دراسة جديدة: الدماغ البشري يتمتع بخاصية التصحيح التلقائي لمعالجة وتفسّر الأصوات الغامضة وغير المفهومة
تم النشر في الخميس 2018-08-23
كشفت دراسة بحثيّة أجراها فريق من العلماء والباحثين مؤخراً بأن الدماغ البشري يتمتع بخاصية “التصحيح التلقائي”، والتي يستخدمها لإعادة تقييم وتفسير الأصوات الغامضة وغير الواضحة. وتشير نتائج الدراسة، التي نشرتها مجلة “علم الأعصاب Journal of Neuroscience ” إلى الطرق الجديدة التي يعتمد عليها الدماغ البشري للاستفادة من المعلومات والسياق من أجل تبسيط عمليّة استيعاب وفهم الكلام.
وفي هذا السياق، قالت لورا جي ويليامز، المؤلفّة الرئيسية للدراسة والمرشحة لنيل درجة الدكتوراه في قسم علم النفس بجامعة نيويورك والباحثة في مختبر العلوم العصبية بجامعة نيويورك أبوظبي: “إن الأصوات التي يسمعها البشر لا تتطابق بالضرورة مع الإشارات الفعلية التي تصل إلى الأذن. وبحسب نتائج دراستنا، يرجع ذلك إلى أن الدماغ يُعيد تقييم تفسيرات أصوات الكلام عند لحظة وصول تلك الأصوات بالتتابع إليه، وذلك بهدف تحديث التفسيرات وإيضاحها حسب الحاجة. ومن اللافت للنظر أن حاسّة السمع لدينا يمكن أن تتأثر بظرف أو سياقٍ معيّن قد يحدث في غضون ثانية واحدة خلال وقت لاحق، وذلك دون أن يكون المستمع على علم بهذا الإدراك أو التصوّر المتغير“.
وبدوره، قال أليك مارانتز، باحث رئيسي في المشروع، وبروفسور في قسمي اللغويات وعلم النفس بجامعة نيويورك، والمدير المشارك لمختبر العلوم العصبية بجامعة نيويورك أبوظبي، والذي تم فيه إجراء الدراسة البحثية: “عند سماع صوت قد يبدو بالنسبة لنا مُبهماً أو غامضاً للوهلة الأولى- على سبيل المثال عند نطق الحرفين (b) و(p) في كلمة parakeet (ببغاء) أو barricade (حاجز)- فإن الدماغ قد لا يستطيع التمييز بين الحرفين بطريقة أو بأخرى اعتماداً على موقعهما في الكلمة. ويحدث ذلك دون أي إدراك أو وعي بحالة الالتباس أو الغموض تلك، رغم أن المعلومات التي تتلاشى منها صفة الغموض لا تصبح واضحة إلى حين لفظ منتصف المقطع الثالث من الكلمة”.
للحصول على أمثلة حول تلك المحفزات، يرجى زيارة الرابط التالي هنا:http://lauragwilliams.github.io/postdiction_stimuli.
وتعدّ هذه الدراسة البحثيّة الأولى من نوعها التي تكشف كيفية قيام الدماغ باستخدام المعلومات التي يجمعها بعد سماع الأصوات الأوليّة من أجل تبسيط عملية استيعاب وفهم الكلام؛ وقد شارك في هذه الدراسة كل من ديفيد بويبل، بروفسور علم النفس والعلوم العصبية؛ وتال لينزن، البروفسور المساعد في قسم العلوم المعرفية لدى جامعة جونز هوبكنز.
ومن المعروف أن إدراك أصوات الكلام يتم بالاعتماد على السياق المحيط، وهو ما يُفسّر شكل كلماتٍ وجمل وعبارات وغيرها من الأصوات. وفي كثيرٍ من الحالات، يمكن سماع أو تمييز هذه المعلومات السياقية في وقت لاحق من رصد ومعالجة المدخلات الحسية الأولية.
وعادةً ما تحدث هذه الأمور في الحياة اليومية؛ فحينما يتحدث البشر، فغالباً ما يكون الكلام الفعلي الذي ننطقه غامضاً أو غير واضح. على سبيل المثال، عندما تقول أحدهم بأن سيارته قد تعرّضت إلى ’صدمة خفيفة‘ (وتعني بالإنجليزية dent)، قد يتخيّل المستمع للوهلة الأولى بأنه سمع كلمة ’خيمة‘ (Tent بالإنجليزية). ورغم أن هذا النوع من الغموض يحدث بصورة متكررة، ولكننا كمستمعين بالكاد ندرك حدوث ذلك اللغط.
وتضيف جي ويليامز: “إن التفسير المنطقي لهذه الظاهرة هو أن الدماغ يقوم تلقائياً بفك الشيفرة وحل الغموض؛ حيث يقوم بعملية مراجعةٍ سريعة لاختيار التفسير المناسب والأكثر منطقيّة، وهذا بالضبط ما نستوعبه في عقلنا لاحقاً بعد سماعه عبر الأذن. ويعتمد الدماغ البشري في إجراء تلك العملية على استخدام السياق المحيط لتقليص الاحتمالات وانتقاء التفسيرات الأكثر منطقية للأصوات الصادرة عن المتحدث”.
وقد سعى الباحثون أيضاً خلال إجراء الدراسة إلى فهم طرق استخدام الدماغ لهذه المعلومات اللاحقة من أجل تعديل تصوّراتنا لما سمعناه في البداية.
وللقيام بذلك، أجرى الباحثون سلسلة من التجارب تضمنت استماع أشخاص محددين لمقاطع لفظيّة منفصلة وكلمات صوتية مماثلة، على سبيل المثال، كلمة parakeet (باراكيت: أي ببغاء) وbarricade (باريكيد: أي حاجز). ولقياس نشاط الدماغ لدى أولئك الأشخاص، استخدم العلماء تقنية تخطيط الدماغ المغناطيسي (MEG) التي تحدد الحركة العصبية عن طريق رصد الحقول المغناطيسية التي تولدها التيارات الكهربائية الناتجة عن الدماغ.
وأثمرت هذه التجارب عن 3 نتائج أولية:
وتضيف جي ويليامز: “لعل أكثر ما يثير الاهتمام في هذه النتائج هو أن هذا السياق يمكن حدوثه بعد تفسير الأصوات واستخدامها لتغيير طريقة إدراك الصوت”.
وعلى سبيل المثال، سيتم استقبال نفس الصوت عند سماع حرف (K) في بداية كلمة Kiss (قُبلة) وحرف (g) في بداية كلمة Gift (هدية)، رغم أن الفرق بين نهاية كلتا الكلمتين (“ss” مقابل “ft“) يأتي بعد الصوت المبهم أو الغامض.
وتختتم جي ويليامز بالقول: “وجدنا من خلال هذه الدراسة أن النظام السمعي يحافظ بشكل نشط على الإشارة الصوتية في القشرة السمعية، كما يقدّم في ذات الوقت تخمينات حول هوية الكلمات المسموعة. وإن استراتيجية المعالجة هذه تتيح الوصول إلى محتوى الرسالة بسرعة، مع السماح أيضاً بإعادة تحليل الإشارة الصوتية لتقليل أخطاء السمع لاحقاً”.
وحظيت هذه الدراسة البحثية بدعم معهد الأبحاث في جامعة نيويورك أبوظبي (G1001)، والمجلس الأوروبي للأبحاث (ERC-2011-ADG 295810 BOOTPHON)، ووكالة البحوث الوطنية الفرنسية (ANR-10-IDEX-0001-02 PSL، ANR-10-LABX -0087 IEC) ومعاهد الصحة الوطنية الأمريكية (2R01DC05660).