تم النشر في الأحد 2019-03-24
ارتفعت تداولات السلع للأسبوع الثاني على التوالي، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، وجاءت مكاسبها مدعومة بأسعار المعادن الثمينة، إلى جانب السلع الزراعية على سبيل التغيير. وتلقت المعادن الثمينة زخماً قوياً نتيجة للهبوط الحاد الذي طال عائدات السندات بعد إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن وقف رفع أسعار الفائدة مجدداً خلال هذا العام، فضلاً عن التمهل في خفض ميزانيته العمومية.
وتراجع الدولار الأمريكي في البداية على وقع هذه الأخبار، قبل أن يعاود ارتفاعه يوم الجمعة نتيجة للدعم الذي تلقاه بعد صدور بيانات مخيبة للآمال عن “مؤشر مديري المشتريات” (PMI) حول ألمانيا وفرنسا. بينما شهدت أسعار الأسهم، التي استفادت من رغبة المستثمرين بالمجازفة، ارتفاعاً مبدئياً قبل أن تستقر نتيجة للمخاوف المتعلقة بتوقعات النمو الاقتصادي.
وشهد قطاع الطاقة محاولة لرفع أسعار برنت وخام غرب تكساس الوسيط بعد قيام دول منظمة ’أوبك‘ والمنتجين المستقلّين بخفض الإنتاج، ما أتاح لهم استعادة نصف خسائرهم في الفترة بين شهري أكتوبر وديسمبر قبل أن تستقر الأسعار عند حوالي 60 – 70 دولاراً أمريكياً للبرميل على التوالي. وساهم التراجع الموسمي الضخم في مخزونات النفط الخام الأمريكية والبالغ 10 ملايين برميل في خفض هوامش الفارق بين النقطتين المرجعيتين العالميتين.
ووصل مؤشر المعادن الصناعية بقيادة الزنك إلى أعلى مستوى له على مدى 24 أسبوعاً، وذلك قبل بروز مخاوف تتعلق بالنمو وتراجع الدولار الأمريكي، ما أدى إلى ظهور مؤشرات فنية يمكن أن تفضي إلى حدوث تصحيح أعمق خلال الأسابيع القادمة. وتجلى ذلك في معدن النحاس الذي تراجع إلى أدنى مستوياته خلال شهر واحد نتيجة للانخفاض الحاد في النشاط الصناعي الألماني.
وارتفع مؤشر ’بلومبرج‘ الفرعي للسلع الزراعية للأسبوع الثاني بعد الوصول إلى أخفض مستوياته مؤخراً. وساهمت العوامل المرتبطة بالأحوال الجوية في الولايات المتحدة بدعم أسعار الحبوب، في حين أدى انتشار مرض حمى الخنازير في الصين إلى زيادة الطلب على الإمدادات الأمريكية.
وحتى تاريخ 12 مارس الماضي، جمعت شركات إدارة الأموال، التي تسعى لحشد الزخم، صفقات بيع مضاربة بلغت أكثر من 600 ألف لوت في 14 سلعة زراعية. ومع البدء بتحسن التوقعات الأساسية، يتم تقليص حجم هذه الصفقات حالياً. ونتيجة لذلك فمن المحتمل أن نشهد اتجاهاً تصاعدياً للقطاع خلال الفترة القادمة. ومن هنا، ينبغي التركيز على السلع قصيرة الأجل والتي تشمل فول الصويا، والذرة، والقمح، والقطن.
وثمة قطاع آخر رزح تحت ضغوطات سعرية خلال الأشهر الماضية وهو قطاع الغاز العالمي. فإلى جانب فصل الشتاء المعتدل في أوروبا وآسيا وتزايد مخزوناته، فإن الزيادة المستمرة في صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال ساهمت في دعم الانخفاض الحاد لأسعار الغاز في كل من أوروبا وآسيا خلال الشتاء الماضي. فقد أغرقت الإمدادات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال السوق الأوروبية منذ شهر أكتوبر من العام الماضي، عندما أدت مخزونات الغاز الضخمة في آسيا إلى تحويل الإمدادات الأمريكية نحو القارة الأوروبية.
وشعرت شركة ’غازبروم‘ الروسية العملاقة، التي تجاهلت حتى الآن المخاوف المرتبطة باستحواذ الغاز الأمريكي المسال على حصتها السوقية، بتأثيرات الإمدادات الأمريكية عليها لدرجة أنها أشارت إلى أن الصادرات الأمريكية من الغاز قد أصبحت المنافس الأكبر لها في الأسواق. (المصدر: وكالة ’رويترز‘).
وبعد تحوله لاستخدام الدولار الأمريكي/ وحدة حرارية لأسباب تتعلق بالمقارنة، انخفض مرجع التداول الافتراضي ’داتش غاز‘ (تي تي إف) إلى أدنى مستوياته في عامين ليبلغ 4.8 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانيّة. أما في آسيا، فقد سجل مرجع ’بلاتس‘ انخفاض تداولات الغاز الطبيعي المسال في اليابان / كوريا الجنوبية من 11 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانيّة خلال شهر أكتوبر الماضي لتبلغ 4.7 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانيّة. وبالرغم من ذلك، فمن المتوقع أن تتوقف عمليات البيع الأمريكية عاجلاً وليس آجلاً، نظراً للنفقات الكبيرة التي يتكبدها المنتجون الأمريكيون عند إضافة تكاليف تسييل الغاز ونقله وإعادة تحويله إلى غاز طبيعي.
من ناحية ثانية، ترك الاجتماع الذي عقدته دول منظمة ’أوبك‘ والمنتجون المستقلون مؤخراً في العاصمة الأذرية باكو انطباعاً قوياً في الأسواق بأن أسعار النفط الخام ستواصل ارتفاعها. ويحتاج عدد من المنتجين في منظمة ’أوبك‘، ولا سيما المملكة العربية السعودية، إلى استعادة أسعار النفط لتستقر فوق 80 دولاراً أمريكياً للبرميل بغية الإيفاء بالتزاماتها المالية، ولذلك فهي غير راضية على الأرجح بأن يبقى سعر برميل النفط الخام أقل من 70 دولار أمريكي.
واستناداً إلى ذلك، تشير التوقعات في الأسواق إلى خفض معدلات إنتاج النفط حتى شهر يونيو القادم لدعم ارتفاع أسعاره. ويمكن لهذه الاستراتيجية أن تنجح في عالم يشهد نمواً قوياً ومعدلات طلب مرتفعة، ولكنها على الأرجح لن تحرز النجاح المطلوب في ظل هبوط منحنى عوائد السندات الأمريكية وارتفاع مخاطر الركود الاقتصادي إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008. وبينما تمتلك دول منظمة ’أوبك‘، إلى جانب روسيا، القدرة على التحكم في الإنتاج، إلا أنها تبقى عاجزة عن السيطرة على معدلات الطلب. ومع ارتفاع أسعار النفط فإن الأعباء الضريبية ستزداد ولن تستثني أحداً من تأثيراتها.
علاوة على ذلك، نلاحظ أنه على الرغم من توالي الأخبار الداعمة للأسعار خلال الأسابيع والأشهر الماضية، فإن صافي الربح المسجل لإجمالي العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط قد وصل إلى 450 ألف لوت فقط، وهو رقم يقل كثيراً عن 830 ألف لوت الذي شهدناه في شهر أكتوبر الماضي قبل انهيار الأسعار. ويعود ذلك على الأرجح إلى إحجام صناديق الاقتصاد الكلي عن المجازفة بالشراء في ظل تصاعد أجواء من التشاؤم الذي يكتنف مستقبل الاقتصاد.
واستناداً إلى هذه الملاحظات، تشير توقعاتنا إلى أن أسعار النفط ستسجل مزيداً من الارتفاع خلال الربع الثاني من هذا العام. أما بالنسبة للوقت الراهن، فإننا نعتقد بأن النفط سيتخذ منحنى هبوطياً على المدى القصير، حيث سيسجل 60 دولار أمريكي للبرميل (بالنسبة لخام غرب تكساس الوسيط) و70 دولار أمريكي للبرميل (بالنسبة لخام برنت) بشكل مؤقت ولفترة وجيزة.وسيسهم انتعاش أسواق الأسهم في تقديم إشارة مهمة حول ما إذا كانت مخاوف نمو الطلب ستعاود ظهورها باعتبارها محور تركيز يعوض عن التركيز على دعم الأسعار عبر خفض الإمدادات.
من جانب آخر، ساهم التحول الهائل الذي شهدناه خلال الأشهر القليلة الماضية من قبل ’مجلس الاحتياطي الفيدرالي‘ في دعم المنحنى التصاعدي للذهب، حيث تسلط التوجهات الحذرة الضوء على مخاطر الركود الذي يدعم أسعار الذهب خلال 12 شهراً القادمة. إلا أنه من غير المرجح أن يحصل الذهب على الدعم الذي يحتاجه لكسر عتبة مقاومته القوية في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإننا نتوقع ظهور تحديات هائلة خلال وقت لاحق من هذا العام نتيجة لضعف الدولار الأمريكي، واستقرار عائدات السندات عند مستويات منخفضة، والمخاوف المتعلقة بالقدرة على زيادة المخزونات العالمية في ظل تصاعد المخاوف المتعلقة بالنمو.
وإلى جانب النظرة المتفائلة تجاه الذهب، ينبغي أخذ الفضة بعين الاعتبار والذي بقي أحد المعادن المنسية بنسبة تداول تقل بمقدار 12% عن متوسط تداوله لفترة 5 أعوام بالنسبة للذهب. ويشكل البلاتين أحد المعادن الأخرى التي تستحق الدعم نظراً لسعره الذي يقل بأكثر من 700 دولار عن معدن البلاديوم، وما يزيد عن 400 دولار أمريكي بالنسبة إلى الذهب.
وكما أشرنا سابقاً، فإنه يتعين علينا الأخذ بعين الاعتبار بأن الكثير من المستثمرين يقومون بشراء الذهب كتأمين في مواجهة الأجواء المعاكسة لاستثماراتهم الأخرى، كما هو الحال بالنسبة للأسهم. وبناءً على ذلك، ينبغي مراقبة التدفقات داخل وخارج السلع المتداولة في البورصة والتي غالباً ما يتم استخدامها من قبل المستثمرين على المدى الطويل. وطالما تحافظ أسواق الأسهم على مرونتها الحالية، فمن غير المرجح للذهب أن يكون قادراً على تخطي التحدي الذي تمثله منطقة المقاومة التي تتراوح بين 1360-1380 دولار أمريكي.
ولن يطرأ أي تغيير على الدعم لأسعار الذهب التي ستستقر عند 1275 دولار أمريكي للأونصة قبل أن يصل إلى عتبة المعدل المتحرك لفترة 200 يوم والبالغة 1247 دولاراً أمريكياً للأونصة.