عدد أيام العمل في أسبوع
تم النشر في الأربعاء 2020-01-15
عبد الله بن بخيت
اقترحت رئيسة وزراء فنلندا تخفيض عدد أيام العمل في بلادها من خمسة أيام في الأسبوع إلى أربعة أيام مخالفة ما اعتاد عليه البشر منذ سنين. الناس خلقوا للعيش سعداء ولم يخلقوا للعمل المستمر. كان العمل في الماضي في المملكة ستة أيام في الأسبوع وخفض إلى خمسة أيام. لا أظن أن الإنتاجية انخفضت. هدف العمل في الواقع تحقيق دخل يسعد به العامل. قلة أيام العمل سوف تسمح للناس الاتصال بالعائلة والأصدقاء والمرح والثقافة، وهذا ما يجعل الإنسان سعيداً ثم منتجاً. لا أظن أن رئيسة وزراء فنلندا تقدح من رأسها. يقف وراء هذا الاقتراح دراسات وإحصائيات ووجهات نظر معتبرة.
الدول الإسكندنافية تقع بين الرأسمالية وبين الاشتراكية. أنظمة هذه الدول لم تعد تقوم على النظرة الإمبريالية التوسعية. ليس من ثقافتهم التضخم والتوسع وجمع الثروات والتسابق على فتح الأسواق. أساس التنمية في هذه البلاد يقوم على رفاهية المواطن لا ثراء الدولة. تثير أميركا إعجابناً بتقدمها ويدهشنا أن أغنى أغنياء العالم أميركان. عندما نتحدث عن أميركا نتحدث عن الثراء والقوة والحضور العالمي والدولار والشركات العابرة للجنسية، ولكننا ننسى القضية الأساسية الإنسان. لا ندرك أن ساعات العمل في أميركا والدول الرأسمالية الأخرى لا تسمح للإنسان إن يرتاح إلا بعد فوات الأوان. عندما يبلغ من العمر عتياً. عندما تصبح الحياة مكابدة مع المرض والضعف وانتظار القدر. تتراكم ثروات الأمة على حساب سعادة الفرد نفسه.
قوة حضور الدول الرأسمالية مضاف إليها رؤيتنا الإمبريالية للعالم توجه أهدافنا وطموحاتنا في اتجاه المنافسة على حساب الحياة.
الدول الإسكندنافية تختلف نظرتها للحياة. تقدم أنظمتها ضمانات كاملة لكل مواطن بل كل من يعيش على أرضها من غير مواطنيها. من صحة وأمن وتعليم مميز وضمان اجتماعي للجميع منذ الطفولة حتى الساعات الأخيرة. عندما تتابع الأخبار العالمية لا تجد هذه الدول تتصدر قائمة الأثرياء أو الشركات العملاقة العابرة للجنسية، ولا حتى الفرق الرياضية المتصدرة. نظم الدول الإسكندنافية صمم لخدمة الإنسان لا الجماعة.
ليس غريباً أن تأتي فكرة تخفيض عدد أيام العمل في الأسبوع من حكومة فنلندا. ربما طرحت فكرة تخفيض أيام العمل في الأسبوع في أماكن أخرى من العالم في صورة نظريات أكاديمية، ولكن في الدول الإسكندنافية تطرح الاقتراحات الإنسانية على مستوى القيادات, أصحاب القرار. زعماء هذه الدول يتقدمون بمشروعات إنسانية لا مشروعات صراعات تغري بالتفوق والنصر على الآخرين.
عندما ثار الحديث عن التعليم قبل سنوات تصدر نظام التعليم في فنلندا قائمة الأنظمة التعليمية العالمية إثارة للإعجاب. بعد عدة سنوات سوف نسمع أن فنلندا تتصدر دول العالم إنتاجية، وعندما نسأل عن السبب سوف يكون الجواب لأنها خفضت عدد أيام العمل من خمسة أيام في الأسبوع إلى أربعة.
عن الزميلة الرياض