أخبار الاقتصاد

2017: خبر جيّد وخبران سيئان للاقتصاد العالمي” .

تم النشر في الخميس 2016-12-29

كشف كريستوفر ديمبك، رئيس قسم التحليلات الشاملة، ’ساكسو بنك في دراسة متخصصة حصلت ” المستهلك”على نسخة منها  ان “هناك نوعان من المشاكل في الحياة، المشاكل السياسية غير القابلة للحل، والمشاكل الاقتصادية العصية على الفهم”. هكذا قال السير أليك دوغلاس-هوم الذي تولى منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة لفترة قصيرة خلال الستينيات، غير أن السير هوم كان مخطئاً تماماً في قوله هذا، فعلى مدى الأعوام القليلة الماضية كان أسلوب حركة الأسواق المالية وظهور الأسعار السلبية بمثابة تطوّر يختلف كلياً عن أي شيء عهدناه في كتب تعليم الاقتصاد التقليدية. وبالمقابل، ولحسن الحظ، فإنّه من المفترض بالعام 2017 أن يثبّت العودة إلى الحالة الطبيعية، وهو توجّه بدأ مع نهاية العام الحالي، ويمثّل بشرى إيجابية.

الخبر الجيّد…
في الوقت الراهن نقترب من نهاية حالة انخفاض معدلات الفائدة وأسعار النفط الرخيصة و”التضخم المنخفض” (lowflation)؛ حيث شهدنا منذ الصيف الماضي ارتفاعاً في توقعات التضخّم للبلدان النامية نتيجة ارتفاع أسعار السلع العالمية، إلى جانب تأكيد خروج الصين من وضع الانكماش. وقد وصل معدل التضخّم في مجموعة السبعة الكبار بعد سنين من الهبوط إلى معدل وسطي عند 0.8% بحلول العام الجاري، وذلك قياساً بأدنى مستوى عند 0.35% في مايو من العام ذاته.

كما هبطت أرباح السندات السيادية العالمية (شاملة كافة السندات التي بلغت حد الاستحقاق) إلى مستوى القاع عند 0.6% مطلع الصيف الماضي، غير أنها عادت للصعود مجدداً الآن، ومن المفترض بها أن تبلغ متوسطاً عند 1.5% خلال بداية 2017، رغم أن هذا المستوى يعتبر منخفضاً للغاية وفقاً للمعايير التاريخية. وأخيراً بدأت أسعار النفط بالارتفاع على خلفية الاتفاق الذي توصل إليه أعضاء ’أوبك‘ في الآونة الأخيرة، ولو أنّه من المستبعد أن تلتزم به كافة الدول الأعضاء بشكل كامل، فالتاريخ يعلّمنا بأن هذه الدول لطالما أنتجت أكثر من أهدافها المرصودة، ولاسيما خلال الفترة الممتدة بين 2000 إلى 2007.

بشكل عام يعكس الواقع الاقتصادي الجديد عودة الظروف الاقتصادية إلى حالتها الطبيعية مجدداً، حيث كانت أسعار الفائدة السلبية تمثّل حالة غير عادية، وكانت ناجمة مباشرة عن السياسات النقدية المريحة للغاية التي اعتمدتها البنوك المركزية. وبالمقابل، كان سعر النفط- المتراوح ضمن مجال 40 دولار للبرميل- بمثابة حالة “طبيعية” أكثر عند النظر إلى متوسط أسعار النفط بين 1862 و2016، والذي يبلغ 34.20 دولار للبرميل. ومن هذا المنطلق، فإن الواقع غير العادي لا يتمثّل كثيراً بما شهدناه خلال الفترة الأخيرة، وإنما يتعلّق بالفترة التي امتدت بين ما قبل إلى أواسط العام 2014، حيث كان سعر البرميل يفوق 100 دولار أمريكي.

الخبر السيء الأول….
الخبر السيء الأول لعام 2017 هو أن الاقتصاد العالمي سيبقى عالقاً في حالة من النمو البطيء لفترة أطول، ونشير مجدداً إلى أن النمو سيكون دون متوسط المستوى الذي سبق الأزمة المالية في 2007-2008؛ حيث نشهد منذ العام 2011 تراجعاً متواصلاً لدور التجارة العالمية في الناتج المحلي الإجمالي للعالم (ومن المتوقع أن تبلغ مساهمتها 22% عن 2016، قياساً بالقمة عند 25% في 2008)، وهو ما يُعتبر بادرة تعكس تباطؤ النمو على المدى الطويل، والذي نلاحظ استمراره منذ الأزمة المالية العالمية.
وعلى العموم تعاني أهم محركات الاقتصاد العالمي (الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا) من مرحلة من التباطؤ حالياً، غير أنّه من المستبعد أن نشهد أزمة جديدة خلال العام القادم، لاسيما عند أخذ الدورات الاقتصادية ودورات عالم الأعمال في عين الاعتبار. ومن المفترض أن تؤدي جهود الولايات المتحدة المتواصلة لتطبيع أسعار الفائدة (والتي بدأت في ديسمبر 2015) إلى تأثير هامشي على الاقتصاد، ولكن من الصعب تخيّل أن الشركات والعائلات ستغيّر سلوكها كنتيجة لارتفاع بمقدار نصف نقطة أو ثلاثة أرباع نقطة في أسعار الفائدة على المدى القصير. وحتى إن وصلت أسعار الفائدة إلى 1.5-2% بحلول نهاية 2017، فإنها ستبقى في مستويات متدنية بحسب المعايير التاريخية، سواء بشكل مطلق أو بالنسبة إلى التضخم، ولكن لا يمكن استبعاد احتمال أن يتبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منهجية أكثر تشدداً مما هو متوقع بهدف موازنة التأثير الاقتصادي للدَفعة المالية التي قرر الرئيس المنتخب ترامب تنفيذها، ففي هذه الحالة على السوق أن تتأقلم بسرعة مع هذا التغيّر في النزعة العامة.

وبالنسبة للصين، فإن نظرتنا ما زالت إيجابية، إذ نتوقع أن تتراوح معدلات النمو خلال العام القادم بين 6- 6.2%، وتقوم نظرتنا المتفائلة هذه على ثلاثة أسس: 1) الإقبال المتسارع على استخدام التقنيات الحديثة في عمليات الإنتاج، مما سيعزز الإنتاجية، 2) النمو الدائم لمساهمة قطاع الخدمات في الناتج الإجمالي المحلي (40% في 2005 مقابل أكثر من 50% في 2016)، 3) اعتماد الحكومة لسياسة نقدية أكثر رشداً وفعالية. وفي هذا الإطار يمكننا أن نذكر أيضاً تحسين منهجية إدارة مخزونات العملة الأجنبية بما أنها هبطت بمقدار -5.5% فقط في 2016 مقارنة بهبوطها بمقدار -16% في 2015، وذلك إلى جانب التوقعات (التي لا نزال في انتظار تأكيدها) باستقرار سعر صرف اليوان الصيني أمام الدولار الأمريكي عند 7.00 خلال العام القادم.

أمّا أوروبا، فستبقى الخاسر الحقيقي بما أن القارة لم تشهد بعد تعافياً اقتصادياً حقيقياً (باستثناء المملكة المتحدة). ومن المتوقع أن يصل معدل النمو في منطقة اليورو إلى 1.3% خلال 2017، بالمقارنة مع 1.6% خلال العام الجاري (مع الأخذ بعين الاعتبار أن النمو في الربع الأخير سيكون مطابقاً للنمو في الربع الثالث)، و2% في 2015. وفي حال تأكيد التوقعات حيال عام 2017، فإنّ ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة الضغوط على البنك المركزي الأوروبي كي يتخذ إجراءات إضافية خلال السنة، لاسيما وأن أهم ملامح المشهد الحالية تتمثل في المخاطر السياسية التي تعصف بشتى أنحاء القارّة، والمرتبطة بالانتخابات القريبة في هولندا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن بدء تنفيذ المادة 50 في المملكة المتحدة. كما أن المستثمرين الذين تفاجؤوا بنتائج البريكست والانتخابات الرئاسية الأمريكية بدؤوا يتأقلمون مع الواقع الجديد، وتأتي ردة فعل الأسواق المالية على نتائج التصويت الدستوري الإيطالي بمثابة خير دليل يؤكد بأن المستثمرين أصبحوا أكثر قدرة على مقاومة المخاطر السياسية في الأسواق النامية قياساً بما كان الحال عليه قبل عدّة أشهر. لذا سيكون من المعقول افتراض أن المضاعفات الاقتصادية والمالية للأحداث السياسية القادمة ستكون منخفضة (أو على الأقل يمكن التعامل معها بنجاح). وحتى بولندا من المتوقع لها أن تسجّل تحسناً في الأوضاع المالية رغم كونها شهدت ارتفاعاً كبيراً في توزيع مخصصات المخاطر خلال 2016 نتيجة الإجراءات الاقتصادية غير الاعتيادية التي اتخذها حزب القانون والعدالة (في تطور غير مسبوق منذ عام 2002، يعتبر توزيع مخصصات المخاطر في بولندا أعلى من نظيره في هنغاريا).
الخبر السيء الثاني
يتمثّل الخبر السيء الثاني في تنامي قوة الدولار نتيجة سياسات تطبيع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وعملية إعادة التدوير التي تجريها الدول النامية على فائضها من الدولار الأمريكي في السوق الأمريكية؛ حيث يعتبر ازدياد قوة الدولار أبرز عوامل القلق بالنسبة للمستثمرين وصانعي القرار، لأنّه يعني بأن النمو الاقتصادي العالمي في طريقه نحو مزيد من التباطؤ.

وأشارت دراسة صادرة عن الوزارة البريطانية للأعمال والابتكار والمهارات (BIS) في نوفمبر 2016 إلى أن ” كل ارتفاع للدولار بمعدل نقطة مئوية واحدة (في المجمل) سيؤدي إلى هبوط بمقدار 49 نقطة أساس في معدل نمو الإقراض المصرفي العابر للحدود المحتسب بالدولار”.

ومن الواضح بأن الدول الناشئة ستعاني أكثر من غيرها، لاسيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي، إذ ستكون عرضة لمستوى عالٍ من المخاطر السياسية، وهذا سيكون حال تركيا على وجه الخصوص، وذلك لأن نظامها المالي يعتمد بشكل كبير على التمويل بالدولار بحكم انخفاض مخزوناتها من العملة الأجنبية والوفورات المحلية، وارتفاع مديونيتها الخارجية من الناحية الأخرى. كما أن الليرة التركية قد تتعرّض لمزيد من التقلبات خلال العام القادم كنتيجة للمخاطر المترتبة على قرار الحكومة الإمساك بزمام السياسات النقدية.

علاوة على ذلك، فإن المشاكل التركية ستتفاقم إثر تبعات محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي ما زالت تؤثر سلباً على استقرار المؤسسات الديمقراطية والمعنويات الاقتصادية بشكل عام. وعلى العموم تدفع الحالة التركية إلى التساؤل عن التكلفة الاقتصادية الباهظة التي تتكبدها العديد من الدول التي تعتمد على التعاملات المحتسبة بالدولار الأمريكي (وباليورو إلى حد ما).

وتتسم هذه المنظومة بعدم استدامتها في عالم يحكمه دولار قوي، فقد تؤدي هذه المخاطر إلى انهيار العديد من عملات الأسواق الناشئة كما كان الحال في يونيو الماضي عندما قررت نيجيريا إلغاء ربط عملتها بالدولار الأمريكي، وعندما قامت مصر في نوفمبر الماضي بالحركة ذاتها بناءً على نصيحة من صندوق النقد الدولي، مما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه المصري بنحو 100%.
وثمة قاعدة أساسية في علم الاقتصاد، وهي أن العملة المحلية ستكون ضعيفة في حال كانت المؤسسات السياسية والمنظومة الاقتصادية للدولة ضعيفة أصلاً، لذا يجب على الدول التي تندرج ضمن هذه الفئة أن تستغني عن ربط عملتها بالدولار الأمريكي (إن كانت عملتها مربوطة)، وذلك كي تتمكن من إجراء إصلاحات مالية حقيقية؛ حيث سيكون بإمكانها إما اعتماد أسعار صرف متغيّرة أو تأسيس مجلس للعملة (والذي تكمن إحدى أهم مزاياه الفورية في تعزيز مصداقية السياسة النقدية)، أو اعتماد نظام هجين عبر تثبيت سعر صرف العملة بناءً على سلة من الدولار الأمريكي وأسعار النفط (في البلدان المصدرة للنفط). ويعتبر هذا الحل الثاني ملائماً جداً في هذا الوقت لفنزويلا التي قد تجد نفسها في حالة عجز قبل نهاية العام القادم إذا لم تتلقى باقة مالية جديدة من الصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock