مستقبل أسعار الذهب: الدولار القوي وتوقعات الفيدرالي يهددان بريق المعدن الأصفر
رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
تم النشر في الجمعة 2024-11-15مع استمرار سعر الذهب في التراجع خلال اليوم الجمعة يتداول الآن عند 2570 دولار، وتظهر إشارات متباينة حول مستقبل الأسعار وسط ضغوط متزايدة من الدولار الأمريكي القوي وتوقعات تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.وأعتقد أن الأداء الحالي للذهب (XAU/USD) يعكس حدة الموقف في الأسواق، حيث يحوم حول مستوى 2570 دولارًا بعد الارتداد من أدنى مستوى له في شهرين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن يستعيد الذهب قوته في ظل هذه العوامل المتناقضة؟
برأيي، يتأثر الذهب سلباً بالظروف الاقتصادية الحالية التي تقودها قوة الدولار الأمريكي. ويشير أداء الاقتصاد الأمريكي، كما أكده رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إلى “صحة ملحوظة”، مما يدعم وجهة نظر الفيدرالي بضرورة توخي الحذر في خفض أسعار الفائدة. إضافة إلى ذلك، جاءت بيانات مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي الأخيرة بأرقام أعلى من المتوقع، مما يعزز الرؤية التضخمية لعام 2024. وهذا التطور يجعل الفيدرالي أقل ميلاً نحو تخفيف سياسته النقدية بوتيرة أسرع، مما يضع سعر الذهب تحت مزيد من الضغط.
ومن ناحية أخرى، يشكل ارتفاع أسعار الفائدة عائقًا أساسيًا أمام الذهب، الذي يُعتبر أصلًا غير ذي عائد. ويؤدي ذلك إلى تحويل اهتمام المستثمرين نحو الأصول ذات العوائد المرتفعة مثل السندات الحكومية، مما يُضعف الطلب على الذهب. وعندما تُضاف التوقعات بمزيد من التشدد من قبل الاحتياطي الفيدرالي إلى هذه المعادلة، تصبح قدرة الذهب على تحقيق مكاسب كبيرة محدودة للغاية.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل العوامل الجيوسياسية التي تلعب دورًا حاسمًا في دعم الذهب كملاذ آمن. فالتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، جنبًا إلى جنب مع الصراع المستمر بين أوكرانيا وروسيا، قد تضيف دعمًا لأسعار الذهب. يظل المستثمرون حذرين في مواجهة الأوضاع العالمية غير المستقرة، وهو ما يعزز الطلب على الأصول الآمنة كوسيلة للتحوط ضد التقلبات الاقتصادية والسياسية.
وفي نفس الوقت، فإن السوق يترقب بيانات اقتصادية هامة، مثل تقرير مبيعات التجزئة الأمريكية لشهر أكتوبر ومؤشرات التصنيع والإنتاج الصناعي في نيويورك. هذه البيانات ستوفر إشارات مهمة حول أداء الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي حول الخطوات التالية للاحتياطي الفيدرالي. كما أن تصريحات أعضاء الفيدرالي، مثل سوزان كولينز وجون ويليامز، قد تحمل تلميحات حول توجه السياسة النقدية في المستقبل القريب.
ومن وجهة نظري، رغم حالة التراجع التي يشهدها الذهب حاليًا، يجب النظر إلى التداولات الأوسع التي قد تؤثر على مساره. فالتوقعات بتضخم مرتفع في العام المقبل، مدفوعة بسياسات إدارة ترامب، قد تضيف ضغوطًا جديدة على الاحتياطي الفيدرالي وتغير الحسابات المستقبلية. وفي حال ظهرت مؤشرات على تراجع أكبر في الاقتصاد الأمريكي أو تصاعدت التوترات العالمية بشكل أكبر، فقد يستعيد الذهب جاذبيته بسهولة.
ومن جهة أخرى، أثرت الأرقام الاقتصادية القوية مثل انخفاض طلبات إعانة البطالة الأولية وارتفاع مؤشر أسعار المنتجين في تهدئة مخاوف الأسواق بشأن حدوث تباطؤ اقتصادي حاد. هذه التطورات ساهمت في تقليل احتمالية خفض كبير في أسعار الفائدة، ما يُبقي الضغط على الذهب مستمرًا.
ومع انخفاض احتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر من 75% إلى 59.1% تظهر الأسواق حذرًا متزايدًا تجاه التوقعات المستقبلية.
وكرؤية تحليلية برأيي، يبدو أن سعر الذهب يتحرك ضمن نطاق ضيق بين الضغط الناجم عن الدولار القوي والسياسة النقدية الأمريكية، والدعم الذي يوفره عدم الاستقرار الجيوسياسي. ومن المحتمل أن يستمر هذا النطاق على المدى القريب ما لم تظهر أحداث كبرى تقلب الموازين. ومع ذلك، فإن النظرة العامة تعتمد بشكل كبير على القراءات القادمة للبيانات الاقتصادية وتوجهات الفيدرالي في اجتماعاته المقبلة.
باختصار، سيبقى الذهب في موقف حساس، حيث تؤثر عليه قوى متعددة. من وجهة نظري، فإن الطريق إلى استقرار أسعار الذهب قد يمر عبر زيادة التوترات الجيوسياسية أو تغير مفاجئ في توقعات السياسة النقدية الأمريكية. ورغم التحديات، يظل الذهب خيارًا دفاعيًا مهمًا للمستثمرين الذين يسعون إلى الحماية في أوقات عدم اليقين، مما يعني أن فرص عودته إلى مستويات أعلى ليست مستبعدة تمامًا.