اقتصادات مكافحة التستر
تم النشر في الثلاثاء 2020-08-25
فواز الفواز
في الاقتصاد وربما في نواح أخرى من الحياة السياق أهم من الحالات حتى من بعض العناصر. التستر آفة مالية نتجت عن وضع اقتصادي معين. رغبة المملكة في تكبير الاقتصاد بأكثر من قوى الإنتاج المتوافرة وطنيا جرت إلى تسهيل الاستقدام، مع وفرة مالية ونزعة استهلاكية عالمية أصبحنا جزءا منها تكون منظومة فريدة في الأغلب تتحدى التحليل الاقتصادي التقليدي. الحالة العامة غلبت عليها أدوار مختلفة للمواطنين مقارنة بالوافدين، مع الوقت حدثت فجوات أغلبها في الفاعلية وأخرى في الإدارة تسببت في ظاهرة التستر. الظاهرة مكلفة ولا أعرف إذا هناك دراسة موثوقة عنها ولكن شواهدها معروفة ومنها عزوف المواطنين عن بعض المهن والتسرب المالي للخارج وقلة الاستثمارات النوعية، لأن المتستر عليه في حالة عدم يقين والمتستر عادة في أضعف حلقة اقتصادية، ولكن بينهما أطياف. التكلفة الاقتصادية دائما صعبة القياس والتأطير لأن النموذج الاقتصادي لم يستقر والمعلومة إما ناقصة وإما لم توظف في الإطار المناسب اقتصاديا. المنطق الاقتصادي للتستر جاء بسبب الحاجة إلى سد الفجوة في الحراك الاقتصادي من قبل المواطنين. محاولة مكافحة الظاهرة تنظيميا تطور إيجابي وخطوة مكملة لمحاربة الفساد الإداري والمالي ولكنها عبء إداري غير متوقع.
في رأيي أن يكون التركيز على النواحي الاقتصادية والقانونية معا دون تركيز على إحداهما على حساب الأخرى، مع أهمية وجود تعريف اقتصادي للظاهرة. كما جاء في النظام أن أعلى عقوبة مالية خمسة ملايين ريال ما يبدو قليلا لبعض الأنشطة، بل الأحرى الربط بالعوائد المترتبة على التستر بينما العقوبة العامة كنسبة منها.
وأحد أوجه التحدي تكاثر الوافدين أحيانا بمبررات اقتصادية وأحيانا دون مبرر واضح. وجد التستر بيئة مواتية في عدم الوضوح، فمثلا هناك وافدون لديهم المبادرة في الأعمال إلى حد استغلال عمالة وافدة أحيانا دون إقامات صالحة، وهناك مناطق رمادية حيث يجد مواطن مبادر أن المسؤول المباشر عن العمل أقرب وأكثر معرفة فنية، فتدريجيا تتحول القيمة الاقتصادية من المالك إلى المدير الفعلي. لفت نظري من مواد النظام دور مسؤولي الضبط الجنائي والحاجة إلى إعداد هؤلاء لفهم النماذج الاقتصادية لظاهرة التستر وتبعاتها، لأن التستر يأخذ أشكالا وصيغا متنوعة وقد يخادع المراقب فنيا وتحليليا، ما قد تنتج عنه إعاقة لبعض الأعمال أو سلسلة الأعمال في بعض حلقاتها.
ولا بد من النظرة إلى النظام كإحدى الخطوات المهمة لإصلاح وتحديث المنظومة التنظيمية والإدارية في المملكة وألا يحمل تبعات تراكمات اقتصادية وسلوكية. تحليليا يصعب فصل التستر عن السياسة البشرية، خاصة الاستقدام، وبالتالي حل التستر جزء من تحدي التوطين. يطمح النظام إلى إصلاح ما أفرزته ظروف استثنائية استمرت حتى أصبحت عادة ولكن يصعب أن نعول على “النظام” وحده لإصلاح واقع اقتصادي. ربما من الأفضل التركيز قطاعيا، فلنبدأ بالتجارة، خاصة الجزئية، مثل الصيدليات. وجه العملة الآخر من التستر هو دور المواطن ومستوى رغبته في العمل ومثابرته وقدرة المجتمع على تحفيزه. يبدو لي أن النظام إذا طبق سينجح في تقليل الظاهرة خاصة في ظل الحرب على الفساد ولكنه لن يستطيع تغيير الحالة الاقتصادية، فهذه تتطلب حلولا اقتصادية لأن التحدي الجوهري ليس في وجود الوافد ولكن في التركيبة البشرية والعمالية والنهج التعليمي ومستوى الإنتاجية. ربما يخدمنا النظام لأعوام قليلة ومن ثم يتطور لمعالجة تحديات اقتصادية أكثر علاقة بسلم القيمة المضافة في الاقتصاد.
عن الاقتصادية