مقالات

تدابير مالية مؤلمة لتفادي الأسوأ

تم النشر في الخميس 2020-05-14

طلعت حافظ

كشف معالي وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلّف الأستاذ/ محمد بن عبدالله الجدعان عن عدد من الإجراءات والتدابير الاقتصادية والمالية التي اتخذتها الحكومة استكمالاً للقرارات المتخذة مسبقاً للحد من تفاقم الآثار السلبية لأزمة جائحة كورونا كوفيد 19 بمختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية على اقتصاد الدولة وعلى ماليتها العامة بما في ذلك المواطنون والمقيمون على حدٍ سواء.

وأوضح معاليه أن ضراوة الأزمة، قد تسببت في حدوث ثلاث صدمات لاقتصاد المملكة، تمثلت الأولى في انخفاض الإيرادات النفطية بسبب انخفاض الطلب على النفط وتدهور الأسعار، والثانية في انخفاض حجم الإيرادات غير النفطية والنمو الاقتصادي بسبب توقف بعض الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، وأخيراً في اضطرار الدولة لسد احتياجات طارئة على جانب النفقات غير المخطط لها بسبب ظروف الجائحة.

هذه الثلاث صدمات مجتمعة أدت إلى انخفاض الإيرادات الحكومية بشكلٍ حاد، وفي الضغط على المالية العامة ما أضطر الدولة على مستوى العامة إلى إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر يونيو من العام الجاري، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من (5 %) إلى (15 %) بدءاً من الأول من شهر يوليو أيضاً من العام الجاري.

قد يتساءل البعض لماذا الحكومة لجأت للتعامل مع صدمات الجائحة وما قد تحدثه من آثار سلبية قد تطال الاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة بأضرار بالغة، بتحميل المواطن والمقيم أعباء مالية هما في غنى عنها في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم، وبالذات في ظل توفر احتياطيات مالية سيادية للدولة ضخمة جداً، تقدر بنحو 1.8 تريلون ريال (473 مليار دولار أميركي) تحتل بها المملكة المرتبة الثالثة من حيث الترتيب على مستوى العالم، كما أن للدولة القدرة على الاستدانة لسد متطلباتها من الاحتياجات المالية، بمعنى آخر أدق وأوضح لماذا لا تلجأ الدولة إلى السحب من احتياطاتها حتى نفاذها ومن ثم اللجوء لفرض المزيد من الضرائب على المواطنين والمقيمين وإلى غير ذلك؟

الأمر قد يبدو للوهلة الأولى حلاً بسيطاً وسهلاً وممكناً ومتاحاً، ولكنه في ذات الوقت سيكون مؤلماً أكثر وسيتسبب في حدوث أزمة كارثية أعظم وأسوأ على الاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة على حد سواء نتيجة لما ستؤول إليه الأمور بنهاية المطاف حينما تستنزف الدولة كامل احتياطاتها إلى جانب إفراطها في الاستدانة، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ضعف العملة السعودية وتدهور قيمتها، وارتفاع معدل التضخم وكلفة الاستدانة ودرجة المخاطر الائتمانية والمالية للمملكة بما في ذلك درجة مخاطر أنظمتها المالية والنقدية وتعاملاتها التجارية.

ولعلي أذكر ما حدث بين عامي 2014 و2016 عندما انخفضت أسعار النفط العالمية بشكل كبير جداً وما نتج عن ذلك بإعلان الحكومة عن أعلى وأضخم عجز مالي في تاريخها الذي بلغ نحو 366 مليار في عام 2015 بعد تحقيقها لفائض بلغ 180 مليار ريال خلال العامين المذكورين، كما وارتفع تبعاً لذلك حجم الدين العام من 44 مليار ريال إلى 316 مليار ريال، وفي المقابل انخفضت أرصدة الحسابات الحكومية في مؤسسة النقد العربي السعودي من 1413 مليار ريال إلى حوالي 577 مليار ريال بنهاية عام 2016.

وخلال تلك الفترة ولو تدخـــل الدولة بإصلاح الوضع المالـــي، لكان الأمر سيؤول إلى تبعات ماليـــة واقتصادية أكثر ضراوة وقساوة تتمثل فـــي حدوث ركود اقتصادي طويـــل الأمد، وفي ارتفاع فـــي معـــدلات البطالة، والتراجع في ثقة المســـتثمرين والاســـتثمار الأجنبي المباشـــر إجمـــالاً والاســـتقرار المالـــي خصوصاً، بما في ذلك ارتفـــاع كلفة الدين العام، وتلاشـــي الاحتياطـــات من العملـــة الأجنبية، والذي بدوره سيتسبب في حدوث المزيد من الضغوط على ســـعر صـــرف الريال.

أخلص القول؛ بأن الإجراءات والتدابير المالية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة وأعلن عنها وزير المالية، قد تبدو للوهلة الأولى قاسية ومؤلمة لكنها في ذات الوقت تُعد ضرورية ومهمة للغاية لضمان استدامة الاقتصاد والمالية العامة وتجنيبهما الدخول إلى نفق ضيق يصعب الخروج منه، ما قد يتسبب في حدوث كارثة اقتصادية ومالية ستكون الأسوأ ولا يحمد عقباها

عن الرياض

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock