تم النشر في الأثنين 2021-01-25
تشهد العديد من الأسواق في الأسبوع الثالث من التداولات تراجعاً متزايداً في قوة زخمها الذي دفعها نحو الارتفاع خلال الشهور القليلة الماضية، ولم تكن السلع استثناءً من ذلك. واستند ذلك الزخم بشكل رئيسي على حدثين في مطلع نوفمبر، حيث أدت أجواء التفاؤل بالتوصّل إلى لقاح وفوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، إلى ارتفاع توقعات السوق بشأن النمو والتضخم وضعف الدولار.
ووضّحت آخر تحديثاتنا الأسبوعية للسلع كيف بدأت معدلات الزخم في السلع بالتراجع، مع استثناءات قليلة من بينها الحبوب. وانقلب الزخم المتباطئ في الأسبوع الماضي إلى خسائر مباشرة تكبّدتها عدة قطاعات أبرزها الحبوب والطاقة. لكن بعد تحقيق سلع رئيسية من النفط الخام إلى الذرة والنحاس لمكاسب قوية بشكل غير اعتيادي، ارتفعت مخاطر وقوع انتكاسة أو مرحلة من التماسك السعريّ في أفضل الحالات.
ومن المحتمل أن تكون عدّة عوامل قد لعبت دوراً للتأثير في تغيّر التوجّهات مؤخراً نحو الحذر. وبعد الانتقال السلمي للسلطة في واشنطن، يبدو أن الضجة المصاحبة لحفل تنصيب بايدن قد انتهت لنعود إلى الواقع الذي يشير حقيقة إلى أن أكثر من 100 ألف أمريكي سيخسرون معركتهم أمام كوفيد-19، قبل أن تبدأ الجائحة بالتراجع في النصف الثاني من عام 2021. وفي الوقت نفسه، تتبدّد الآمال بإقرار مجلس الشيوخ لحزمة محفزات جديدة، مع تزايد المعارضة من الحزب الجمهوري. ولا تزال معدلات التضخّم ضعيفة مع تسارع متوقع وليس خطيراً حتى النصف الثاني من العام، بمجرّد أن تبدأ الآثار الأساسية للانهيار الذي شهدته أسعار النفط الخام العام الماضي بالتلاشي. وتزداد مشاعر عدم الارتياح في السوق مع ارتفاع عائدات السندات الأمريكية المستحقة لأمد بعيد مع قوّة الدولار.
وبالرغم من إجراءات الإغلاق الاحترازي المستمرّة حول العالم، عاد الفيروس للتفشّي مجدداً في ثلاث مقاطعات على الأقل شمال الصين، ما سيدفع نحو فرض إجراءات إغلاق احترازيّ جديدة. وأثار ذلك مخاوف بشأن توقعات الطلب على المدى القصير من دولة وفّرت دعماً كبيراً العام الماضي، وبمفردها في بعض الأحيان، للعديد من السلع الأساسية مثل النفط الخام والنحاس وفول الصويا. ومن غير المرجّح أن تتراجع عمليات الإغلاق الاحترازيّ والقيود المفروضة حول العالم في وقت قريب، وإنما سنشهد استمراراً في تأجيل موعد الانتعاش المتوقع، ما قد يشكل تحدياً إضافياً للتوقعات على المدى القريب.
وبناءً عليه، يتحول التركيز نحو المخاطر التي تفرضها مضاربة الشراء القياسية على التوقعات قصيرة المدى. وبعد مضيّ شهور من التركيز على الانكماش، ارتفعت معدلات طلب المضاربين للمضاربة بفضل التشديد الناشئ في سلع رئيسية، وتوقعات انتعاش الطلب العالمي على المواد الخام – والمدفوعة بأخبار التوصّل إلى لقاح. وفي الأسبوع المنتهي بتاريخ 12 يناير، احتفظ المضاربون بصافي خيارات وعقود الشراء الآجلة بقيمة 2.6 مليون لوت في 24 عقداً آجلاً للسلع بقيمة 128 مليار دولار أمريكي. وكان ذلك من شأنه تشكيل رقم قياسي جديد، لولا الانخفاض بنسبة 31% في صافي فائض الذهب.
يتابع الذهب والفضة سعيهما للعثور على عرض جديد في أعقاب عمليات البيع المكثفة في مطلع يناير، التي نتجت عن ارتفاع العائدات وعمليات البيع على المكشوف، ما أدى إلى تعزيز الدولار. وبدلاً من حدوث ارتفاع كبير وسريع، تحوّلت توقعات تحقيق مزيد من المكاسب إلى ماراثون، ما سيجبر المستثمرين على التحلّي بالصبر ريثما يقع تضخّم داعم للارتفاع، وهو ما ليس متوقعاً قبل الربع الثاني من العام وما بعده. وبينما بلغ إجمالي الحيازات في الصناديق المتداولة في البورصة المدعومة بالفضة مستوىً قياسياً مرتفعاً الأسبوع الماضي، يزداد توجّه المضاربين في الذهب نحو تفضيل التطبيق الفعلي للأقوال وتخفيض مدّة العقود الآجلة للذهب. وكما ذكرنا سابقاً، شهد الأسبوع المنتهي بتاريخ 12 يناير توجه المضاربين نحو تخفيض صافي عمليات الشراء بنسبة 31%، وهو أدنى مستوى وصله تقريباً منذ يونيو 2019.
وبشكل عام، لا ترتبط صناديق التحوّط بصفقاتها ما يؤدي غالباً لاستجابة قوية لأي تغيير في التوقعات الفنية و/أو الأساسية. ومع ذلك، ووفقاً لآرائنا المتفائلة بشأن التضخّم، ما زالت توقعاتنا إيجابية بالنسبة للمعادن الثمينة، لكن المسألة تحتاج إلى الصبر.
واتّسم النفط الخام بمرونةٍ شكلت خلال الشهرين الماضيين ميزة أساسية دعمت استقرار أسعار السلع. وبلغت أسعاره أعلى مستوياتها في عام خلال الأسبوع الماضي بالرغم من مخاوف الطلب الناجمة عن الجائحة، وتجدّد تفشيها في الصين التي أعلنت عن إجراءات إغلاق احترازيّ قبيل احتفالات عيد رأس السنة القمريّة في الصين. وتتمثل عوامل الحدّ من التوجهات السلبية في الانتعاش المتوقع لقطاع النقل بفضل التوصّل إلى لقاح، والآمال بإطلاق المحفّزات الأمريكية، وتخفيضات الإنتاج السعودية أحادية الجانب، واستمرار قوة طلب المستثمرين على السلع، بما في ذلك النفط.
وما زالت توقعاتنا إيجابية على المدى الطويل لأسعار النفط الخام، لكن يستمر خطر وقوع تصحيح بنسبة 10%+ بالتفاقم على المدى القريب. وبناء عليه، نراقب خام برنت عن كثب، حيث قد يشير أي اختراق دون التوجه المتصاعد من أدنى مستوى في نوفمبر إلى انعكاس نحو 49 دولار للبرميل.
كانت الحبوب وفول الصويا أفضل القطاعات من حيث الأداء في الشهور الأخيرة، واتجهت نحو جني أرباح، بينما شهدت تداولات مؤشر بلومبيرج للحبوب انخفاضاً للأسبوع الأول من سبعة أسابيع. ولعب ارتفاع أسعار الذرة وفول الصويا بنسبة 50%+ منذ أغسطس في استقطاب صفقات شراء قائمة على المضاربة، وتتجاوز حالياً 50% من الذروتين اللتين تم بلوغهما في عامي 2016 و2018. وتواجه صفقات الشراء القائمة على المضاربة هذه تحديات الآن من هطول كميات أمطار كافية في مناطق الزراعة الرئيسية في أمريكا الجنوبية، والتي من شأنها تحسين توقعات المحاصيل، والحد من المخاوف بشأن حجم العرض العالمي.
وقبل المسارعة نحو جني الأرباح، ارتفعت أسعار القمح على جانبي المحيط الأطلسي بشكل كبير، حيث اقتربت أسعار القمح المتداول في بورصتي شيكاغو وباريس من أعلى مستوياتها في ثماني سنوات. واستندت الزيادة الأخيرة إلى قرار روسيا بفرض ضرائب على الصادرات للحدّ من الارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية المحلية. وباعتبارها المصدّر الأكبر للقمح في العالم، أثارت هذه الخطوة مجدداً – كما حدث عام 2011 – مخاوف بشأن الآثار السياسية والاجتماعية المحتملة للارتفاع المستمر.
ويعتبر صندوق ويزدوم تري للحبوب (AIGG: xlon) من السلع المتداولة في البورصة، والمؤهلة وفقاً لتعهدات الاستثمار الجماعي في الأوراق المالية القابلة للتحويل، ويتتبع أداء مؤشر بلومبيرج للحبوب؛ وقد بدأ بالارتفاع بنسبة 56% منذ أغسطس، ما زاد الحاجة لمرحلة من التماسك السعريّ.