ستة توجهات تغيّر ملامح قطاع الإعلام
تم النشر في الثلاثاء 2021-08-31
يشهد الإعلام تغييرًا ملموسًا في شكله المعهود، حيث تزول الحواجز بين أنواع الوسائط الإعلامية ويتحول المستهلكون إلى صانعي محتوى بينما يدمج الترفيه بين التجارة والتقنية في آن واحد. وفي تلك الظروف، يتاح المحتوى بوفرة دائمة ومنسجمة عبر مختلف المنصات، ليحمل طابعًا شخصيًا يلبي ذائقة مختلف المستهلكين. وفيما يندمج العالم المادي بالوجود الافتراضي، تتغير أسس الترفيه دون أن يكون لدى قطاع الإعلام والترفيه خيار آخر، فالتغيير واقع مفروض نظرًا لارتفاع توقعات المستهلكين في ظل تطور التقنيات، والعدد الهائل من الجهات التي تتنافس على استقطاب المستهلكين والفوز بوقتهم واهتمامهم.
ساهمت جائحة كوفيد-19 في تسارع العديد من التوجهات التي نشأت خلال الأعوام الخمسة أو العشرة الماضية، بما في ذلك النمو الضخم في استهلاك محتوى الوسائط الرقمية وقدرة المستهلكين على الوصول إلى المحتوى في أي وقت ومن أي مكان. كما أن زيادة مشاركة المستهلكين والتطور التقني الهائل سيساهم في تسريع هذا النمو وسيدعم ستة تغيرات ضخمة في الإعلام والترفيه – يقوم بعضها على التوجهات الموجودة حاليًا فيما يبدو البعض الآخر ضربًا من الخيال العلمي، ولكنها جميعًا حقيقية بالفعل، وتساهم في إعادة رسم ملامح عالمنا.
- تقديم المحتوى بشكل كلي:
أدى ارتفاع سرعة التحميل إلى رفع المعايير وتوقعات المستخدمين الذين أصبحوا يريدون المحتوى كاملًا في أي وقت وأي مكان؛ فقد شهدت الأشهر الستة الأولى من جائحة كوفيد-10 نموًا يفوق 40% في استخدام الهواتف لبث ومشاهدة المحتوى، وهو أمر يدعو إلى التفكير – ففي الوقت الذي كان فيه الناس جالسين في منازلهم أمام شاشاتهم الضخمة، أصروا على مشاهدة مقاطع الفيديو والمحتوى على شاشات الهواتف الضئيلة التي يحملونها معهم طوال اليوم.
وإلى جانب طلب المحتوى الذي يرغبون به في المكان والزمان الذي يفضله المستهلكون، فإنهم يتوقعون كذلك وجود ترابط في المحتوى – وهنا يصبح الانسجام بين منصات الوسائط مهمًا للغاية، لتبدأ بالاندماج مع القطاعات الأخرى مثل التجزئة. ونعرض هنا ثلاثة جوانب لتقديم المحتوى بشكل كلي:
- الشعور الفوري بالرضا: فإذا أراد المستهلك الحصول على المحتوى الذي تقدمه، فلا بد من توفره في اللحظة ذاتها وعلى الجهاز الذي يحمله.
- المنصات الموحدة: يرتبط نجاح الملكية الفكرية بتشجيع تفاعل الجمهور بشكل منسجم عبر مختلف القنوات والصيغ.
- التوجه التجاري المباشر: يتزايد دمج تجارب التسوق في مختلف الوسائط تبعًا لرغبة المستهلكين الذين يريدون الحصول على ما يرغبون به بشكل فوري. وستنمو تجارب التسوق وتنتشر، وسنرى إعلانات تتيح التسوق عبر خدمات البث وبالتالي دمج محتوى التسوق في صلب الترفيه ذاته.
- وسائطي
يرتبط كل شيء بالمستهلك الفرد وبالمجتمعات المتخصصة التي ينتمي إليها، وسيكون بوسع الشركات التي تستعمل البيانات لإضفاء الطابع الشخصي على المحتوى وتخصيصه الفوز بقلب وعقل أولئك المستخدمين – وبنقودهم طبعًا. ليست تلك نقلة جديدة، ولكنها تتحول سريعًا إلى مطلب بديهي لدى المستهلكين، فيما تزداد التوجهات الضمنية فيها قوة.
- فريقي: يبني المستهلكون تفاعلهم الإعلامي بشكل يرتبط بهويتهم – وبخاصة في العالم الرقمي الذي تنشط فيه المجتمعات ذات الاهتمامات الدقيقة.
- دقة اختيار المحتوى: أدت الخوارزميات إلى إنجاح العديد من الخدمات التي أصبحت الآن في مصاف عمالقة الخدمات الرقمية (مثل نتفليكس وسبوتيفاي وتيك توك)، وسيساهم الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بتلك المزايا إلى مستوى أعلى من خلال خصائص متنوعة كالتوصيات المرتبطة بالحالة المزاجية، والتي تناسب المستخدم في وقت معين.
- ابتكار المحتوى بطابع شخصي: اختيار المحتوى بدقة أمر مهم، ولكن تزايد سمة التفاعل في الوسائط يجعل الجمهور راغبًا في الحصول على محتوى صمم خصيصًا من أجله.
- النطاق العالمي
من أبرز التوجهات التي تزامنت مع تزايد الترابط والاتصال في عالمنا، التركيز بشكل أكبر على هذا العالم. فقد ازداد المحتوى والتواصل العالمي وارتفع الطلب على أصالة محتوى وفهم التنوع في العالم الذي نعيش فيه. ويعني التواصل المتزايد في العالم القدرة على الوصول إلى جمهور ذي متطلبات دقيقة بمحتوى يحمل طابعًا محليًا – والقدرة على اعتبار الإعلام مسؤولًا عن التمثيل العالمي والمتنوع.
- الوصول من أي مكان: من أعظم مزايا الإنترنت قدرة الشبكة على إذابة الحدود العالمية، حيث يحصل المستهلكون على محتوى عالمي ويمكنهم الوصول إلى الموسيقى والبرامج عبر الثقافات والحدود بينما تتقارب أسواق الوسائط الإعلامية.
- المحتوى المدمج: تندمج الأساليب العالمية فيما بينها لتخلق تجارب جديدة تجمع مختلف الثقافات.
- مرآة إلى العالم: يرغب المستهلكون برؤية التنوع العالمي منعكسًا في الموسيقى التي يستمعون إليها ومقاطع الفيديو التي يشاهدونها.
- المنتجات الموجهة للمستهلكين
لا تعني المنتجات الرقمية أن الشركات الكبرى فقط هي من يقدم أفضل طريق توفير المحتوى، فالمجال متاح للجميع، حيث نرى صانعي المحتوى من الأفراد يستفيدون من الأدوات الاحترافية وسهولة التحميل ليقدموا كل ما يتعلق بشغفهم عبر منصات لم يستخدموها من قبل. كما أن المحتوى الذي يقدمونه يتمتع بالاستمرارية، حيث يمكنهم تحرير المحتوى ودمجه وإنتاجه ونشره عبر قنوات التواصل الاجتماعي ومشاهدته يتطور وينمو فيما يضع المنتجون الآخرون لمستهم عليه ليصبح جاذبًا لمزيد من المستهلكين.
- منصات ديمقراطية: إن كان هناك فئة ترغب في الوصول إليها، فهناك بالتأكيد منصة مناسبة لذلك مهما كان نوع المحتوى الذي تصنعه. فاهتمامات الجمهور واسعة للغاية، والمشاهدة تتجاوز المحتوى المنتج بشكل احترافي.
- اقتصاد قائم على الشغف: كما توجد طرق يصل فيها منتجو المحتوى إلى الجمهور، هناك وسائل لتحويل هذا الوصول إلى مبالغ مالية. فالمنصات التي تدعمها الإعلانات تندمج مع وسائط الإعلام التقليدية، بالإضافة إلى العديد من المصادر المالية المجدية كالرعاية الفردية والتعاون بالمنتجات، ومنصات التمويل.
- المحتوى الحي: يحذر الآباء والامهات أطفالهم من أن كل ما ينشرونه على الإنترنت يبقى إلى الأبد، وهم محقون في ذلك لأن المحتوى يستمر ويبقى بشكل غير ثابت. هناك العديد من الأشخاص الذين يقومون بتحرير المواد الأصلية وإعادة إنتاجها وتعديلها ونشرها ما يعني أن تتوزع الرقابة على العديد من صانعي المحتوى. كما أن الأدوات التي تتيح لهم ذلك تتحسن باستمرار وبالتزامن مع تطور المحتوى. وبالتالي فإن كبار المنتجين الذين يعتمدون تلك الطريقة سيتواصلون مع جمهور أكبر.
- مساحة العالم الافتراضي
عندما نسمع مصطلح “مساحة العالم الافتراضي” يتجه تفكيرنا إلى ألعاب الفيديو – ولكن الأمر يتجاوز ذلك بكثيرح ففكرة العيش في العالم الافتراضي تزايدت في ظل تقارب قطاعات التجارة والثقافة وألعاب تقمص الشخصيات في العالم الافتراضي. ومع تطور العوالم الافتراضية، أصبحت تتضمن الحفلات الموسيقية والتسوق والتجارب الأخرى التي كانت تعتبر تجارب مادية ملموسة في السابق، لتقدم تلك العوالم حياة بديلة للمستخدمين، بحيث تندمج فكرة البيئات الافتراضية البديلة في الحياة اليومية للجميع، وليس فقط من يمارسون ألعاب الفيديو.
- عالم ثانوي: في عالم ما وراء الكون الكلاسيكي، يحدد المستخدمون الرقميون سمات شخصية لصور تمثلهم ويمكنها أن تعيش وتتفاعل وتعبر عن ذاتها في عالم افتراضي. وستساهم الأدوات الرقمية المتقدمة في تحويل التجارب الحياتية إلى أحداث افتراضية ذات أثر ملموس.
- الرياضة الإلكترونية: تتحول تجارب الألعاب إلى جزء من واقعنا، حيث تكتسب بطولات ألعاب الفيديو مزيدًا من الأهمية في الفعاليات الرياضية مع تزايد الطابع الشخصي فيها. وستتناغم تجارب المشاهدة على أرض الواقع والتشجيع الفعلي مع تنافس اللاعبين في تجارب العالم الافتراضي.
- اقتصاديات عالمية: تعتمد الاقتصاديات الرقمية على المال الحقيقي، ويعتمد مطورو الألعاب على شراء اللوازم والمعدات الرقمية ضمن اللعبة. وستنمو هذه الإيرادات بالتزامن مع ازدياد الوقت الذي يقضيه الناس في العالم الافتراضي ومع اتساع نطاق قبول العملات المشفرة.
- ما وراء الواقع
توجد البيئات الافتراضية اليوم على الإنترنت، ولكنها بدأت تندمج في واقعنا المادي، حيث أصبح الواقع المعزز المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر تأثيرًا من الواقع الافتراضي على المدى القريب، وبالنظر إلى إمكانية الدمج بين الواقع المعزز وحياتنا اليومية. ولهذا فإن الموجة التالية المرتقبة من التطور التقني ستنطوي على توسع إمكانات التفاعل بين الإنسان والآلة واندماج التجارب على الشاشة مع العالم الملموس.
- بيئات يدعمها الذكاء الاصطناعي: تساهم التقنيات الذكية سريعة الاستجابة في تعزيز تفاعلاتنا اليومية عبر توقع احتياجاتنا ورغباتنا، فيما يترك الترفيه التفاعلي الغامر أثره الغني على جوانب حياتنا.
- التجمعات الافتراضية: أدت الجائحة إلى تسريع التواصل الرقمي بين المجتمعات ليصبح العالم الافتراضي أكثر شيوعًا من ذي قبل في ظل تحسن تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، مما سيجعل التواجد في المكان نفسه مع أشخاص في مدينة أو دولة أخرى أكثر سهولة وسلاسة.
- الواقع المختلط: سيزول الفصل بين حياتنا الرقمية والمادية فيما يتوسع تعريف الواقع ويزداد التفاعل الرقمي بشكل يتساوى مع التفاعل الشخصي.
الآثار:
تحدث بعض هذه التغيرات بوتيرة أسرع من غيرها، ومن الأمور التي تساعد في قياس سرعتها وقوتها الاستثمار في رأس المال المغامر – وهو لا ينطبق على الاستثمار في التقنيات القائمة ولكنه يظهر سرعة التقنيات في جذب اهتمام المستثمرين.
كما تستقطب التوجهات مثل مساحات العالم الافتراضي وما وراء الواقع استثمارات عديدة ولكنها ليست بالقدر ذاته – وهو أمر غير مفاجئ فهذه التوجهات لا تزال “قيد التطوير” وستكون شركات ألعاب الفيديو هي الأجدر بالاستثمار في المجال.
وتظهر بيانات الاستثمار أن تلك التغييرات الستة بدأت بالفعل، وسواء كنت تعمل في مديرًا تنفيذيًا في مجال الإعلام أو مستثمرًا أو مستهلكًا للمحتوى، فعليك التفكير بأثر كل ذلك عليك – إذ أن فهم دور هذه التغييرات في رسم ملامح السوق وفتح آفاق وفرص جديدة يسمح بتحقيق أفضلية تنافسية، بينما سيجد المتمسكون بالطرق التقليدية صعوبة كبيرة في مواكبة المستجدات.