بعد «مايكروسوفت» .. أوروبا تتصدى للعملاق «جوجل»
تم النشر في الأحد 2015-04-19
أنا أحب “جوجل”. ككاتب، أستخدمها بشكل منتظم للتأكد من حقائقي واختيار كلماتي. باعتباري رجلا في منتصف العمر لم يعُد يصلُح لعصره، غالباً ما ألجأ إلى خدمة مشاركة الفيديو على اليوتيوب التابعة لها من أجل الراحة، حيث أشاهد مقاطع فيديو لفرقة رونيتس وفرقة رامونز، أو فرقة البيتلز قبل أن يُصبح لديهم شعر وجه، عندما أكون بحاجة إلى راحة من القرن الحادي والعشرين.
مع ذلك، كنت سعيداً هذا الأسبوع عندما قررت هيئة تنظيم مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي استهداف الشركة التي يوجد مقرها في كاليفورنيا، من خلال توجيه تهمة إليها باستخدام مكانتها المُهيمنة في مجال البحث لتوجيه الزبائن إلى خدمات التسوق التابعة لها، وفتح تحقيق في نظام أندرويد لتشغيل الهواتف الخلوية لمعرفة ما إذا كان مُصمماً لإجبار الشركات اللاسلكية على استخدام البرامج الخاصة بها.
ومع أننا لا نعرف حتى الآن إن كان الاتحاد الأوروبي يستطيع إثبات قضيته، إلا أني أُعجبت بجرأته للوقوف أمام شركة غنية وقوية ومرموقة مثل جوجل. بقدر ما يبدو هذا غريباً، فقد بدا لي أن البيروقراطيين في بروكسل كانوا يتصرفون بطريقة أمريكية – الطريقة التي وضعها آباؤنا المؤسِسون عندما صدوا وتحدوا الملك جورج الثالث وأنشأوا جمهورية.
إذا كان هناك شيء واحد يخشاه زعماء ثورتنا، فهو تركيز السلطة. لقد تعهّدوا بحياتهم، وثرواتهم وشرفهم بهزيمة الطغيان، وعندما حصلوا على فرصة لتأسيس حكومتهم الخاصة، كانت قائمة على نظام لا يرتكز على أفراد أو جماعات، وكان مُصمما لمنع أي مجموعة مصالح معينة – أو “فصائل”، حسب مصطلحهم – من النمو لتصبح قوية جداً بحيث يمكن أن تؤذي الآخرين.
لكونهم أمريكيين، شعروا بالقلق بوجه خاص بشأن التنافس الاقتصادي. بحسب تعبير جيمس ماديسون، الرئيس الرابع للولايات المتحدة، الذي قال “مصدر الفصائل الأكثر شيوعاً واستدامة كان توزيع الممتلكات المختلف وغير المتساوي”. وكتب قائلاً “إن الدول لديها مدينون ودائنون، واهتمام بالأراضي، واهتمام بالتصنيع، واهتمام بالتجارة واهتمام بالأموال”، مُضيفاً “إن تنظيم هذه المصالح المختلفة والمتداخلة يُشكّل المهمة الرئيسية للتشريع الحديث”.
مع ذلك، تحقيق مسؤولياتنا الجمهورية لم يكُن سهلاً في جزء من الولايات المتحدة الذي يُدعى وادي السليكون. المشكلة الأساسية هناك أن الأشخاص الذين يتولون إدارة شركات التكنولوجيا الكبرى هم في الواقع أشخاص متفوّقون. إنهم يعرفون الكثير أكثر من بقيتنا، ويصنعون الثروات على نطاق يحير عقول البشر الأقل منهم.
لقد بدأت “جوجل” العمل في مرآب عام 1998؛ وتصل قيمتها السوقية الآن إلى نحو 360 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان مثل ماليزيا وإسرائيل. النجاحات التجارية من هذا النوع لا تحدث كثيراً، ومن الواضح أن هذا يجعل المنظمين في الولايات المتحدة يتوقفون للتفكير عندما يتعلق الأمر بقطاع التكنولوجيا. أن تدوس على أوزة تضع بيضاً ذهبياً لا يُعتبر سياسة جيدة.
مع ذلك، في حين إن المنظمين في الولايات المتحدة كانوا غير حاسمين فيما يتعلق بمجموعات التكنولوجيا الفائقة، إلا أن نظراءهم في أوروبا قد تصرفوا، من خلال استهداف شركة مايكروسوفت في التسعينيات والآن جوجل. الأمر يبدو تقريباً كما لو أن بروكسل برزت كأنها الفرع الرابع للحكومة الأمريكية؛ مسؤولة عن تنظيم شركات التكنولوجيا هنا.
من الواضح أن هذا ليس أفضل ما في جميع العوالم المحتملة. يمكن تقديم حجة أنه إذا كان الأوروبيون يعرفون الكثير عن التكنولوجيا لأداروا الآن شركات الإنترنت الكبرى الخاصة بهم بدلاً من مضايقة شركاتنا. كذلك، التنظيم المحلي عادةً ما يكون أفضل تنظيم، كما يشهد الدستور الأمريكي.
لكن التدخل الأجنبي من هذا النوع قد يكون أفضل ما يُمكن أن يتوقعه أنموذج ماديسوني حديث. بما أن اقتصادنا ينمو ليصبح أكثر عالمية، يمكن أن يتبيّن أن الحجة هي أن المنظمين في الخارج هم ببساطة في وضع أفضل للتدخل في شركات بلدان أخرى.
في الواقع، بما أن الولايات المتحدة قد استعانت بأوروبا للقيام بالكثير من التنظيم في مجال التكنولوجيا، فقد أصبحت أوروبا تعتمد إلى حد كبير على المنظمين في الولايات المتحدة بشكل عام، وفي مدينة وولاية نيويورك بشكل خاص، لإبقاء مصارفها الكبيرة بعيدة عن المشكلات.
هناك مثال كلاسيكي على هذا جاء في حزيران (يونيو) عندما توصّل بنك بي إن بي باريبا الفرنسي إلى اتفاق لدفع 8.9 مليار دولار لانتهاكه العقوبات الأمريكية المفروضة على التعامل مع السودان وإيران وكوبا. ساعد البنك النظام في السودان، على الرغم من أن أحد مديريه وصف منطقة دارفور التي دمرتها الحرب بأنها “كارثة إنسانية” في المراسلات التي كشفتها النيابة العامة في الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، استجاب المسؤولون الفرنسيون برعب. فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي الاشتراكي، وصف العقوبة بأنها “غير متناسبة”.
لكن، في النهاية، السلطات الأمريكية كانت تُقدّم خدمة لفرنسا. إذا كان المصرفيون فيها لا يستطيعون العثور على ما هو أفضل من مساعدة أنظمة سيئة كالذي في السودان، فهم ليسوا مصرفيين جيدين وينبغي لهم إعادة تقييم فرصهم المهنية قبل أن يكبُروا في السن ولا يستطيعون العثور على عمل مناسب.
بالمثل، إذا تبيّن أن اتهامات الاتحاد الأوروبي صحيحة وأن “جوجل” تستخدم تكتيكات غير مناسبة للحصول على الأعمال التجارية من الآخرين، فسيكون من الأفضل لجميع الأطراف المعنية – في الشركة والبلاد التي ازدهرت فيها – معرفة ذلك عاجلاً وليس آجلاً. وكما سبق أن أعطينا درسا للملك جورج الثالث في أيام الرئيس ماديسون، أمريكا ليست بلدا يقبل بوجود المتنمرين.