ما بعد كورونا
تم النشر في الجمعة 2020-05-08
حسين علي
أكثر الناس تفاؤلاً لن يتوقع أن الأمور قبل كورونا لن تعود كما كانت قبلها، في الوقت القريب؛ فحتى الغبار العابر للسماء والطرقات والسطوح؛ لن يترك الأرض التي عبرها لدقائق أو ساعات كما كانت؛ فلا بد بعد عبوره وهدوء أمره من تنظيف المنازل والسيارات والشوارع والوجوه لتعود سيرة الحياة كما كانت. هذا وهو غبار، فكيف بكوارث محددة في الزمان والمكان سلفاً، مثل الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية! هذه تخلف أضراراً أقوى وأمر، من تلك التي خلفها الغبار، لكنها تعبر أو تخف أو تنام لتستيقظ بين وقت وآخر؛ لكنها في العموم تظل متوقعة، وطرق علاجها دائمة.
لكن هناك جوائح شاملة مثل الحروب العلمية التي تنطوي على عديد من الأسرار من شأنها جلب المنافع لمطلقيها، من اقوات أمم ضعيفة في التفوق العلمي والاقتصادي والدفاعي، ومع هذ تأتي بين وقت وآخر الأوبئة العابرة للقارات من الأنفلونزا الاسبانية إلى الآيدز وأنفلونزا الدجاج والطاعون. هذه الجوائح جعلت العالم الذي يشبه حبات السبحة يئن أنة واحدة ممتدة، وبالغة الأثر على كل ما يدب على الأرض ويطير في السماء، ويعتمل في النفوس.
“كورونا” أوقفت عجلة الإنتاج، وحركة الناس، وأشاعت التوجس في كافة البقاع من دون أن تتمكن دولة واحدة من التوصل إلى بصيص أمل يعيد بعض الطمأنينة إلى النفوس والدول التي تضررت. أعتى الدول أصبحت تعيش المأزق عاجزة عن نجدة نفسها وأهلها. في ظل هكذا مأزق لم تعد حركة الإنتاج هي حركة الإنتاج، ولم تعد الوظائف هي الوظائف؛ أصبح كل قائم على وظيفة برسم التسريح أو تخفيض الراتب، ولا أحد يحتج، فقد أصبحت العين بصيرة واليد قصيرة، وهي حالة لم تحدث بمثل هذه القوة والشراسة إلا مع هذا الوباء الذي تمدد وتمكن كالنار، دون أن تستطيع قوة إيقافه، أو الحد من أضراره!
وقد شرعت العديد من الدول، عندما أحست أن الضيف الثقيل سوف يكون بينهم لأمد غير محدد، إلى الشروع في رسم خطط وتدابير جديدة، حتى لا يصبح عليها صبح، تكون فيه برسم الإفلاس؛ خصوصاً أن الدول والصناديق المقرضة باتت تعيش نفس المأزق. لم يعد هناك من حل أمام الدول، كبيرها وصغيرها، إلا اللجوء إلى الاحتياطي، لكن الاحتياطي نفسه لن يسعف دولاً ولا أفراداً على الدوام، في ظل مستقبل بالغ الغموض.
ورغم كل هذه المؤشرات المحزنة، فإن علينا كما على أمم الأرض كلها، أن نلجأ إلى الماضي، ذلك الماضي الذي لم يمت أحد فيه، بسبب الجوع أو الفاقة؛ عندما كانت الأرزاق محددة، وعجلة الإنتاج متوقفة أو معطلة أو ليست موجودة من الأساس! لقد عشت طرفا من أيام الضنك تلك؛ فمشيت من شرق الرياض إلى غربها لثلاث ساعات متواصلة؛ لأنني لم أكن أملك أربعة قروش رسم ركوب الباص، من حي المرقب شرق الرياض، إلى جوار جامع ابن عدوان بحي الشميسي غرب الرياض، ومثلي في ذلك الوقت كثير، من الأمم والسكان؛ لكننا أمة الصحراء، مثل الطائر الخرافي، نفضنا ريشنا وواصلنا الطيران نحو الرفاهية؛ لن تخسر شيئاً وانت تجاهد في التغلب على هذه الأزمة،إذا عدت مؤقتاً إلى ذلك الوقت!
عن الرياض