حقائق وأسرار تقف خلف تجاوز البيتكوين مستوى 102 ألف دولار
رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
تم النشر في الجمعة 2024-12-06شهدت الأسواق المالية خلال الساعات الأخيرة تطورات غير مسبوقة، حيث كسرت البيتكوين حاجز الـ100 ألف دولار وقفزت إلى أعلى من مستوى 102 ألف دولار اليوم الخميس لأول مرة في تاريخها، مستفيدة من مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية. ومن وجهة نظري، هذا الإنجاز ليس مجرد رقم قياسي جديد، بل هو انعكاس لتحولات جوهرية في موازين الأسواق المالية، وهو ما يفتح باب التساؤلات حول مستقبل العملات المشفرة، وعلاقتها بالتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية.
حيث كان الإعلان عن اختيار بول أتكينز رئيسًا جديدًا لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية الشرارة التي أطلقت موجة الارتفاع الأخيرة. ذلك لأنه معروف بمواقفه المؤيدة للعملات المشفرة والمعارضة للتنظيم المفرط، ما أثار التفاؤل بين المستثمرين بشأن مستقبل البيتكوين وسوق العملات المشفرة. وجاء هذا التعيين ضمن خطوات إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ما يشير إلى تحول محتمل في سياسات الولايات المتحدة تجاه الأصول المشفرة، خاصة بعد فترة من الصراع التنظيمي تحت قيادة جاري جينسلر.
وبرأيي من الناحية النفسية، يمثل اختراق مستوى 100 و102 ألف دولار نقطة تحول للسوق. لأن المستثمرون ينظرون إلى هذا الإنجاز باعتباره بداية لمرحلة جديدة من الصعود، حيث دخلت البيتكوين ما يُعرف بوضع “اكتشاف السعر”، وهي حالة تجعل من الصعب التنبؤ بالسقف السعري الجديد. وأتوقع أن يكون الهدف التالي110 – 113 ألف دولار، مدعومًا بتفاؤل السوق واستمرار السيولة المتدفقة نحو العملات المشفرة.
كما تبدو الصورة مختلفة تمامًا في فرنسا التي تواجه أزمة سياسية متصاعدة بعد خسارة الحكومة تصويت حجب الثقة، وهو ما ترك البلاد في حالة من الغموض السياسي. والانقسامات داخل البرلمان وتضخم العجز المالي، الذي وصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، يضعان الاقتصاد الفرنسي تحت ضغط متزايد. ومع أن الأسواق المالية لم تظهر ردود فعل كبيرة حتى الآن، إلا أن المخاطر الحقيقية قد تتجلى في المستقبل القريب، خصوصًا إذا فشلت الحكومة الجديدة في تمرير ميزانية مقبولة.
ومن وجهة نظري، الأزمة الفرنسية تسلط الضوء على كيفية تأثير السياسة على الأسواق المالية. فاستقرار عائدات السندات الفرنسية حتى الآن يعكس ثقة مؤقتة بأن الحكومة ستجد طريقة لتمرير الميزانية. ولكن هذا الاستقرار قد يكون هشًا، خصوصًا إذا استمرت الانقسامات السياسية وتصاعدت المخاوف بشأن قدرة فرنسا على السيطرة على عجزها المالي. وهنا يبدو لي أن الأسواق قد تركز اهتمامها بشكل أكبر على البيانات المالية القادمة، والتي قد تحدد ما إذا كانت فرنسا ستواجه أزمة ديون مماثلة لتلك التي عصفت بمنطقة اليورو قبل عقد من الزمن.
وفيما يتعلق بالسياسات النقدية العالمية، فإن تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أضافت بعدًا آخر لتقييم الأسواق. باول أشار إلى قوة الاقتصاد الأمريكي، لكنه استبعد خفضًا كبيرًا في أسعار الفائدة، مما يعزز احتمالات استقرار الدولار على المدى القريب. وهذه التصريحات، رغم أنها تبدو حذرة، إلا أنها تدعم توقعات استمرار النمو الاقتصادي الأمريكي، ما قد ينعكس إيجابيًا على الأسواق المالية بشكل عام.
وتزامناً مع هذه التحولات، أعلنت شركة Hut 8 عن خطتها لجمع 500 مليون دولار بهدف شراء البيتكوين كاحتياطي استراتيجي. وهذه الخطوة برأيي تعكس التوجه الجديد بين الشركات الكبرى لاعتماد البيتكوين كجزء من استراتيجياتها المالية. لأنHut 8 ليست الشركة الوحيدة التي تبنت هذا النهج، لكنها تعد من أبرز اللاعبين في هذا المجال. واختيار البيتكوين كأصل احتياطي يعكس الثقة المتزايدة في استدامة قيمتها كملاذ آمن، خصوصًا في ظل تزايد التحديات الاقتصادية والجيوسياسية.
وهنا ما يثير الانتباه بالنسبة لي هو التأثير المتبادل بين الأسواق التقليدية والعملات المشفرة. مع ارتفاع البيتكوين، فقد نشهد سحب السيولة من بعض الأصول الأخرى، مما قد يؤثر على الأسهم، خصوصًا في أوروبا التي تعاني من أداء ضعيف في بعض قطاعاتها. وهذا التداخل بين الأسواق يظهر أهمية متابعة التحركات السياسية والاقتصادية عن كثب لفهم حركة السوق بشكل أفضل.
وفي النهاية، يمكنني القول إن تجاوز البيتكوين مستويات الـ100 و 102 ألف دولار ليس مجرد إنجاز رقمي، بل هو مؤشر على تغييرات أعمق في النظام المالي العالمي. لأن التفاعلات بين القرارات السياسية، مثل تعيين بول أتكينز، والأزمات الاقتصادية، مثل الوضع في فرنسا، تسلط الضوء على الدور المتزايد للعملات المشفرة كلاعب رئيسي في الأسواق المالية. لكن في الوقت نفسه، فإن هذه التغيرات تضع المستثمرين أمام تحديات جديدة، تتطلب دراسة متأنية للمخاطر والفرص على حد سواء.
ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن للبيتكوين الحفاظ على هذا الزخم في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الحالية؟ والإجابة هنا تعتمد على كيفية تفاعل الأسواق مع الأحداث القادمة، سواء كان ذلك في واشنطن أو باريس، أو حتى على مستوى الشركات الكبرى التي تراهن على البيتكوين كجزء من استراتيجياتها المستقبلية.