تم النشر في الأحد 2016-03-13
تلقيت اتصالا هاتفيا من مصرفي مرموق ليتحدث بإنسانية وخوف من مأزق بعض المستهلكين بسبب انغماسهم في مستوى معيشي أعلى من قدراتهم المالية والانضباطية، لأن تورط هؤلاء يؤثر فينا جميعا. هناك هجمة مجتمعية على القروض الرسمية وغير الرسمية خاصة الاقتراض عن طريق شراء السيارات الصوري واقتناء البطاقات المكلفة وتبعات يقظة “سما”. أغلب الكتابات الاقتصادية وأنا أحدهم تصب في ملاحقة الصورة الكبيرة وجزئيتها التي عادة لا تلامس معاناة جزء مهم من العامة. المسافة بين معاناة هؤلاء وجزئيات الاقتصاد الكلي كبيرة، خاصة أن هناك درجة من الاستغلال والاستغفال وقلة الوعي المالي ومحدودية دقة الأجهزة الرقابية أحيانا. هذه المعاناة وضعتني أمام تحد فكري على الرغم من تبعاتها الإنسانية التي ألمس الكثير منها لدى عدد ليس قليلا. لن أتعرض للإنسانية أو العمل الخيري هنا لأنه في الآخر شخصي و لكل منا طريق. ما أثارني هو التعامل مع التداعيات التنظيمية والسلوكية حتى الفكرية.
جاءت هذه المكالمة في وقت مناسب، إذ قبلها بعدة أيام كنت في ندوة اقتصادية وتحدث ألماني يعمل لدى شركة سعودية كبيرة خاصة وذكر بالدقة المعهودة عن الألمان أن إحدى إشكاليات سوق العمل السعودية أن الرواتب عالية مقارنة حتى في أوروبا الغربية “يتحدث عن الغالبية المماثلة في الترتيب الإداري وليس أعلى الهرم”، كما ذكر أنه يتحدث عن رواتب الوافدين (دون مهارات ظاهرة أو تعليم مميز) والسعوديين في الشركة. يقابل ذلك ما ذكر المصرفي أنه في ظل بيئة الاستهلاك الضاغطة أن حتى راتب 15 ألفا ممكن أن يصنف أنه فقير. بينما ذكر الألماني أن راتبا نحو ألفين و600 يورو طبيعي، وهذا يعادل نحو 11 ألف ريال، بينما. دخل العائلة الوسيطة (ليس المتوسط) في أمريكا يعادل نحو 18 ألف ريال قبل الضرائب، أي أن الدخول متشابهة، طبعا هناك عدد كبير أقل من هذا ولكن هناك أيضا دعما مؤثرا وليس هناك ضرائب لدينا. الإشكالية أنه مقابل هذا المستوى من الدخل أن الإنتاجية لدينا أقل بكثير، عدا أن طريقة توزيع الدعم لا تخدم الحث المؤسساتي الجمعي على رفع إنتاجية الفرد وفعالية الاقتصاد ككل.
تصطدم المعاناة الإنسانية مع متطلبات الإنتاجية من ناحية أعمق ورحى قوة الحياة الاستهلاكية من ناحية أخرى، “للإنتاجية دور ليس في الوعي فقط ولكن أيضا في التنظيم”. اقتصاد اليوم استهلاكي الطابع وتزيد علينا بسبب القفزة من اقتصاد طبيعي ولكنه ليس معقدا إلى اقتصاد استهلاكي من الدرجة الأولى ولذلك يعاني الكثير من التكيف. فالغالبية لدينا لا تختلف عن مثيلاتها في الغرب من حيث الوعي المالي أو في استسلامها للضغوط المعلوماتية وضغط الأقران في الاستهلاك. أحد أطراف الإشكالية أن هناك نظاما ماليا غير رسمي يتسم بالجشع واستغلال الأقل حظا في المجتمع. الكل يريد الطلبات نفسها، فبعد أن يلجأ إلى الاقتراض الرسمي الأقل تكلفة يتجه إلى الأعلى تكلفة من خلال شراء سيارات وهمي، فبعد أن كان يدفع 6 في المائة حسنت مؤسسة النقد قليلا المراقبة على تسعير وتسويق القروض، تجده يدفع أحيانا 40 في المائة في غياب لافت عن الرقابة. بعد أن يدخل هذه الدائرة لا يستطيع الخروج منها ويبدأ يكون شخصا مختلفا اعتباريا من خلال تسليط دائرة الائتمان عليه في عجزه المالي وعصا “سما” إن ارتقى إلى أي تعامل رسمي.
يصعب أن نأخذ بحرية السوق ثم نطالب المؤسسات الخاصة أو المستهلك أن يتصرف بطريقة مثالية. الحل لا يخرج عن سقف الحاجة إلى رفع درجة الوعي والمسؤولية الشخصية من خلال الانضباط والعمل المنظم ماليا، ولكن هذا لا يكفي. فمثلا تكاثر البطاقات وتسويقها يشجع على أنماط استهلاكية تضر بالناس خاصة أن القروض المترتبة عليها من أعلى القروض. إشكالية القروض غير الرسمية تتطلب حلا نوعيا، فمثلا علينا توفير الحماية النظامية لمن يقترض وتشجيعهم على التقدم إلى القضاء لرفع التكلفة على الذي يقرضهم حتى يتوقف. فمن يحتاج إلى قرض بهذه الأسعار إما فاقد للسيطرة أو في حاجة ماسة تتطلب مساعدة وليس قرضا.
* نقلا عن صحيفة ” الاقتصادية “