تأثيرات فيروس كوفيد-19 على قطاع التأمين الصحي الخاص والقطاعات العامة الممولة من الحكومة
تم النشر في الخميس 2020-03-26
سايمون فيشر، نائب الرئيس التنفيذي لدى مجموعة إيس في الخليج العربي
يترقب العالم تأثيرات فيروس كوفيد-19 (الكورونا)على البشر والدول، والتي تتطور كل ساعة وسط حالة من الغموض نظراً لارتفاع معدلات انتشاره نسبيا. ولعل أبرز المخاوف العالمية تكمن في مدى استجابة وثائق التأمين الخاص لتكاليف العلاج في الدول المعتمدة بشكل رئيسي على نموذج الرعاية الصحية الخاص.
وبعد أن صنفت منظمة الصحة العالمية الفيروس كجائحة، ستندرج نفقات العلاج المرتبطة بفيروس الكورونا المستجد تحت بند الاستثناءات الخاصة في بوليصة التأمين والتي تشمل هذا النوع من الأوبئة العالمية.
ويعد علاج “كافة خدمات الرعاية الصحية للجائحات العالمية و/او المحلية” من الخدمات المصنفة خارج نطاق التأمين الصحي الموضوع من قبل هيئة الصحة في دبي والذي يحدد الحد الأدنى من متطلبات التأمين الصحي المقبول للهيئة حسب لوائحها التنظيمية.
وقد تم وضع هذه الاستثناء تجنباً لتكبد شركات التأمين الصحي خسائر لا يمكن تحملها في مواجهة أي وباء. لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتولى الدول تكاليف الرعاية الصحية؟ قد تغطي شركات التأمين التكاليف الخاصة بالمرض كبادرة حسن نية، وفقاً لأعداد الأفراد المصابين ومعدل النمو في أي دولة. لكن في حال استمرار تدهور الوضع، من المتوقع أن تطبق شركات التأمين هذا الاستثناء لحماية ميزانياتها.
وقد اتخذت بعض الدول إجراءات فورية وقررت تكبد تكاليف العلاج والوقاية والحجر الصحي كاستجابة أولية سعياً منها لمنع تفشي الفيروس، وبالتالي سيحصل المرضى المعتمدون على سياسات التأمين الخاصة على الرعاية اللازمة بصرف النظر عن الجهة التي تغطي التكاليف.
وتختلف حالياً المقاربات من دولة لأخرى، ففي مملكة البحرين، على سبيل المثال، تتولى الدولة تلبية متطلبات تشخيص وعلاج المصابين بفيروس كوفيد-19، سواءً في مواقع الحجر الصحي أو في المستشفيات الحكومية الرئيسية. ولا يتم تحويل تكاليف العلاج الى شركات التأمين بعد تشخيص حالات المرضى الذين تثبت إصابتهم، إذ تتولى الدولة ذلك. وكذلك الأمر في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصدرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع تعليمات حول طلب الرعاية الطبية لدى واحدة من المشافي العامة الرئيسية أو مراكز الرعاية الأولية الخاصة.
أما في الولايات المتحدة، تولت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، المؤسسة الوطنية الرائدة للصحة العامة في البلاد، توفير تكاليف علاج كوفيد-19، في حين ألزمت بعض الولايات، بما فيها نيويورك وواشنطن ونيفادا، شركات التأمين الصحي بإلغاء المدفوعات المشتركة والمبالغ القابلة للخصم لفحوصات المرض. وتغطي اليابان حالياً الفحوصات الوقائية لفيروس كورونا من خلال برنامج التأمين الصحي الوطني، والذي تتولى الحكومات المحلية إدارته.
وتشهد الدول في مختلف أنحاء العالم تأثيرات تفشي فيروس كورونا المستجد على المستوى المحلي، والتي تطال العديد من القطاعات الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها قطاعات السياحة والطيران والضيافة العالمية، التي تمر بأوقات صعبة للغاية نظراً لحالات إغلاق المجمعات التجارية وتعليق الأعمال غير المسبوقة. ومع تطور هذا الوضع، من المتوقع أن نشهد تعطلاً في سلاسل التوريد وانخفاضاً شديداً في قدرات بعض مجالات التصنيع والتجارة.
قد يساعد بند “تعّطل الأعمال” (وهو عادة جزء من وثيقة التأمين على الممتلكات ويمكن ان يكون منفصلا في وثيقة خاصة) في تغطية خسارة المدخول الناتج خلال تلك الفترة، لكن يجب التنبه بدقة إلى صياغة بوليصة التأمين لتحديد ما إذا كانت الشروط ستطبق في حال عدم وجود ضرر مادي (كما هو الحال عادة ليطبق) أو كان السبب الجذري لخسائر الأعمال ناتج عن تأثير انتشار الفيروس.
وتسعى الحكومات في الغالب إلى حماية أنفسها عبر تنظيم تأمين مخصص وهياكل تمويل مصممة خصيصاً لتوفير سيولة نقدية مباشرة لدفع تكاليف الدعم اللوجستي والمساهمة في مكافحة آثار أحداث خطيرة على الدولة مثل تفشي فيروس كورونا المستجد. وتستجيب سياسات التأمين عبر دفع مبالغ مقطوعة في حال استيفاء عوامل معيارية أو قابلة للقياس (تحدد سلفاً)، بصرف النظر عن المستوى الحقيقي للخسائر والتأثيرات السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
ويستند التأمين المعياري (التأمين ضد الكوارث والأزمات) على قياس مؤشر أو ظاهرة طبيعية. وفي حالة فيروس كورونا المستجد، قد يتم تحديد تغطية التأمين عند وصول الفيروس إلى مستوى عدوى محدد ومتفق عليه مسبقاً، وفقاً لعدد الحالات وسرعة الانتشار والجغرافيا وغيرها من العوامل.
لسوء الحظ، ونظراً لتطور الوضع بشكل سريع عالمياً، فات الأوان على الدول الراغبة بشراء تأمين معياري للحماية ضد وباء كوفيد-19، ومن غير المرجّح أن توافق أي من شركات إعادة التأمين على تغطية هذه الحالة الآن بعد معرفة المخاطر ومعدلات الانتشار، حتى بالنسبة للدول التي لم تسجّل أية إصابات بعد. إلا أنه من الممكن الحصول على منتجات مشابهة متعلقة بمخاطر أخرى، مثل الصحة العامة أو الكوارث الطبيعية أو المخاطر من صنع الإنسان، والتي يمكنها توفير دعم مالي مباشر في حال وقوع أي كارثة مستقبلية.
وقد كانت حكومات المنطقة سباقة في مقاربتها لمواجهة الخسائر المالية المحتملة، حيث أعلنت أبو ظبي عن حزمة حوافز لدعم الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص، مع تيسير تكاليف المعيشة للسكان. كما أعلنت دبي عن خطة تحفيز اقتصادي لتخفيض تكاليف المعيشة وحماية الشركات، خاصةً في قطاعات السياحة والتجزئة والتجارة والخدمات اللوجستية.
وعلى الرغم من أن الوضع مقلق بالنسبة للعديد من القطاعات، بما فيها قطاع التأمين وإعادة التأمين، إلا أن انتشار الأوبئة ليس بالأمر الجديد، فقد شهدت البشرية كوارث عدة، بدءاً من طاعون أثينا في عام 430 قبل الميلاد، وصولاً إلى الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر والأنفلونزا الإسبانية في بديات القرن العشرين والتي أصابت 500 مليون شخص حول العالم، أي ما يعادل 27% من التعداد العالمي للسكان آنذاك. والتزاماً بنصائح هيئات الصحة المحلية، يعتبر عزل المرضى والعزل الاجتماعي ركيزتين رئيستين للحد من انتشار أي فيروس. لكن، عند مواجهة النتائج النهائية لفيروس كورونا المستجد واحتمالات ظهور أوبئة مستقبلية، ينبغي ألا تعمل الشركات، وخاصة الشركات العاملة في مجال التأمين، بمعزل عن العالم، إذ يجب أن نعمل جميعاً بالتوازي مع السلطات المعنية لتجاوز تحديات كهذه على المستوى الفردي والمجتمعي.