جائحة كورونا والانكشاف المهني
تم النشر في الخميس 2020-04-16
فضل بن سعد البوعينين
كشفت جائحة كورونا «كوفيد – 19» المستجد عن أهمية توطين المهن والوظائف، وهو توطين لا يقتصر في معناه على «السعودة» فحسب، بل على التوطين المحلي للسعوديين أنفسهم، وأعني أن تكون البيئة الحاضنة للأنشطة في القطاعين الخاص والعام، هي المغذي للوظائف المتاحة فيها، لضمان استدامة العمل حتى في أحلك الظروف.
كان الخوف من هجرة جماعية للوافدين تحت ضغط الظروف القسرية، ومنها الأمنية واضطراب العلاقات الدولية على سبيل المثال لا الحصر، ما يتسبب في توقف الأنشطة الحيوية إلا أن احتياطات جائحة كورونا كشفت عن إمكانية انقطاع المهنيين والموظفين السعوديين لأسباب مختلفة كما حدث بعد حجر المدن ومنع الخروج منها تحوطًا من الوباء.
من المهم وضع الحلول الناجعة لتحديات الانقطاع عن العمل لظروف قسرية، وهو أمر يتطلب خلق تشريعات تُعنى بالتوطين بشقيه، السعودة، والارتباط المكاني؛ أو ما يطلق عليه مقر السكن الدائم؛ وهو أمر لن يسهم في استدامة الأعمال فحسب، بل خلق تنمية بشرية متوازنة في جميع محافظات ومناطق المملكة، ويسهم في وقف الهجرة بين المدن والمحافظات.
التوطين لا يعني تحقيق ما نسبته 100 في المائة من السعودة والارتباط المكاني، فهذا أمر مستبعد وغير واقعي؛ بل يعني تحقيق حد الاكتفاء الوظيفي الذي يمكن من خلاله ضمان استدامة عمل الأنشطة دون انقطاع في حال الأزمات، وبخاصة الأنشطة الحساسة في قطاعات الاقتصاد والقطاعات الحكومية، ولعلي أشير إلى ثلاثة قطاعات مهمة وهي؛ القطاع الصحي، الصناعي، والزراعي. فالقطاع الصحي يشهد شحًا في الأطباء وكادر التمريض والفنيين بشكل عام، حيث يشكل السعوديون ما نسبته 30 في المائة فقط من مجمل الممارسين الصحيين، أو ربما أقل، وهو شح لم تتم معالجته برغم الحاجة.
أما القطاع الصناعي فما زال يئن تحت سيطرة الوافدين، وإن تحدَّثت أرقام الشركات الكبرى عن نسب توطين عالية. فالعبرة ليست في سجلات الموظفين الرسميين بل مجموع القوى البشرية العاملة في تلك الشركات بما فيها الموظفين المتعاقد معهم من خلال شركات التشغيل. أما التوطين المحلي؛ من البيئة الحاضنة؛ فهو أبعد ما يكون عن إستراتيجيات التوظيف في القطاع الصناعي. وأضرب مثالاً بقطاع البتروكيماويات في الجبيل، الذي يفتقر للحد الأدنى من التوظيف المحلي من بيئته الحاضنة، حيث ترتفع نسبة البطالة في الجبيل مقارنة بالمدن الأخرى، برغم وجود الكفاءات البشرية، وقطاع البتروكيماويات الذي يعد القطاع الصناعي الثاني بعد النفط في المملكة.
أما القطاع الزراعي فتسللت له العمالة الوافدة حتى تمكنت من مفاصله الرئيسة، فتحول جزء مهم من مزارع النخيل والخضراوات إلى استثمارات تديرها العمالة الوافدة، تسيطر على إنتاجها ومبيعاتها في السوق.
الانكشاف المهني من أكثر المخاطر المهدّدة للاقتصاد والأمن الوطني. ولولا انتشار وباء كورونا في جميع دول العالم، وتسببه في إغلاق المطارات لتفاجأنا بهجرة جماعية للوافدين تتعطل بها قطاعات الاقتصاد الحيوية. سيبقى ملف «الانكشاف المهني» معلقًا طالما ظل باب الاستقدام مفتوحًا على مصراعيه، وتراخت الحكومة في إستراتيجيات التوطين القائمة على توجيه التعليم وخلق قوى بشرية قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل، وركز القطاع الخاص على العمالة الرخيصة، والتحيز للموظفين الأجانب، وتجاهل التنمية البشرية الوطنية التي يجب أن تكون قاعدة للقطاع الخاص
عن الزميلة الجزيرة