السوق الأول
تم النشر في الخميس 2020-02-20
خالد الربيعان
وجدوا نقوشًا تصوِّر الترفيه ووسائله من غناء وتمثيل، وخيالات تُقال، ومسارح وهمية (بسيطة وساذجة) على جدران الكهوف منذ العصور الأولى! في هذا الزمن الصعب كان «الترويح» عن النفس (الترفيه بمفهومنا) يمثل شيئًا «استراتيجيًّا» ومهمًّا! رغم كل المخاطر، من زاحف ضخم، أو حيوان مفترس، أو خطر كارثة طبيعية، قد تمر عليك في كهفك بأي وقت، لكنك رغم ذلك تود الاستمتاع بالحياة!
الترفيه أصبح صناعة مع اختراع التلفاز، وأصبح «اقتصادًا» كاملاً عندما دخلت كاميرات التلفاز ملعب الرياضة! show business عبارة بسيطة، لكنها تساوي 700 مليار دولار تقريبًا! الرقم واحد فيها والأنجح استثمارًا «الولايات المتحدة الأمريكية»!
بعيدًا عن كرة القدم، هم وضعوا بصمتهم بكل قوة برياضات اخترعوها، وصمموا على تسويقها جيدًا، وبينهم أولاً بوصفهم شعبًا يبلغ تعداده 327 مليونًا، هم في عرف هذا الاقتصاد قاعدته وأساس نجاحه.
أحد أكبر الأمثلة على أهمية وقوة الاقتصاد الرياضي نراها في دوري كرة القدم الأمريكية NFL في 2010. كانت القيمة المالية للأندية الـ32 المكونة للدوري هناك تساوي 37 مليار دولار، وارتفعت هذه القيمة في السنوات الأخيرة لأكثر من 40 مليارًا، وهو أعلى من الناتج المحلي لأكثر من 115 دولة (منفردة أو بجمع بعضها معًا) بكامل مؤسساتها!
قيمة أكبر الأندية هناك: دالاس كاوبويز تساوي 5 مليارات دولار، وهو أول نادٍ رياضي يحقق هذا الرقم كقيمة سوقية. أما رابطة أندية الـNFL فحققت أرباحًا أخيرة، قُدرت بـ13.6 مليار دولار. وتنقسم أنشطة التسويق الرئيسية التي تحقق الأرباح والمداخيل لأربعة محاور رئيسية، هي: حقوق البث التليفزيوني، حقوق الرعاية والشراكة، منتجات الأندية ومتاجرها، مبيعات تذاكر يوم المباراة.
بند البث حققت فيه أندية دوري كرة القدم الأمريكية 9 مليارات دولار في 2019، وهي القيمة التي تدفعها الشبكات التليفزيونية لنقل المباريات مباشرة داخل وخارج الولايات المتحدة. أبرز هذه الشبكات ESPN وNBC وFOX. شبكة ESPN فقط عندما قامت بتحليل نسب المشاهدة يوم الاثنين، وقت موعد المباريات الأسبوعي، كانت النتيجة 10.7 مليون مشاهد داخل الولايات المتحدة فقط لهذا اليوم على شاشة هذه الشبكة منفردة.
حققت أندية الرابطة أيضًا مداخيل بقيمة 1.3 مليار دولار من أنشطة الرعاية والشراكة، خاصة أن معظم الكيانات التجارية الكبرى تعلن أثناء مباريات الدوري، وفي النهائي الكبير المسمى بالسوبربول. أما عن الأنشطة التجارية وحركة البيع بمتاجر الأندية، فالمشجع لا يخرج إلا وفي الغالب يشتري شيئًا.
المتاجر على مستوى عالٍ من التهيئة والراحة والتنوع في المنتجات ما بين القمصان والقبعات والكوفيات والنظارات والأعلام ومستلزمات الأناقة والأزياء، وأيضًا المنزل.. حققت الأندية مداخيل من منتجاتها قدرت هذا العام بـ420 مليون دولار. أما عن الحضور الجماهيري فثقافة الحضور منتشرة ومعززة جيدًا نتيجة للراحة والمتعة التي يشعر بها المشجع داخل الاستاد. حضر أكثر من 32 مليون شخص المباريات داخل الملعب خلال الموسم الماضي! بمتوسط 60 ألف مشجع في المباراة، نتج من هذا أرباح للأندية من بيع التذاكر، قُدرت بـ3.4 مليار دولار.
سوق الـNFL الناجح لأسباب «أمريكية» جدًّا نِسَب نموه مذهلة: 14 % زيادة في أعمدة المداخيل الرئيسية في موسم واحد فقط منذ 2018 لـ2019. وهذه الأسباب نفسها أنجحت رياضات أخرى ودورياتها الرئيسية، كدوري البيسبول والسلة.. ومداخيل التسويق الرياضي فيهما خرافية.
أمريكا أبدعت كإمبراطورية في «الإعلام والترفيه»؛ فأصبح أهم أسلحتها ومميزاتها كدولة، بداية من الإنتاج السينمائي الغزير والمبهر، والتسويق له بالأوسكار والجولدن جلوب، ثم احتضان وادي السليكون لأهم شركات الإنترنت والتواصل، وانتهاء بالرياضة بعد أن أصبحت صناعة ترفيهية سياحية ثقافية، مفرداتها أهداف ومباريات، وأهم عناصرها رموز مثل ليبرون جيمس ومايكل جوردان ومحمد علي ومايكل فيليبس، والشقيقتان ويليامز وفلويد مايويزر ضيف المملكة الفترة الماضية!
أخيرًا: الاقتصاد الرياضي الأمريكي كان حجمه 67 مليار دولار منذ عامين، والهدف بحلول 2020 أن يكون 75 مليارًا، وهو أمر ليس صعبًا، بل الصعب هو ألا يكون، خاصة مع النجاح السريع والهائل لاقتصاد الرياضة الإلكترونية أو الـeSports، الذي تسيطر الولايات المتحدة والصين على أكثر من نصفه بأرباح بلغت 360 مليون دولار العام الأخير!
عن الزميلة الجزيرة