تم النشر في الأثنين 2016-02-29
خلاف على أن تمويل الباحث عن تملك مسكنه يعد أحد الحلول اللازمة، لكنه حل له حدوده القصوى! التي لا يجب السماح بتجاوزها مهما كانت المبررات، تلك الحدود التي متى تجاوزتها الأجهزة المعنية، فإنها تكون قد فتحت مخاطر كبيرة على مقدرات الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، لن يكون في إمكان أي بلد مهما كانت إمكاناته الوقوف في وجهها.
من تلك الحدود اللازم عدم تجاوزها: (1) ألا يتجاوز استقطاع أقساط سداد أي قروض مهما كان نوعها استهلاكية أو عقارية نسبة 30 في المائة من صافي راتب العامل، كل ذلك بهدف الإبقاء على جزء كاف للمقترض من دخله الشهري، يمكنه من الإنفاق على متطلباته المعيشية، ويؤهله للادخار لمقابلة أعبائه المعيشية مستقبلا، التي ستكون نفقاتها أكبر بكثير مما يتعايش معه في الوقت الراهن. (2) ألا يتم كشف القطاع التمويلي على مخاطر أكبر لتعثر سداد الأفراد أو الشركات على حد سواء، وهو القطاع الاقتصادي المالي الحيوي الذي يمثل حماية استقراره، وعدم تعرضه لأزمات من هذا النوع، أهم أسباب توطيد الاستقرار الاقتصادي المالي في البلاد. وفي حال اقتصاد ما زال يعتمد بصورة كبيرة حتى اليوم على مورد وحيد للدخل “النفط”، ترتفع درجة تلك المخاطر إلى مستويات أعلى مقارنة بغيرها من الاقتصادات ذات القاعدة الإنتاجية المتنوعة، حيث ستمتد الآثار السلبية للقطاع التمويلي إلى نشاطات الاقتصاد الوطني كافة دون استثناء، بدءا من انكشاف المؤسسات التمويلية، وتضرر العملة المحلية مقابل بقية العملات، عدا ما ستخلفه تلك الآثار الاقتصادية والمالية السلبية وغيرها مما لم يتم ذكره هنا على بقية الجوانب وأشكال الحياة كافة.
لقد تبينت لنا جميعا أسباب الأزمة الإسكانية، وبدأت حلولها الحقيقية في التحقق على أرض الواقع، بدءا من إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء الذي سيبدأ تطبيقه في منظور الأشهر الثلاثة المقبلة، من أهم وأول نتائج تطبيقه خفض الأسعار المبالغ فيها التي وصلت إليها الأراضي والعقارات، فلماذا يذهب البعض من الأجهزة الحكومية في طريق مخالف تماما لهذا التوجه؟ وهل يراد بالإفراط في تسهيل الاقتراض استباقا لتلك التوجهات عدم خفض الأسعار المتضخمة؟ ألا يعلم من يعمل على زيادة تلك القروض بالصورة المفرطة على كاهل الأفراد التي نحذر منها جميعا، أنها في حقيقتها عقاب لضحايا التضخم غير المبرر للأسعار؟ وأنها منعا عمليا بالكامل لاستفادة أفراد المجتمع وأسرهم من ثمار تطبيق نظام الرسوم على الأراضي؟ وأنها أيضا حماية غير مستحقة لمن تسبب دون أي مبرر لتضخم أسعار الأراضي والعقارات، ومنعا يبعث الكثير من القلق لتحمل أولئك المتسببين في افتعال أزمة الإسكان من تكلفة ما تسببوا فيه، يصل بكل أسف إلى درجة تحميل ضحاياهم كامل فاتورة تلك التكلفة.
إن تفعيل العمل بسياسات وبرامج هي في الأصل متضاربة التوجهات، من أقل آثاره الوخيمة أن يتفاقم حجم الأزمة التنموية التي هي بصددها، وهنا قياسا على حجم أزمة الإسكان المحلية بما آلت إليه من تعقيد شديد استعصى على الجميع حلها حتى تاريخه، فلا شك أن تعمقها أكثر مما وصلت إليه نتيجة لذلك التضارب في سياسات وبرامج الحلول، ستكون أحماله مستقبلا أشد وطأة على كاهل الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وسيحمل معه سلبيات كثيرة، بل قد لا تجدي الحلول المتوافرة بأيدينا في الوقت الراهن عند ذلك التاريخ، وهي الحلول الأقل تكلفة والأكثر فائدة وفق معطيات الفترة الراهنة، لكنها لن تظل كذلك مستقبلا إذا ما كبرت الأزمة التنموية الراهنة، ولا يعلم وفقا لأرقام اليوم أي موارد وسياسات سنكون بحاجة إليها مستقبلا، لأجل مواجهة الأزمة، أو ما ستسببه مستقبلا من افتعال أزمات أخرى، وهل ستتوافر لدينا الموارد الكافية لمواجهة تلك الآثار السلبية المحتملة، التي لا أحد يتمنى حدوث حتى 1 في المائة منها.
إن على الأجهزة المعنية بأزمة الإسكان المحلية، أن تتقيد بمنظومة عمل تتوافق مع أهداف نظام الرسوم على الأراضي، وأن تفصح بوضوح تام عن سياساتها وأهدافها، التي يجب أن تنتهي في مجملها للوصول إلى الأهداف ذاتها التي نص عليها نظام الرسوم على الأراضي، وهو خفض الأسعار المتضخمة في السوق العقارية، وأن أية حلول أو برامج قد تؤدي إلى التقليل من احتمالات تحقق هذا الهدف السامي على أرض الواقع، أنه في الحقيقة مخالفة صريحة لتوجهات النظام. وبناء عليه؛ يجب على كل طرف من تلك الأجهزة ذات العلاقة، أن تلتزم تماما بحدود الرؤية التي استلهمها المشرع لنظام الرسوم على الأراضي، وألا يرتكب أي نوع من المخالفات مهما صغر حجمه لتلك الرؤية. والله ولي التوفيق.
نقلاً عن الاقتصادية