«حادثة ستاربكس» .. نقطة تحول أمريكا في الحرب الأهلية ـــ الثقافية
تم النشر في السبت 2018-04-28
قبل ثلاث سنوات، بعد أن أثارت موجة من أعمال القتل على يد رجال شرطة بيض بحق أشخاص غير مسلحين من السود، احتجاجات في مدن أمريكية امتدت من فيرجسون إلى أوكلاند، قرر هوارد شولتز أن الشركة التي بناها تحتاج إلى الحديث حول العرق في أمريكا.
دعا المدير التنفيذي لسلسلة مقاهي ستاربكس آنذاك الآلاف من الموظفين لتبادل تجاربهم الخاصة في منتديات الشركة، وشجع عمال صناعة القهوة على إشراك العملاء في المناقشة من خلال كتابة: “السباق معا” على سطح سائل الموكاتشينو بالكراميل المثلج.
اعترف شولتز في رسالة فيديو للموظفين بأنه “كان هناك بعض الناس الذين قالوا، هوارد، هذا ليس بالموضوع الذي يجب أن نتطرق له. أنا أرفض ذلك تماما، لأننا لا نستطيع ترك هذا الأمر لشخص آخر”.
نالت المبادرة الكثير من السخرية من الإعلام بقدر ما استحوذت على الثناء، لكنها أصبحت رمزا للمؤسسة الأمريكية ذات الوضع التقدمي بشكل متزايد في بلد منقسم منذ فترة ليست بالطويلة، خاصة عقب وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، إضافة إلى حصول المحافظين على أغلبية المقاعد في الكونجرس.
منذ مبادرة شولتز، صرحت الشركات متعددة الجنسيات ابتداء من أبل إلى 21st Century Fox بأنها ضد تشريع لإلغاء حماية التمييز ضد الأشخاص غير الأسوياء في ولاية إنديانا، أو من فرض أنواع الحمامات التي يمكن استخدامها في كارولينا الشمالية. انشق رؤساء تنفيذيون عن ترمب بعد انسحابه من اتفاق باريس بشأن المناخ، ولأنه كان بطيئا في إدانة العنف العنصري الأبيض في الصيف الماضي.
كما خاض عدد من الشركات النقاش بين الفئات المتعارضة حول الأسلحة الأمريكية، حيث ردت سلاسل تجارة التجزئة مثل وول مارت على حادث إطلاق النار في مدرسة في فلوريدا عن طريق رفع حدود السن لبيع الأسلحة، وسحب الشركات بما في ذلك دلتا لخطوط الطيران، عروضا كانت تقدمها لأعضاء الجمعية الوطنية للبنادق.
شجعهم على ذلك أكبر المستثمرين المؤسسيين في البلاد، مثل لاري فينك من شركة بلاك روك، الذي أخبر الشركات بأنه يتوقع منهم أن لا يشرحوا أداءهم المالي فحسب، بل كيف يقدمون “مساهمة إيجابية للمجتمع”.
حتى الشركة التي حاولت أن تضع نفسها على الجانب السليم من أحد أعمق الخلافات الاجتماعية في البلاد، يمكن أن تجد نفسها فجأة في الهوة.
في 12 نيسان (أبريل) الجاري، سار اثنان من أصحاب المشاريع يبلغان من العمر 23 عاما إلى فرع مقهى ستاربكس بالقرب من ميدان ريتنهاوس، وهو في قلب حي فيلادلفيا الغني، لمناقشة صفقة عقارية مع رجل أعمال محلي.
وأثناء انتظارهم، طلب أحدهم استخدام المرحاض. ورفض المدير، حيث لم يكن أي منهما قد طلب الطعام أو الشراب، وسرعان ما اتصل بالشرطة ليقول إن الرجلان “يرفضان إجراء طلبات شراء أو المغادرة”. وبعد دقائق، قامت الشرطة بتكبيل الشابين.
راشون نيلسون ودونتي روبنسون هما من السود. كان الرجل الذي كانا ينتظرانه، أندرو يافي، أبيض اللون ووصل في الوقت المناسب ليتم التقاط مقطع فيديو له من قبل زبون أبيض آخر للاعتقال، ويسألهم بشكل لا يصدق: “ماذا فعلا؟”
في غضون ساعات، كان قد انتشر الفيديو عبر تويتر، ووصل إلى ملايين المشاهدين عبر الإنترنت، وتم التقاطه من قبل وسائل الإعلام. كان وسم (#DeleteStarbucks) يتجه إلى وسائل الإعلام الاجتماعية، ووجدت شركة ستاربكس نفسها أمام أزمة من صنع يديها.
كتب إيجوما أولو، مؤلف كتاب: “إذن، أنت تريد التحدث عن العرق”، على منصة تويتر: “الشيء الوحيد الذي كان صادما بالنسبة لي حول عنصرية موظفي مقاهي ستاربكس هو مدى صدمة الناس به. تعتبر مقاهي ستاربكس أحد الأماكن التي لا حصر لها في هذا العالم، الذي يذكر الناس السود بأنهم غير مرحب بهم في هذا البلد”.
أصبحت الشركة التي يتحدث بيان مسؤوليتها عن “تقوية المجتمعات عن طريق الترحيب بالجميع” فجأة رمزا للظلم العرقي الراسخ.
بحلول يوم السبت التالي، أصدر كيفين جونسون، الذي أصبح الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس في العام الماضي مع انتقال شولتز إلى منصب رئيس مجلس الإدارة، إعلانا يبدي فيه ندمه على الحادث “المثير للاشمئزاز” ونتائجه “المستهجنة” وتعهد بمزيد من تدريب الموظفين.
ومع بدء الأسبوع، فصلت شركة ستاربكس مدير المتجر وسط هذه العاصفة، وتوجه جونسون إلى فيلادلفيا للقاء قادة الشرطة والمجتمع المحلي، والاعتذار شخصيا إلى الرجلين اللذين أفرج عنهما بعد عدة ساعات من الاحتجاز.
وأعلن يوم الثلاثاء التالي أنه في 29 أيار (مايو) المقبل، سيغلق جميع متاجره التي يزيد عددها على 8000 متجر في الولايات المتحدة، لقضاء فترة بعد الظهر في التدريب ضد التحيز، كخطوة أولى في الاستجابة لتحديات ما بعد الحادث المؤسف.
في مقابلة مع فضائية سي إن إن في تلك الليلة، ظهر جونسون وتبدو عليه علامات الإنهاك. وردا على سؤال واحد بعد فترة توقف طويلة، قال: “لقد كانت تجربة انفعالية”.
كانت إجراءات شركة ستاربكس – الاستجابة السريعة، وجعل رئيسها التنفيذي مرئيا، والانخراط على نطاق واسع واتخاذ إجراءات مبشرة – عبر “دراسة حالة تقليدية حول كيفية التعامل مع الأزمة”، كما يقول سكوت جالواي، أستاذ التسويق في كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك. ويضيف “هل يمكنك تخيل إغلاق موقع فيسبوك لخدمته لمدة يوم لفحص كل المحتوى؟”
سلسلة ستاربكس فعلت هذا من قبل. في عام 2008، وبعد أن غضب شولتز من أن الشركة قد انجرفت عن مهمتها الأصلية، أغلق أكثر من 7000 متجر لتدريب عمال صناعة القهوة على كيفية صنع اللقطة المثالية لفنجان الإسبرسو.
لقد كلف الأمر ستة ملايين دولار من المبيعات الضائعة، كما كتب في كتابه “Onward”، ولكن كان ذلك حدثا محفزا على العمل. وكما أشار “في نهاية المطاف، كان إغلاق متاجرنا هو الأقوى من حيث طابعه الرمزي”.
قد يكلف الإغلاق لفترة ما بعد الظهر في عام 2018 شركة ستاربكس نحو 12 مليون دولار، حسب تقديرات جيفري سوننفلد، الأستاذ في كلية ييل للإدارة، لكنه “يستحق ذلك”، كما قال لشبكة سي إن بي سي، مع الأخذ بالاعتبار الضرر الذي يمكن أن يحد من سمعته.
الشركات الأمريكية على دراية كبيرة بأزمات السمعة وتنقصها كثيرا دراسات الحالة الإيجابية للحد من الأضرار. أكثر الأسباب شيوعا للإشارة إلى ذلك – استرجاع مسكنات شركة جونسون آند جونسون بعد وفاة سبعة أشخاص، عقب تناول تايلينول الذي يحتوي على السيانيد – الذي حدث في عام 1982. وما إذا كان بإمكان سلسلة ستاربكس تحديث الكتب الدراسية لعصر نشاط المستهلك ذي الدوافع الاجتماعية لا يزال بعيدا عن الوضوح. وصرح رشاد روبنسون، المدير التنفيذي لمجموعة العدالة العرقية الأمريكية، كولور أوف تشينج، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، بأنه كان “معجبا بالتواصل” بعد أن اتصلت به سلسلة ستاربكس خلال 24 ساعة من الحادث، كما اتصل به شولتز يوم الإثنين التالي للحادث. ويقول: “لم أر شركة تستجيب بهذه الطريقة، إنهم يستحقون المديح بسبب اعترافهم بأخطائهم واعتذارهم عنها”، لكن وتيرة دوران الموظفين في سلسلة ستاربكس تعني الحاجة إلى مزيد من التدريب. آخرون كانوا أكثر تشككا. سأل ديري ميكيسون، الناشط في Black Lives Matter، متابعيه على منصة تويتر البالغ عددهم مليون متابع: “هل نعتقد جديا أن سلسلة ستاربكس ستبدأ في عقد الآلاف من التدريبات الموضوعية للتحيز العنصري، في وقت واحد في يوم واحد استنادا إلى مناهج دراسية لم يتم تطويرها بعد؟”
كان رد الشركة، وفقا لأحد المتظاهرين الواقفين خارج فرع فيلادلفيا، “قليل جدا، لاتيه للغاية”.
ووافقت ريشا جرانت، وهي مستشارة مقرها في أوكلاهوما وتدير تدريب الشركات على تقدير التحيز اللاواعي، على أن سلسلة ستاربكس ربما على الأرجح “بالكاد أدركت الأمر” في فترة ما بعد الظهر، لذلك سيكون من الضروري متابعة التدريب. إلا أنها تشيد بردها وتقول إنه كان لدى الشركة حتمية تجارية لاستعادة الأمريكيين الأفارقة الذين هزتهم حادثة فيلادلفيا.
قبل عقدين من الزمن، كان يتم استدعاء جرانت غالبا من قبل الشركات التي تستجيب لدعوى قضائية تدعي التحيز. والآن، مع تنوع وتزايد موظفي الشركات وعملائها، فإنها ترى أنهم يطلبونها قبل أن تحدث أزمة. وكما تقول “ما يحدث هو أن المزيد والمزيد من الشركات تتعلم أن سعر احتواء الأزمة أرخص بكثير من سعر استبعادها”. وقال نيلسون في تقرير في شباط (فبراير) الماضي إن العلامات التجارية تستيقظ على قوة المستهلكين السود من ذوي الوعي الاجتماعي. تشير تقديرات مجموعة التحليلات إلى أن القدرة الشرائية للأمريكيين الأفارقة تسير في طريقها للنمو من 1.2 تريليون دولار إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2021، وأن ولاءهم للعلامة التجارية أكثر توافقا من المجموعات الأخرى على سمعة الشركات، لكونهم واعين اجتماعيا. ستصبح التداعيات الاقتصادية لسلسلة ستاربكس أكثر وضوحا خلال الأرباع المقبلة، لكن المستثمرين حتى الآن بدوا غير مرتاحين، حيث كانت أسهمها بالكاد تتحرك منذ الاعتقالات.
ومع ذلك، ذكرت وكالة YouGov، التي تستطلع المستهلكين حول ما إذا كانوا قد سمعوا أشياء إيجابية أو سلبية عن علامة تجارية ما في الأيام الأخيرة، أن مؤشر ستاربكس “Buzz Score” انخفض من 13 إلى سالب 8 بين الجمعة والثلاثاء، فترة الحادثة.
من الشائع أن يشعر بعض المستهلكين بالإساءة، خاصة عندما تتخذ العلامات التجارية موقفا من القضايا المثيرة للفرقة ابتداء من التغير المناخي إلى القضايا العنصرية، كما قال جوستين سولهايم، الرئيس التنفيذي ل Ben & Jerry’s، شركة صناعة الآيس كريم، لصحيفة “فاينانشيال تايمز” العام الماضي.
وأضاف: “هناك الكثير من الناس الذين يشعرون بأن ذلك ليس شيئا ينبغي للشركة القيام به”. ومع ذلك، فإن العلامات التجارية تعمل في عصر يتسم بالشفافية الشديدة، وأضاف: “يفكر الناس فيما يشترون، خاصة في الجيل المقبل، فهم يصوتون من خلال مشترياتهم”.
لا تزال الضغوط على الشركات من المستهلكين والموظفين والسياسيين من مختلف الخلفيات والانتماءات السياسية متضاربة ومكثفة، وحتى بعض الناشطين يعترفون بأن قدرة الشركات على معالجة كل أمراض المجتمع باتت محدودة.
وكما يقول روبنسون من شركة كولور أوف تشينج فإن لدى شركة ستاربكس فرصة “للحديث عن المسؤولية الثقافية الأكبر [عن العنصرية] في هذا البلد”. بيد أن “ستاربكس وحدها لا تستطيع إصلاح المشكلات التي حدثت داخل هذا المتجر. من الصعب حقا التغلب على العنصرية من خلال التدريب فحسب