تم النشر في الأحد 2020-05-31
يهمنا ايضاح أننا أمام نوعين من مستقبل النقل الجوي
النوع الأول هو المستقبل الذي سيلي الوضع الحاضر، وهو ما يهتم به المسافر وكل ذي شأن. والنوع الثاني هو المستقبل الواجب أن تصيغه وتشكله الحكومات والمؤسسات وغيرها، متعلمين من دروس المحنة، التي لا عاصم من عدم حدوث مثيلها مستقبلا، سواء في صورة جائحة أو غيرها. وسنتناول النوع الثاني، وهو المستقبل الواجب صياغته وتشكيله.
في عام 2019 نقلت شركات الطيران على مستوى العالم أكثر من 4.4 مليار راكب، وبضائع قيمتها حوالي 6.5 ترليون دولار . وحققت ايرادات تعادل 838 مليار دولار، واجمالي أرباح يعادل 26 مليار دولار، أي بهامش ربح حوالي 3% فقط { هامش الربح المتدني خاصية من خصائص نتائج التشغيل فيها} وبالتالي، فليس لهذه الشركات القدرة على مجابهة النقص الحاد في الايرادات، وذلك لعدم وجود احتياطيات ماليه كبيره. وهو أمر يختلف عن قدرتها على مجابهة الارتفاع الحاد في التكاليف [الذي يكون غالبا في الوقود] حيث تحملها على الراكب.
وبالتالي لابد من تغيير شامل في القدرات الاقتصادية والمالية والتنظيمية والتشغيلية للشركات العاملة في النقل الجوي، ولابد من طريقة لتخفيض أسعار شراء الطائرات والمعدات الجديدة، حتى يكون للشركات القدرة على مجابهة الازمات الحادة والمخاطر الكبيرة بجميع أنواعها [مالية – فنية – تشغيلية – سياسية – اقتصادية – قانونية – تنظيمية – صحية – تكنولوجية – قضائية – أمنية – تشريعية – بيئية – وغير ذلك] وعلى الجميع أن يعوا بأنه كلما زاد حجم الطلب على النقل الجوي، كلما زادت الاستثمارات في شراء الطائرات وتوسيع وبناء المطارات، ومن ثم زيادة المخاطر. كما أن أغنى الحكومات لن تستطيع الاستمرار في انقاذ شركات الطيران في حالة تكرار هذه الظروف الصعبة.
هذا ونود أن نبين بأن منظومة “النقل الجوي” تتكون من عشرات العناصر الرئيسة ومئات العناصر الفرعية. ومن بين العناصر الرئيسة { هيئات الطيران المدني – شركات الطيران ـ شركات المراقبة الجوية – شركات المطارات وما يتواجد بها من نشاطات مثل [ شركات الخدمات الأرضية – صيانة الطائرات – الأسواق الحرة -الأطعمة والمشروبات – أمن الطيران- التموين بالوقود – النظافة – النقل البري – صيانة المطارات – وغير ذلك كثير] وأيضا: مصانع الطائرات – مصانع المحركات – مصانع المعدات والوحدات والاجهزة وقطع الغيار – الهندسة والبحوث – أنظمة الحجز – الادارة – والقائمة طويلة} وبالتالي فاهتمام الرأي العام بتأثير الأزمة على شركات الطيران فقط، هو أمر يجانبه العلم والصواب.
ونكتفي بذكر عدد محدود من المقترحات، لتغيير مفهوم واستراتيجيات النقل الجوي العالمي:
– تصميم وتطوير المطارات لتكون أسرع. فليس منطقيا أن تظل الطائرة تسير على الأرض لمدد طويلة قبل الاقلاع وبعد الهبوط ، وهو اهدار للمال والجهد والوقت.
– تصميم طائرات أقل تكلفة من حيث الفخامة والتجهيزات الداخلية. فتكلفة متعة الجلوس في الطائرة يجب أن تقل. ولتكن متعة الراكب وصوله سالما مُعافا بسرعة وراحة وسعر معقول.
– تصميم طائرات أكثر قدرة على انزال وتحميل الركاب والبضائع في وقت أقل.
– التوسع في انتاج طائرات Combi التي يمكن تخصيصها للبضائع فقط أو للركاب فقط أو لكلاهما معا.
– زيادة عدد ومساحات دورات المياه في الطائرات، وابتكار تكنولوجيا تنظيفها ذاتيا، وزيادة مخزونها من المياه والمعقمات والتهوية والتطهير.
– انشاء مطارات طويلة المدارج وصغيرة المباني، قليلة تكاليف التشغيل، لاستخدامها في حالات نقص الطلب وحالات الأزمات المؤدية لإغلاق المطارات الكبيرة عالية التكاليف
– زيادة تسويق ومكون نشاط الشحن الجوي في الشركات الحالية، حيث هامش الربحية يزيد على 6أضعاف مثيله لنقل الركاب. وتحويل نشاط بعض الشركات من نقل ركاب الى نقل للبضائع.
– نقل ملكية شركات الطيران الوطنية للبنوك المركزية، لتفعيل الرقابة وترشيد الاستثمار.
– تغيير هيكل ملكية المطارات وإنشاء شركات للإدارة والتشغيل وشركات للاستثمار.
– قيام مصانع الطائرات بالدخول في منتجات جديدة، بالتوازي مع أنشطتها الحالية، لتقليل المخاطر [تؤخذ التجربة الناجحة لشركة فيليبس في العمل بالمجال الصحي والطبي]
– زيادة نشاط النقل الجوي الداخلي لشركات الطيران التي تعتمد أساسا على النقل الدولي.
– إيقاف عمليات التوسع في حجم الأسطول وامتداد الشبكات لشركات الطيران العملاقة.
– ابتكار توليفة جديدة لضمان توازن المصالح والمخاطر في التعاملات بين الشاري والبائع والمستأجر والمؤجر في مجال الطائرات.
– تدعيم الاتجاه لإنتاج الطائرات متوسطة السعة [في حدود 250 مقعدا] وتقليل انتاج الطائرات الكبيرة، لخفض الاستثمارات وتقليل المخاطر,
– زيادة الاستثمار في الامن السيبراني، حيث اختراقه أخطر كثيرا من الأوبئة المرضية.
– زيادة الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، لتقليل الاعتماد على العنصر البشري وبالتالي تقليل مشكلة الرواتب عند حدوث الأزمات.
– زيادة الاعتماد على التسويق والبيع المركزي، ومن ثم تقليل عدد العاملين المباشرين في الداخل والخارج.
– اشراك الأطباء في تصميم وتطوير المطارات والطائرات لتضمين طرقا فعالة للتعقيم الاوتوماتيكي ومنع أو تقليل انتقال العدوى.
– تشجيع الشراكة في الأسهم بين شركات الطيران ومصانع الطائرات و شركات تأجير الطائرات لتوزيع المكاسب والمخاطر. وانشاء صناديق تجنب فيها نسية من الارباح لمواجهة المخاطر مستقبلا.
– شراء شركات الطيران لأسهم في شركات المطارات والمراقبة الجوية والخدم الات الأرضية والجوية.
– تغيير وتطوير المفهوم التقليدي لبعض الحكومات بشأن شركات الطيران الوطنية.
– تطوير وسائل النقل البديلة لتقليل الاعتماد على النقل الجوي كلما كان ذلك مناسبا.
– تأسيس شركات طيران صغيرة الحجم، تساهم فيها شركات حالية بطائرات تنوي الاستغناء عنها.
– ابتكار أشكال جديدة للمنافسة التعاونية، بتأسيس شركات طيران مزدوجة الجنسية للتشغيل على الخطوط كثيفة الحركة.
– تشكيل تحالفات وشراكات بين المطارات الاقليمية المحورية، وتطوير النشاطات الاستثمارية.
– ابتكار أنواع جديدة من التأمين لحماية الركاب العالقين إن تعرضوا لذلك.
– زيادة عمليات امتلاك شركات الطيران لمباني ركاب خاصة بها في المطارات.
– تأسيس شركات عمالة فنية وتشغيلية لمد شركات القطاع بالخبرات، لتقليل عدد العاملين المعينين.
– التوسع في عمليات التأمين ضد احتمالات فقد الايرادات لشركات القطاع.
– تأسيس بنوك تجارية واستثمارية متخصصة للتعامل مع موظفي وشركات القطاع.
– تصميم عقود متطورة لشراء وايجار الطائرات والمحركات، لمواجهة الأزمات.
– قصر العفش المجاني للراكب على [الحقيبة المحمولة معه] فالهدف نقل الراكب وليس نقل عفشه.
– ابتكار ترتيبات جديدة لترتيب المقاعد داخل كابينة الركاب.
– ابتكار شكل جديد لصالات انتظار الركاب ، ولمراحل انهاء إجراءات السفر.
– زيادة استثمارات شركات الطيران والمطارات في شركات النقل البري والبحري والسكك الحديدية.
– تغيير شامل في مفهوم ومحتوى الأطعمة المقدمة بالطائرات، لأنها ليست مطعما، بل وسيلة للنقل.
– وضع التشريعات اللازمة لمنع ركوب مسافر يحمل مرضا معديا.
– وجود مضيف [مُسعف أو طبيب] على كل رحلة دولية تزيد على 6 ساعات.
د. محسن حسن النجار
تشاري دراسات واقتصاديات النقل الجوي
للتواصل مع الكاتب
mohsennaggar@alum.mit.edu