مقالات

من يدفع فاتورة المطعم أنت أم أصدقاؤك؟

تم النشر في الأثنين 2020-02-24

 

م.بدر بن ناصر الحمدان

في حياتنا اليومية ثمة أشياء تبدو أنها مجرد تفاصيل صغيرة لا تستحق الاهتمام، بينما هي في حقيقة الأمر جزء من سلوكياتنا اليومية وعادة ما تتخذ حيزًا من عاداتنا المجتمعية، بل تحدد في كثير من الأحيان نمط علاقتنا بالآخرين وطريقة تعاملنا معهم وفق هذا «الأتيكت الخفي».

لطالما كانت فاتورة المطعم – على سبيل المثال – مثارًا للجدل، فهي تمثل أحد أهم المعايير التي يحاول من يبادر بدفعها إثبات كرمه وجوده وتقديره لضيافة من يرافقهم، وعادة ما يصل الأمر إلى مشهد تنافسي لاستباق الدفع، وربما يتحول ذلك إلى معركة ناعمة (قد يتخللها حلف بالطلاق) يفوز بها أحدهم في نهاية المطاف وسط ثناء وتقدير الآخرين والإشادة بكرمه والدعاء له بأن يجود الله عليه ويزيده من نعمه.

تبقى الإجابة على سؤال من يدفع فاتورة المطعم أمر محرج للغاية وقد يتسبب في إرباك كبير بين مجموعة الأشخاص الحاضرين منذ بداية اللقاء واختيار المطعم وتحديد قائمة الطعام وحتى طريقة المغادرة، ولا يمكن أثناء ذلك تجاهل فترات الترقب والقلق التي قد تسيطر على جمالية هذا اللقاء بسبب أحداث الفاتورة المرتقبة.

تختلف العادات في ذلك بين الشعوب ويمتد هذا الاختلاف بنوعية الحدث نفسه هل هو طعام مرتبط بلقاء شخصي أو عائلي أو مع أصدقاء أو على هامش عمل، أيًا يكن فلا يوجد أتيكيت ثابت ينظم ذلك – ما لم يكن الاجتماع بموجب دعوة مسبقة -، إلا أن هناك بعض الطرق والأساليب التي من شأنها تجاوز هذا الموقف بصورة أكثر رضى من جميع الأطراف.

أسلوب الحياة الحديث نقل كثيرًا من اللقاءات الاجتماعية من البيت إلى المطعم وهذا من شأنه أدى إلى تزايد ارتياد هذا المكان العام وبالتالي تكرار الخلاف على دفع تلك الفاتورة، لذلك وبعيدًا عن المزايدات الاجتماعية والتباهي، يبقى الحل الأمثل في تطبيق الفاتورة المشتركة (تقسيم المبلغ على الجميع) والطلب من النادل إصدار أكثر من فاتورة بحسب عدد الأشخاص الموجودين، وهو أسلوب مجرب لدن كثير من المجتمعات وأثبت فعاليته.

هناك أوجه ومواطن ومواقف كثيرة يمكن أن نثبت بها كرمنا وتقديرنا تجاه الآخرين، ولكن يجب أن تكون بعيدًا عن أوقاتنا المميزة التي نقضيها معهم، وإهدار الوقت في صراعات لا قيمة لها، شئنا أم أبينا فاعتناق عادات وتقاليد والأخذ بها في غير موضعها يعد شيئًا من الجهل – حتى لوكان لها موضعها في حقبة سابقة -، ربما سيغضب هذا الرأي الكثير ممن يقرؤون هذا المقال، لكن الحقيقة أننا نؤمن بذلك في داخلنا ولكن لا نمتلك الشجاعة بالاعتراف به.

سلوكيات أفراد المجتمع يجب أن تستجيب للمتغيرات التي تحدث في محيطة وتتفاعل معها لا أن توغل في ممارسة معتقدات لا توائم وثقافة الحياة الجديدة، هناك فرق كبير بين هذه العادات وبين «القيم الإنسانية» التي يجب المحافظة عليها وبصورة أكثر تحضرًا أيضًا.

نحن بحاجة إلى تغيير معايير تقييمنا لمن نرافقهم ونلتقي بهم، علينا أن نعمل على تطوير أنماط عيشنا وفهم آلية تطبيقها في محيطنا الاجتماعي، لم يعد من الممكن أن نتعامل بعقلية القرن الماضي مع كل هذا التحول الذي يحدث في مفهوم الحياة المدنية المبنية على الانفتاح نحو الآخر، والخروج من الدائرة الضيقة التي تعودنا العيش بداخلها، هذه المرونة جزء من الحضارة.

دعونا نقرر من اليوم رفع شعار «الفاتورة المشتركة»، ولنطبقها في أول لقاء لنا مع الآخرين بدءًا من هذا المساء، دربوا أنفسكم على ذلك، ربما ستكون صعبة في البداية ولكن ثقوا أنها ستكون ثمن لقاءات قادمة أكثر جمالاً وتكرارًا، ولا تنسوا أن تخبرونا بما حدث معكم.

عن الزميلة الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock