كورونا والمتاجرة بصحة الإنسان
تم النشر في الخميس 2020-03-26
عبد العزيز السماري
ستكون أخلاقيات العلم هي المنتصر الأبرز في أزمة كورونا، وسيتحول العالِم (بكسر الألف) إلى أيقونة حقيقية في ثقافة البشر؛ فالوباء كشف الحقيقة على مصراعَيْها؛ فلا سبيل إلى السلام والتقدم إلا من خلال العلم والعقل والعبقرية، وما عدا ذلك سيكون في منازل أقل.
توجد الآن في العالم أكبر خلية علمية من أجل الخروج من الأزمة. ولأول مرة تخرج المصالح الاقتصادية وسياسات الاحتكار من منافعها المحدودة إلى مصالح الجميع، وقد كان العلم قبل هذه الأزمة تحكمه المصالح التجارية؛ ولهذا السبب تحول إلى دوائر مغلقة، تحد من إيجاد الحلول الجذرية.
فالمصالح الاقتصادية ترغب في أن يكون المرض مزمنًا، تعيش على استمراره وانتشاره رؤوس الأموال؛ ولهذا تناقصت كثيرًا حلول الشفاء العلمية للأمراض، وأصبحت كثير من الأدوية تطيل من عمر المصاب، لكنها لا تشفيه منها. ومثال ذلك: أمراض السكر والإيدز والسرطان.
السبب الرئيسي هو السيطرة على العلم، ثم إعادة تدوير منتجاته لخدمة رأس المال. وهي طريقة مجدية لزيادة الأبحاث؛ لكي تجعل منها هدفًا محددًا، هو أن الربح المادي يأتي أولاً قبل حل الشفاء الجذري؛ فأيدي العلماء مرتبطة – للأسف – بالمال؛ وهو ما جعل منها أداة لخدمة الشركات..
قد تغيِّر أزمة كورونا شيئًا من ذلك، وقد يعود العلم مستقلاً، ومدعومًا من الجمعيات الخيرية؛ وذلك من أجل التطور بدون تأثير مادي؛ وبذلك يتم إبعاد وحش الربح المادي العالي من أجل تعويض استثمار رؤوس الأموال في تمويل الأبحاث.
التفكير من خلال العقل المادي الباحث عن الثروة في البحث العلمي يؤدي إلى تزييف الحقائق العلمية، والتلاعب بصحة الإنسان. كذلك وسائل تقديم الخدمة الصحية من خلال وسيلة الاستثمار التجاري تؤدي إلى كوارث، هي أن يتحول المرض وتصاعد الإصابة به إلى سوق رائجة في مجال تحقيق الأرباح المالية..
في هذه الأزمة قد تزداد أرباح المستشفيات الخاصة، لكن الجهود الحكومية، وتوفير العناية الصحية للجميع، أثبتا أن العناية الصحية ليست سلعة، ولو كانت كذلك لأصبحت الأوبئة معيارًا لشراء أسهم المستشفيات الخاصة؛ ولهذا السبب على وجه التحديد لا تنسجم نظرية الطرح الرأسمالي للأدوية والعناية مع صحة الناس.
سنخرج من هذه الأزمة بحقائق، مفادها أن العلم وأبحاث اكتشاف الأدوية ولقاحات الأمراض يجب أن تخرج من نظرية رأس المال، وأن يتم تمويلها من الجمعيات الخيرية ومنظمات الصحة العالمية، ومن ثم يتم توفيرها بأسعار معقولة للجميع. كذلك لا يمكن أن يقبل العقل أن يكون المرض وانتشاره سببًا لارتفاع أسهم المستشفى الخاص في سوق الأسهم.
ختامًا: سيصل العالم إلى هذه الحقيقة في يوم ما؛ فالتاجر الذي يربح من تدهور صحة الناس أشبه بشخصية شيلوك في مسرحية تاجر البندقية، الذي تحول إلى ثري جدًّا بسبب استغلاله ظروف الناس الاجتماعية.
عن الزميلة الجزيرة