مقالات

الفساد أصل البلاء والعقاب أفضل دواء

تم النشر في الخميس 2019-12-19

 


 

فواز العلمي

 

 

في اليوم التاسع من شهر ديسمبر الجاري صدر تقرير الأمم المتحدة بعنوان: “متحدون ضد الفساد” الذي أوضح أن قيمة الرشا في العالم فاقت خلال العام الماضي تريليون دولار، فيما بلغت قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد ما يزيد على تريليونين ونصف التريليون دولار، لتساوي 5 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. وأكد التقرير أن قيمة الفاقد في الدول النامية بسبب الفساد يقدر بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدات الإنمائية المقدمة لهذه الدول.
ظاهرة الفساد تطول جميع الدول على اختلاف مستوياتها التنموية، فمن ضمن أكبر عشر دول في العالم في احتياطيات النفط والغاز، جاء أربع منها على قائمة أكثر الدول فسادا في العالم، ما أدى إلى تراجع نموها الاقتصادي وتخلفها في التنمية البشرية والاجتماعية ورضوخها لنوازع الاستبداد والاتكالية.
ولعل فنزويلا، التي تتربع على عرش مخزون النفط العالمي بمقدار 297 مليار برميل، وتحتل المرتبة الثامنة في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 196 تريليون قدم مكعب، لتفوق قيمة ثروتها الاجمالية طبقا للأسعار السائدة 35 تريليون دولار، أصبحت اليوم من أكثر الدول فسادا في المعمورة. ونتيجة لذلك انكمش اقتصاد فنزويلا في العام الجاري بنسبة 7.1 في المائة واستشرى الفقر في مجتمعها بنسبة 45 في المائة والبطالة بنسبة 36 في المائة، لتحتل فنزويلا المرتبة الـ161 بين 171 على المؤشر العالمي لمدركات الفساد، والمركز الـ186 بين 189 دولة حول العالم في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال، والمركز الأخير في تسوية حالات الإعسار وسداد الديون.
وكذلك إيران التي تحتل المركز الرابع عالميا في مخزون النفط بمقدار 145 مليار برميل، والمرتبة الثانية في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 1187 تريليون قدم مكعب، لتفوق قيمة ثروتها الإجمالية طبقا للأسعار السائدة 37 تريليون دولار، تعاني اليوم تراجع اقتصادها المرير لفساد حكومتها. وأدى ذلك لتراجع مرتبة إيران إلى المركز الـ130 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد، والمرتبة الـ144 بين 177 دولة على مؤشر الفساد الإداري. لذا لجأت إيران في الميزانية الحالية إلى فرض مزيد من الضرائب بنسبة 23 في المائة، وتخفيض دعم السلع الاستهلاكية بنسبة 26 في المائة، مع خفض دعم أسعار الخبز بنسبة 40 في المائة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 67 في المائة لتزداد حدة الفقر في بلد يعد من أغنى بلدان العالم بالنفط والمعادن والمياه والزراعة. وأدى تراجع الاقتصاد الإيراني إلى تربع إيران على المرتبة الثانية من أصل 90 دولة على مؤشر الإفلاس الاقتصادي، والمركز الـ180 من أصل 187 دولة على مؤشر التضخم.
وأيضا العراق، الذي يحتل عالميا المرتبة الخامسة في مخزون النفط بمقدار 140 مليار برميل، والمركز السابع في احتياطيات الغاز الطبيعي بمقدار 126 تريليون قدم مكعب، لتبلغ ثروته الإجمالية بالأسعار السائدة أكثر من 16 تريليون دولار، يعاني شعبه اليوم المجاعة التي طالت خمسة ملايين شخص بسبب ارتفاع نسبة الفقر إلى 41 في المائة، نتيجة التراجع الكبير في اقتصاده وتمادي فساد حكوماته، التي حققت المرتبة الـ170 بين 171 دولة على مؤشر مدركات الفساد العالمي.
في الأسبوع الماضي أعلن مجلس النواب العراقي أن ميزانية العام المقبل ستواجه عجزا ماليا ضخما يقدر بنحو 40 مليار دولار. هذا في الوقت الذي أوقفت الحكومة العراقية ستة آلاف مشروع تنموي بسبب ضعف التمويل وانخفاض أسعار النفط، ما سينعكس سلبا على التنمية الاقتصادية ويتسبب في تنامي المشكلات الاجتماعية.
ومنذ التدخل الإيراني السافر في العراق، ووفقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية، تكبد العراق خسائر فادحة تفوق تريليون دولار، كان نصيب الفساد منها 450 مليار دولار، والباقي كان نتيجة الحروب والإرهاب والابتزاز. هذه الخسائر الفادحة تجاوزت 60 في المائة من عوائد النفط، و80 في المائة من الإنتاج الزراعي، و42 في المائة من المنتجات الصناعية، ما أدى إلى إقفال 33 في المائة من أبواب الشركات العراقية، وارتفاع نسبة البطالة إلى 41 في المائة.
وعلى مؤشر السلام العالمي، الذي تضمن 170 دولة، جاء العراق في ذيل القائمة للتنافس مع سورية والصومال وأفغانستان على الفوضى والانفلات الأمني والأعمال الإرهابية والحروب الميليشية، خاصة مع ازدياد عدد مدمني المخدرات بنسبة 250 في المائة، وتضاعف عدد الجرائم الأخلاقية بمعدل 430 في المائة.
وكذلك نيجيريا، التي حققت عالميا المرتبة العاشرة في مخزون النفط بمقدار 36 مليار برميل والمركز السابع في احتياطيات الغاز بمقدار 19 تريليون قدم مكعب، إضافة إلى تحقيقها المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج الخشب، تعاني آفة الفساد وأخطار سوء الإدارة التي أعلن الرئيس الحالي حربا عليها. وتشير الإحصائيات الأخيرة لمؤشر الشفافية الدولية إلى أن نيجيريا تخسر سنويا 18 مليار دولار بسبب سرقات النفط، لتحل المرتبة الـ136 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد. إضافة إلى تراجع أسعار النفط أدى الفساد إلى تخفيض سعر صرف العملة المحلية بواقع 21 في المائة، وهبوط الاحتياطيات الأجنبية بنسبة 66 في المائة، ما أسهم في تفاقم حدة الفقر بنسبة 90 في المائة، وانحدار مؤشر التنمية البشرية للمرتبة الـ152 عالميا، خاصة أن النفط يشكل في نيجيريا 90 في المائة من الصادرات و85 في المائة من الإيرادات.
ولأن الفساد دون عقاب هو أصل البلاء أصبحت هذه الدول الغنية بالنفط والغاز من أكثر دول العالم فقرا وتراجعا في التنمية والاقتصاد.

 

الغذاء والدواء من المسؤولية إلى التعقيب

 

عبلة مرشد

 

تتداول وسائل الإعلام أنباء كثيرة ومختلفة، عن مستوى جودة ونوعية وسلامة منتجات تجارية في السوق المحلي، تشمل الغذاء والدواء، وغيرهما من المنتجات والمبيعات التي تتعلق بصحة الناس واستخداماتهم المختلفة، والتي لا يتم اكتشاف أضرارها الجسيمة رسمياً، إلا بعد رفع شكاوى من المستهلكين المتضررين، لوزارة التجارة أو لهيئة الغذاء والدواء باعتبارها الجهات المعنية، بمتابعة جميع المنتجات التجارية التي يتم استهلاكها محلياً سواء أكانت منتجة محلياً أم مستوردة، والتي يفترض أن لها معايير وشروط مطلوب مطابقتها لأنظمة ولوائح تنظيمية وتشريعية موجودة، ويقتضي أن يعرفها التاجر كما يعرفها المستهلك، للالتزام بها وتنفيذها في إطار القانون والنظام الخاص بذلك.

 

لعل أوضح مثال قضية فساد الدخان الجديد التي تم تداولها مؤخراً، بعد الشكوى التي تقدم بها المستهلكون أو تحدثوا عن وجودها إعلامياً، لما لمسوه من أضرار وما لاحظوه من اختلاف عن سابقه، والذي دفع كلا من هيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة إلى مساءلة شركات التبغ المستوردة لتلك السلع، للإفصاح عن حقيقة مكونات السجائر، وما مصدر مكوناتها وما يتعلق بذلك من تفاصيل تستدعي تحليلات مخبرية، ما اضطرهما تباعاً، إلى الالتجاء لمختبرات دولية للوثوق من نتائج المختبرات المحلية، بعد أن أكدت الشركات المستوردة للتبغ مجتمعة سلامتها!، ضرباً بصحة المستهلك وثقة بعدم المساءلة أو المحاسبة المطلوبة؛ وعليه فإن ما لحق ذلك من تداول أنباء عن وجود مواد سامة وخطيرة بها، يدفعنا للوقوف على قضية خطيرة، تهدد صحة المواطنين والمجتمع، ليس في تلك القضية فحسب، وإنما في جميع ما يتم تداوله واستهلاكه من منتجات مختلفة، وتلحقها شبهات كثيرة عن مستوى سلامتها صحياً وبيئياً وبما يهدد أمننا الصحي العام.

 

إن أهمية مناقشة القضية لا تتعلق بأهمية التبغ كمنتج استهلاكي بحد ذاته، أو التشجيع على استخدامه أو غير ذلك من التفسيرات التي قد تتبادر للبعض، وإنما أهمية طرح الموضوع تتعلق بالوقوف على تحديد مدى نجاح هيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة؛ في تحمل مسؤولياتهما المؤسسية الوطنية، لكونهما المؤسستين الأساسيتين المعنيتين بسلامة وجودة جميع أنواع المنتجات التجارية المستهلكة محلياً، سواء أكانت للغذاء والدواء أم المنتجات الأخرى التي نحتاجها في مختلف مستلزمات الحياة.

 

من الملاحظ أننا لا نسمع صدى أو تحركا لكلا الجهتين المذكورتين إلا بعد ارتفاع الأصوات بالشكوى الرسمية، أو تداول القضايا من المستهلكين، سواء المتضررين منهم أو من المهتمين بالكشف عن الحقائق المستورة، وذلك يشمل جميع ما يتم تداوله مجتمعياً وإعلامياً حول كوارث الغش التجاري أو الفساد في الغذاء والدواء وضحاياه، سواء ما يتعلق بنوعيته أو سلامته الصحية أو مدى مطابقته للشروط النظامية، علاوة على تضخم الأسعار لسلع وأدوية تثبت فروقاتها الكبيرة عن دول أخرى، أو ما نشاهده من تدن في بيئة العمل والإعداد للطعام، وما يتصل بذلك من أمور صحية تهدد حياتنا وسلامة مجتمعنا.

 

التساؤل الُملّح الذي يطرح نفسه؛ ما هي المسؤوليات الفعلية المطلوبة من الغذاء والدواء ومن وزارة التجارة؟! هل دورهما يبدأ بعد شكوى المستهلك، أم أن دورهما ومسؤوليتهما يكونان قبل ذلك؟! أليس من مسؤولية هيئة الغذاء والدواء فحص ومتابعة كل ما يتم استيراده أو إنتاجه محلياً من الغذاء والدواء قبل تبادله تجارياً ومجتمعياً؟! ولماذا لا يكون من مسؤوليتها كذلك، منح رخصة نظامية لكل سلعة يتم دخولها للسوق للاستهلاك الآدمي خاصة، وبعد التأكد من سلامتها مخبرياً؟ أليس لديها مختبرات متخصصة لفحص الجودة والمكونات لجميع المنتجات الغذائية والدوائية؟!، ولماذا تطلب من الشركات المستوردة نتائج تحليل مختبراتها؟! أليس تلك الشركات هي الخصم، فكيف تكون هي الحكم؟!

 

وعليه فإن الاستفسار المطروح؛ ما طبيعة عمل هيئة الغذاء والدواء المؤسسية في تحمل مسؤولية الأمانة الوطنية؟!، وذلك في ظل ما نشهده ونلمسه من تجاوزات مستمرة على الصحة والسلامة البشرية والبيئية؟ لماذا تنتظر الهيئة دوماً وقوع الضرر ورفع الشكوى حوله حتى تتدخل لمعالجة القضية؟ لماذا لا تكون هي المبادرة بكشف السلبيات والمخالفات الموجودة في السوق الاستهلاكي؟ بل، وللأسف حتى ما يكشف عنه ما بين آونة وأخرى من رداءة أو تدن في مستوى منتج معين يتعلق بالغذاء والدواء، فإن ذلك لا يكون إلا بعد تداوله عالمياً أو إقليمياً، أو حتى بعد الكشف عنه من الشركات المنتجة ذاتها، كما حصل في قضية لحوم الأبقار البرازيلية قبل سنوات.

 

لا شك أن وجود مؤسسات وهيئات رسمية متخصصة يجعلها، معنية بتنظيم ومتابعة جميع ما يتعلق بمسؤولياتها الخاصة، وذلك جزء من مسؤولية وطنية وأمانة تتكلف بها الجهة، لأداء واجب مهني نحو الوطن والمواطنين، ويكون مقياس نجاحها في تحمل مسؤولياتها وأدائها، هو حجم المشكلات التي تواجه المجتمع فيما يتصل بمسؤولياتها، وكذلك مستوى رضا المواطن والمجتمع عن مستوى نجاحها ودورها في التصدي لما يواجهه المستهلك من مشكلات تتعلق بسلامته وصحته، والتي تبدأ فعلياً قبل أن تكون السلعة بضاعة رائجة في السوق التجاري، وقبل أن يتضرر منها المواطن والمجتمع، وذلك يشمل جميع المنتجات.

 

عندما تتقلص مسؤولية الجهات الرسمية المعنية عن متابعة القضايا ذات الصلة بها، إلى محاولة حل المشكلات والتجاوزات بعد وقوعها وتداول الشكاوى حولها، فإنها تُقصِّر بلا شك في تحمل مسؤولياتها المؤسسية الأساسية في التنظيم والضبط والتشريع، لتكون بمثابة مُعقِّب يتابع مستجدات ما يحـدث عـلى السـاحة الوطنية من إشكاليات وتجاوزات قد تكون خطيرة، ليساهم لاحقاً في معالجتها أو الحد من ضررها، بمراجعة جهات أخرى مرجعية أو متخصصة!

 

عن الزميلة صحيفة الوطن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock