن يبقى التوازن الدقيق بين السياسات النقدية لبنك اليابان والاحتياطي الفيدرالي العامل الرئيسي في تحديد الاتجاه المقبل للزوج، مع الأخذ في الاعتبار أن أي تحولات مفاجئة في الأسواق العالمية قد تؤدي إلى انعكاسات غير متوقعة في حركة السعر.

التحليل الفني لـ الدولار / الين ( USDJPY ):

بناءً على التحليل الفني لزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني على الإطار الزمني لأربع ساعات، يواجه السعر حالياً مقاومة عند المستوى 151.00 بعد كسره والاستقرار دونه، مما يزيد من احتمالية استمرار الاتجاه الهبوطي. والدعم الرئيسي التالي يقع عند المستوى النفسي 150.00، والذي يمثل نقطة محورية للمتداولين. وكسر هذا المستوى قد يفتح المجال لمزيد من التراجع نحو منطقة 149.60-149.55، والتي تمثل دعماً ثانوياً، وفي حال استمرار الضغط البيعي قد نشهد اختباراً لمستوى 149.00 ثم قاع ديسمبر 2024 عند 148.65.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock