ثقافة الاستهلاك
تم النشر في الأحد 2019-03-17
تتفاوت المجتمعات الإنسانية في درجة وعيها الاستهلاكي، فنجد في بعض المجتمعات إذا ارتفعت أسعار سلعة معينة يتجه الناس إلى شراء وتخزين هذه السلعة، خشية زيادة أسعارها أكثر، أو اختفائها من السوق. وفي مجتمعات متحضرة أخرى إذا ارتفعت أسعار سلعة معينة، دون سبب مقنع، يبادر المستهلكون إلى مقاطعة هذه السلعة، حتى تعود الأسعار إلى طبيعتها. وفي الاقتصاد الحُر هناك شروط لتوازن السوق، منها: حرية دخول المنتجين وخروجهم، وتحقق المنافسة، وألا يكون هناك احتكار لسلع أو خدمات معينة، وأن تتوافر المعلومات في السوق للجميع، وأهم شرط أن يكون المستهلك واعيا، لكي يتخذ القرارات الرشيدة التي تتوافق مع مصلحته، فماذا عنا؟
نحن أولا لا نتمتع بالمنافسة الكاملة، وهناك صناعات وأنشطة تجارية وخدمات محتكرة لا يمكن لأي شخص أن يمارسها، كما لا تتوافر المعلومات الوافية للمستهلك عن السلع والخدمات الموجودة في السوق، إضافة إلى غياب الوعي الاستهلاكي عند أغلب المستهلكين.
لا يملك المستهلك إجبار الجهات الحكومية على إلغاء الاحتكار، بسبب الواقع السياسي والاجتماعي، الذي يجعل بعض العائلات تحظى بامتيازات خاصة، ويصعب سحبها منها، كما يصعب في ظل الواقع الإداري المتخلف إتاحة المعلومات الكافية عن السلع والخدمات لعموم المستهلكين. كما يتميز المستهلك عندنا بالإسراف الاستهلاكي، سواء بالضروريات، مثل: استهلاك الكهرباء والماء، أو بالطعام أو بالكماليات،
وهذا يجعل الوضع صعبا في كيفية خلق الاستقرار في الأسواق باستقرار أسعار السلع والخدمات، لذا يجب توعية المستهلك بحقوقه وتوعيته بما يجب عليه من ترشيد للاستهلاك، للحفاظ على ميزانيته في المقام الأول، ومن ثم المحافظة على موارد البلاد، وخاصة فيما يتعلق باستهلاك الوقود والمياه والكهرباء وأي سلع يستطيع أن يرشد استهلاكه لها، وتوعية المستهلك كيف يتصرف تجاه سلعة إذا تراجعت جودتها، أو زاد سعرها بصورة غير طبيعية، ودون أسباب مقنعة، كأن يحجم عن شراء هذه السلعة، أو يقلل من استهلاكها إذا كانت سلعة ضرورية، وهذا سيقلل الطلب على السلعة، ويدفع التاجر إلى مراجعة السعر، لكي يحقق المبيعات التي يطمح إليها، حتى لا يتعرض للخسارة.
لكن مَن يقوم بهذا الدور؟ هناك إدارة لحماية المستهلك تتدخل وتحميه إذا تعرض للغش أو النصب، لكن مَن يقوم بتوعية المستهلك ونشر الثقافة الاستهلاكية بين المواطنين؟ هنا يجب أن ينهض الإعلام، وخاصة الرسمي، بدوره التوعوي، ويخصص البرامج، ويبث الإرشادات للمواطنين بين فقرات برامجه المختلفة، لتوعيتهم وتثقيفهم استهلاكيا، كما نحتاج إلى جمعية أهلية فاعلة، لا على الورق، لحماية المستهلك، تنزل إلى الميدان، لدراسة الأسواق، وتقديم الدراسات والمعلومات للمستهلكين، وتساهم بتوعيتهم وتثقيفهم، ومتى ما أصبح لدينا مستهلك واعٍ، فسوف يؤدي ذلك إلى الحد من الغش بالسلع، واستقرار أسعار السلع والخدمات، والقضاء على الارتفاعات المبالغ فيها في أسعار السلع الضرورية أو الكمالية.
نقلا عن الجريدة