120 مليار دولار قيمة دعم قطاع الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي على مدار العشرين عامًا الماضية
تم النشر في الأثنين 2020-01-13
أشار تقرير جديد لشركة ستراتيجي& الشرق الأوسط، التابعة لشبكة بي دبليو سي، بعنوان “إصلاح أسعار الكهرباء: الخيار الصعب لصناعات دول مجلس التعاون الخليجي”، أن سياسة تسعير الكهرباء الحالية في دول مجلس التعاون الخليجي لا تتسم بالاستدامة، حيث أدى الدعم على مدى عقود طويلة إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك والهدر في الطاقة، فضلًا عن استنزاف مئات المليارات من ميزانيات حكومات المنطقة. ويشير التقرير إلى أن المنطقة بحاجة إلى إصلاح هذه السياسة لتحقيق طموحات تنمية الصناعة المحلية وبناء قطاع كهرباء مستدام اقتصاديًا. إلا أن هناك اعتقاد خاطئ لدى الشركات الصناعية ، بأن إصلاحات التسعير ستؤثر على قدرتها التنافسية، الأمر الذي يدفع إلى معارضة كبيرة من الصناعيين لإصلاح أسعار الكهرباء.
وفي معرض تعليقه على التقرير، قال الدكتور شهاب البرعي، الشريك في شركة ستراتيجي& الشرق الأوسط: “لا يمكن على الإطلاق أن تستمر الهيكلية الحالية لأسعار الكهرباء في المنطقة. ويمكن لإصلاحات أسعار الكهرباء إن تمت بهيكلية صحيحة أن تجعل أنظمة توليد الطاقة الكهربائية مستدامة اقتصاديًا، وتساعد في الوقت نفسه في تنمية القاعدة الصناعية في المنطقة. ولتحقيق هذين الهدفين، فإن التعريفة المستحقة ينبغي أن تعكس التكاليف التي يفرضها كل مستخدم على منظومة الكهرباء”.
وجدير بالذكر أن المستخدمين النهائيين الكبار على وجه التحديد، كالصناعات التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء بأحمال رئيسية ثابتة مع مستويات تباين ضئيلة أو معدومة على مدار السنة، يمكن خدمتهم بتكلفة منخفضة للغاية ، وبالتالي ينبغي عليهم دفع تعرفة أقل. ويتعين على الشركات التي تستهلك طاقة أقل ولكن بطفرات كبيرة في الطلب، أن تدفع تعرفة أعلى، لتغطية حصتها الكبيرة الموازية من التكاليف المرتفعة لأصول توليد الطاقة في أوقات الذروة. وتشكل الكهرباء حصة أقل بكثير من إجمالي التكاليف للمجموعة الثانية من العملاء، حيث أن لديها خيارات مختلفة لتخفيف الزيادة، مثل تعزيز كفاءتها في استخدام الطاقة، وتخفيض التكاليف في مجالات أخرى، أو نقل زيادات متواضعة إلى المستهلكين.
وأضاف البرعي: “من الطبيعي جدًا أن يكون هناك اعتراضات على مثل هذه الإصلاحات، إلا أن الحكومات تستطيع دعم المجموعات المتأثرة، مما يتيح لها الوقت للتكيف مع التعرفة الأعلى التي سيتوجب عليها دفعها“.
وستؤدي إصلاحات تسعير الكهرباء هذه إلى توزيع تكلفة توليد الطاقة والبنية التحتية لتوزيعها ونقلها والعمليات التشغيلية المرتبطة بها، بشكل أكثر إنصافًا بين مختلف أنواع المستخدمين، وضمان محافظة الشركات الصناعية الكبرى على تنافسيتها.
وتشير تقديرات التقرير بأن دعم الكهرباء قد كلّف دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 120 مليار دولار على مدى السنوات العشرين الماضية، وإذا ما استمرت هذه السياسات على حالها حتى عام 2030 فإنها ستكلف تلك الدول 150 مليار دولار أخرى مع تنامي الطلب على الكهرباء.
وقد أدت التطورات الأخيرة في المنطقة إلى زيادة حدة هذه المشكلة. حيث يؤدي الدفع باتجاه تحول اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إلى التصنيع وإدخال سلاسل توريد للصناعات التحويلية إلى المنطقة، إلى جانب زيادة مستوى كهربة العمليات الصناعية، إلى زيادة الطلب الصناعي على الكهرباء. وفي الوقت نفسه، فإن النمو السكاني وتحسن مستوى الحياة في ظل المناخ الحار والقاسي لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي ينعكس على شكل زيادة في الطلب السكني على التكييف والتبريد الذي يعتمد على الطاقة الكهربائية. وعلى الرغم من أهمية التعرفة السكنية للكهرباء، إلا أن التركيز يجب أن ينصب على سياسات التعرفة التجارية والصناعية، والتي تحتاج أكثر إلى إعادة تقييم نظرًا لوجود حسابات سياسية واجتماعية مختلفة ترتبط بها، فضلًا عن تأثيرها الكبير على تكلفة النظام الكهربائي.
وتشكل التعريفة التي تعكس التكلفة تحديًا اجتماعيًا لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكن أن تترك تصوراً لدى الناس بأن السياسة تنحاز بشكل غير منصف إلى مصالح الصناعات الكبرى على حساب العديد من الصناعات الأصغر. وللنجاح في هذا الأمر، ينبغي على أي سياسة تعكس التكلفة النظر من منظور المستخدمين الصناعيين والتجاريين الأقل استهلاكاً للطاقة، واتخاذ العديد من التدابير للتخفيف من التأثيرات التي قد تنعكس على المستخدمين الذين يواجهون تعرفة أعلى. فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومات تقديم مستوى ما من الدعم المالي لمساعدة هؤلاء المستخدمين على تغطية التكاليف المرتفعة، مثل دفع بعض رسوم التوصيل الثابتة. ويمكن للحكومات أيضًا المساعدة في تمويل تركيب معدات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، أو إجراء تدابير أخرى خلال فترة انتقالية تمتد لعدة سنوات، مما يتيح للمستخدمين الوقت لإجراء التغييرات الداخلية اللازمة للتكيف مع السياسات الجديدة.
يجب على أي سياسة جديدة لتسعير الطاقة الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي أن تلبي هدفين أساسيين:
- أن تضمن استدامة قطاع الكهرباء من الناحية المالية، حيث يجب أن تغطي إجمالي إيرادات نظام توليد الكهرباء كامل تكلفة العمليات الحالية فضلًا عن تمويل النمو المستقبلي.
- يجب أن تعكس التعرفة المفروضة على المستخدمين الأفراد التكلفة التي يفرضها كل منهم على نظام توليد الكهرباء.
ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي التي تسعى إلى إصلاح تعريفة الطاقة الكهربائية أن تحقق هذين الهدفين بشرط أن تصنف الشركات ضمن مجموعتين، بناءً على التكاليف التي تفرضها تلك الشركات على نظام توليد الطاقة الكهربائية، وعلى الدور الذي تلعبه الكهرباء في هيكل التكلفة لكل مجموعة.
تقرير استراتيجي& يوضح الفوائد التي تعود على الأنظمة الكهربائية والصناعة:
تتيح الإصلاحات السياسية آنفة الذكر لكلٍّ من أنظمة الطاقة الكهربائية والشركات الصناعية أن تصبح أكثر كفاءة على صعيد رأس المال.
- بالنسبة للطاقة الكهربائية: تشجع هذه السياسة على نمو طلب قاعدة الأحمال “الدائمة” (كحصة من إجمالي الطلب) وتحد من نمو الطلب المفاجئ وطلب الذروة. وتساهم هذه السياسة بمرور الوقت في تقليل طلب الذروة وزيادة الاستخدام الكلي لأصول توليد الطاقة ونقلها، مما يقلل متوسط تكلفة نظام الكهرباء على جميع المستخدمين النهائيين.
- بالنسبة للصناعات: تدفع هذه السياسة الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة لتخطيط قدرتها الإنتاجية بشكل أكثر دقة، لضمان تشغيل المصانع مع الاستفادة الكاملة من الطاقة وتجنب التقلبات الموسمية في الإنتاج. ولن تتمكن الشركات بعد الآن من بناء ملف أعمال يقوم على استثمارات في مصانع فرعية ذات معدلات إنتاج متغيرة، الأمر الذي يؤدي إلى تجنب الهدر في رأس المال، وهو هدف رئيسي للاقتصادات النامية.
من جانبه، قال رمزي حاج، المدير الرئيسي في ستراتيجي& الشرق الأوسط: “في ضوء تزايد الطلب على الكهرباء، يجب صياغة أي إصلاحات بطريقة تدعم الخطط الطموحة للتحول إلى التصنيع، والتي تمضي عليها العديد من حكومات المنطقة. إن مجرد فرض تعرفة أعلى على جميع المستخدمين لن يجدي نفعًا على الإطلاق، ويتعين عوضًا عن ذلك أن تقوم الحكومات بفرض تعرفة تعكس بشكل أكثر دقة التكلفة الفعلية للخدمة بحسب كل شريحة من العملاء”.