مقالات

جائزة نوبل في الاقتصاد: بين قيمة التقدير وأبعاد العدالة الاقتصادية

الدكتور عبدالله الجسار عضو جمعية اقتصاديات الطاقة عضو جمعية الاقتصاد السعودية

تم النشر في الأربعاء 2024-10-30

قبل ايام من نهاية اكتوبر بالرياض، حضرت ندوة بعنوان “قراءة فكرية لجائزة نوبل في الاقتصاد”، التي نظمتها جمعية الاقتصاد السعودية، حيث أضاءت لي هذه الندوة زوايا جديدة للتفكير حول قيمة الجائزة ودورها الفعلي في الاقتصاد المعاصر. نجاح الجمعية في إقامة هذا الحدث أظهر قدرتها على تحفيز الفكر النقدي ودعم النقاشات العميقة، وهذا جدير ان يُحترم، واقترح ان تتحول هذه الفعالية الى ملتقى سنوي يجمع الأكاديميين والصحفيين المهتمين على حد سواء، لتعزيز المعرفة والنظر بعمق لمن منحت له الجائزة ولماذا؟

وأثناء النقاش في هذه الجلسة تساءلت: هل يمكن لجائزة نوبل في الاقتصاد أن تكون المعيار الأقصى للإنجاز العلمي؟ فالاقتصاد باعتباره احد أنبل العلوم، ليس مجرد أرقام ونماذج حسابية، بل علم يتفاعل مع السياسة والثقافة ويتأثر بتغيرات العالم المحيطة. إنه العلم الذي يسعى لتحقيق التوازن بين رفاه الأفراد وعدالة المجتمع، بطريقة أكثر انصاف لتحقيق النمو والازدهار. في السابق، كنت اعتبر جائزة نوبل هدفا أساسيا، وكرست جهدي لتطوير نظريات جديدة أملا في ان اكون احد الحاصلين عليها. ولكن هذه الندوة جعلتني أدرك شيئا أعمق، الا وهو ان قيمة النظرية الاقتصادية لا تُقاس فقط بالتتويج بجائزة، بل في استمرار تأثيرها وقدرتها على الصمود أمام النقد والتحليل. من هنا قررت! فلم تعد نوبل هدف بحد ذاتها، بل بات هدفي التأثير الفعلي والابتكار الذي يسهم في تطوير الاقتصاد ويخدم المجتمع بشكل ملموس.

وعند الحديث عن سياسات الجائزة وتركيزها على علماء من اقتصادات متقدمة، بينما يبقى الابتكار الاقتصادي في الدول النامية خارج دائرة الضوء. وجدت ان هذه الاقتصادات تتطلب بشدة حلولا لإعادة توزيع الدخل وتعزيز العدالة، بل تجد نفسها معزولة عن ساحات التقدير الدولي، في حين تُمنح الجائزة لأبحاث تركز على كفاءة الإنتاج، متجاهلة بذلك البعد الاجتماعي المحوري لتحقيق رفاه اقتصادي في عدالة توزيع الدخل.

وفي هذا السياق، اجد نفسي مرغما لانتقاد اقتصاديات كفاءة الإنتاج، التي اعتبروها “الفائزون” الطريق الأمثل لتحقيق النمو. لكنها أيضا قد تعزز التفاوتات الاقتصادية، فبينما يتم التركيز على زيادة الإنتاج والربحية، تتراكم الثروات في يد القلة، وتتسع الفجوات بين الطبقات. فتجاهل البعد الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى إضرار “طويل الأمد” بالاقتصاد ككل، حيث تجد الطبقات الأقل حظا نفسها تزداد تهميشا، حين تُعتمد سياسات كفاءة الانتاج دون توازن مع عدالة التوزيع، وهذا يزيد من الفجوه بين عدم المساواة بدلا من تقليلها.

هذا التوجه الحالي في سياسات الجائزة لا يشجع الباحثين في الدول النامية على الابتكار في حلول تتناول قضايا العدالة والتوزيع التي هم بحاجة ماسة اليها. بدلاً من ذلك، يتم توجيه الاهتمام إلى إنتاجية السوق وتحقيق الربحية.

النقد هنا ليس مجرد اعتراض، بل دعوة لإعادة التفكير في مسار جائزة نوبل دون تقليل من تلك الدراسات او الفائزين الذين كان معظمهم يستحقون هذا التكريم. بل هو استعراض لرأيي الخاص ان الاقتصاد ذلك العلم النبيل، لا يمكن اختزاله في حسابات الكفاءة وحدها، بل هو منظومة متكاملة تسعى لتحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وتكريم النظريات سواء بجوائز نوبل او غيرها عندما تحقق هذا التوازن يمثل التزاما بعدالة علمية تعكس “حاجات اقتصادية متنوعة” حول العالم، وتدعم الباحثين الذين يسعون لإيجاد حلول أكثر عدلا واستدامة لاقتصادات تعكس التنوع الاجتماعي والاقتصادي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock