معهد المحاسبين : اقتصادات الشرق الأوسط أمام نقطة تحوّل في 2018
تم النشر في الأثنين 2018-02-26
مثّل العام 2018 نقطة تحــوّل هامة بالنسبة إلى اقتصادات الشرق الأوسط، إذ تبدو في الأفق ملامح التعافي لكل من الدول المصدّرة والمستوردة للنفط على حد سواء. ويتوقع معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز ICAEW، في أحدث تقرير له بعنوان رؤى اقتصادية: الشرق الأوسط للربع الأول 2018، أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لدول الشرق الأوسط بنسبة 2.9% هذا العام، مرتفعاً من 1.1% في 2017. إلا أن المؤسسة المتخصصة في المحاسبة والتمويل ترى بإن البيئة السياسية تبقى صعبة، وتستمر في فرض بعض المخاطر على ركائز النمو الرئيسية.
ويوضّح تقرير رؤى اقتصادية: الشرق الأوسط للربع الأول 2018، الذي تم إعداده من قبل “أكسفورد إيكونوميكس” – شريك معهد المحاسبين القانونيين ICAEW والمتخصّص في التوقعات الاقتصادية، أن الآفاق الاقتصادية للمنطقة تتسم بالإيجابية هذا العام وفي 2019، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط التي تصل حسب التوقعات إلى 67 دولار أميركي للبرميل هذه السنة، فضلاً عن السياسة المالية التوسعية، والتحسينات النسبية عموماً في الأوضاع الأمنية.
ومن المتوقع أن يتعافى الزخم الاقتصادي في الدول المصدّرة للنفط، مدعوماً بعاملين رئيسيين، ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي. وبشكل عام، من المتوقع لإجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي أن ينمو إلى 2.4% هذه السنة، مرتفعاً من 0.1% العام الماضي. وفي 2019، حيث ينتهي اتفاق أوبك بشأن خفض الإنتاج، من المتوقع لنمو إجمالي الناتج المحلي أن يتسارع بوتيرة متزايدة في الدول المصدّرة للنفط.
وتبدو الآفاق الاقتصادية للدول المستوردة للنفط إيجابية أيضاً. ففي لبنان، من المتوقع لإجمالي الناتج المحلي أن يتسارع إلى 2.7% في 2018مقابل 1.8% تقديرياً في 2017، مدعوماً باستثمارات البنية التحتية العامة، وانتعاش الحركة التجارية والسياحة. أما في الأردن، تترقّب المملكة نمواً هامشياً لإجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.5% هذا العام، مرتفعاً من 2.3% في 2017، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تحسن الطلب الخارجي، والنظرة الإيجابية لشركائها التجاريين الرئيسيين.
ويقول محمد باردستاني، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW، والخبير الاقتصادي الأول للشرق الأوسط في مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”: “تتعافى اقتصادات الشرق الأوسط من السنوات الصعبة التي مرّت عليها بسبب أسعار النفط المنخفضة وتدابير التقشّف العديدة، والمخاطر الجيوسياسية. لكن هناك حاجة لمزيد من الإصلاحات لمعالجة المعضلات الرئيسية التي عانت منها الكثير من بلدان المنطقة لفترة طويلة، بما في ذلك الحد من معدلات البطالة المرتفعة، وتعزيز المنافسة النزيهة، وتحسين التشريعات، والاستثمار في المواهب، وترسيخ الحقوق القانونية للمرأة”.
السعودية وعهد جديد
تمر المملكة العربية السعودية بتغيرات اقتصادية واجتماعية أساسية مختلفة؛ فللمرة الأولى، سيدفع المواطنون السعوديون ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 5% على السلع والخدمات، كما أن حملة مكافحة الفساد واسعة النطاق أسفرت عن استرداد الحكومة السعودية لأكثر من 100 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن تفتتح دور السينما أبوابها قريباً في مارس، في حين سيُسمح للنساء السعوديات بالقيادة ابتداءً من شهر يونيو هذا العام.
ومن المتوقع أن ينتعش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي ليسجّل نمواً بنسبة 2% في 2018، بعد انكماشه بنسبة 0.7% العام الماضي، مدعوماً بالسياسة المالية التوسعية وتعافي أسعار النفط. وقد تراجع قطاع النفط بنسبة 3.0% في 2017، ويُعزى ذلك أساساً إلى اتفاق أوبك الذي دفع بالمملكة العربية السعودية إلى خفض إمداداتها النفطية بنحو 0.5 مليون برميل في اليوم. وسيؤدي تمديد صفقة أوبك لنهاية 2018 إلى الحد من نمو قطاع النفط، وذلك بنسبة 1.1% هذا العام في ضوء التوقعات، لكن تعافي أسعار النفط، وبدء العمليات التشغيلية في مصفاة جازان هذه السنة سيُحسن بوجه عام من الآفاق المستقبلية.
ومن المتوقع كذلك للقطاع غير النفطي أن ينمو بنسبة 2.6% في 2018، وذلك بدعم من المبادرات الحكومية المحفّزة للنمو. وكانت الحكومة السعودية قد كشفت عن خطة الإنفاق الأضخم على الإطلاق في تاريخ موازنتها العامة، بما في ذلك زيادة قدرها 14% على أساس سنوي في النفقات الرأسمالية. وسوف تُستكمل ميزانية الإنفاق أيضاً بإطلاق أموال حكومية تصل إلى 50 مليار ريال سعودي من صندوق التنمية الوطني، وحتى 83 مليار ريال سعودي من صندوق الاستثمارات العامة.
ويقول مايكل آرمسترونغ، المحاسب القانوني المعتمد والمدير الإقليمي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا: “تبدو الآفاق الاقتصادية للمملكة العربية السعودية بصورة إيجابية بفضل الإصلاحات وزيادة أسعار النفط. ولكن، لا تزال هناك تحديات عديدة تتمثّل في ارتفاع تكاليف المعيشة للأسر، وارتفاع التكاليف الإنتاجية العامة للشركات. ومن شأن التدابير المضادة المستدامة والفعالة أن تخفف من الآثار العكسية”.
وسيتأثر إنفاق الأسر بسبب ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 5%، وارتفاع تكاليف المعيشة، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين التي تم تطبيقها في يناير. ومن المتوقع أن يصل التضخم إلى 4% هذه السنة، مرتفعاً من -0.3% في 2017. وبالنسبة إلى الشركات، فإن الرسوم المفروضة على العمالة الوافدة، وارتفاع التكاليف الإنتاجية العامة، تضع أيضاً تحديات إضافية. أما على صعيد السياسة النقدية، فمن المتوقع لارتفاع أسعار الفائدة لثلات مرات في الولايات المتحدة هذا العام، أن يُترجم إلى ارتفاع أسعار الفائدة في المملكة العربية السعودية نظراً لارتباط عملتها بالدولار الأميركي، مما يزيد من تكلفة الاقتراض للشركات والمستهلكين على حد سواء.
مرحلة حاسمة لسلطنة عُمان
تبدو النظرة المستقبلية لاقتصاد عُمان أكثر إشراقاً، حيث يأتي الدعم الرئيسي من ارتفاع أسعار النفط وزيادة إنتاج الغاز، الأمر الذي سيعزز من دخل القطاعين الحكومي والخاص، ويزيد من مؤشرات الثقة. وتواصل السلطنة جهودها للتنويع الاقتصادي عبر برنامج “تنفيذ”، لكن الاقتصاد لا يزال يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، التي تشكل 70% من الموازنة العامة.
ونتيجة لذلك، يبقى الوضع المالي بمثابة نقطة ضعف رئيسية – فقد تراجعت الحكومة عن تقديرات عجز الموازنة للسنة الثانية على التوالي في2017، لكن ارتفاع أسعار النفط يدعم مزيداً من التوسع في 2018، بالرغم من تأخر تطبيق ضريبة القيمة المضافة حتى 2019. وبوجه عام، من المتوقع أن يصل إجمالي الناتج المحلي لسلطنة عُمان إلى 3.6% هذه السنة، مرتفعاً من 0.2% فقط في 2017.
وتقول مايا سينوسي، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW، والخبير الاقتصادي الأول لسلطنة عُمان في مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”: “تتسم الآفاق الاقتصادية لسلطنة عُمان بأنها إيجابية على المدى القريب، لكن هناك حاجة لبذل مزيد من الجهود من أجل بناء منظومة مستدامة للاقتصاد. ويزخر القطاع غير النفطي في السلطنة بفرص حقيقية واعدة، لا سيما في القطاع السياحي. لكن عدم وجود خطة واضحة لانتقال الحكم يعتبر أمراً مقلقاً”.
ويُحذّر التقرير أيضاً من معدلات البطالة المرتفعة التي تبلغ حالياً 17% تقريباً (الأعلى في المنطقة). ويتوجب على الحكومة العُمانية أن تعالج الدوافع الكامنة وراء البطالة، وخاصة بين شريحة الشباب، حيث لا يزال عدم تطابق المهارات يشكّل عائقاً كبيراً.
ومن المتوقع أن تظل قدرة الإنفاق للأسر مقيّدة نوعاً ما، لا سيما بالنسبة إلى ذوي الدخل المنخفض. كما أن زيادرة أسعار البنزين بعد إلغاء الدعم، واعتماد الرسوم الضريبية الوشيكة سوف تفرض ضغوطات على القدرة الشرائية في 2018 مع ارتفاع التضخم.