“الوطني” يتوقع نمو الاقتصاد غير النفطي السعودي نتيجة للسياسة المالية التوسعية
تم النشر في الأحد 2017-10-15
كشف بنك الكويت الوطني في تقرير حديث أنه يتوقع أن يستعيد نمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية قوته العام المقبل بواقع 0.9% تماشيا مع تعافي النمو النفطي نتيجة ارتفاع طفيف في إنتاج النفط والغاز والنمو غير النفطي نتيجة قوة إنفاق المستهلك واتخاذ السلطات سياسة مالية توسعية.
ان الاقتصاد السعودي لايزال يواجه ركودا في الطلب المحلي وتراجعا في ثقة المستهلك، بالإضافة إلى تأثير خفض الإنفاق الحكومي، وذلك بعد مرور أكثر من 3 سنوات على تراجع أسعار النفط.
وقد قامت السلطات بخفض الدعوم على الطاقة والخدمات وفرض الضرائب وتجميد مكافآت القطاع الحكومي (رغم إعادتها الآن) بالإضافة إلى خفض التكاليف ورفع مستوى الكفاءة في الوزارات. حسبما تناولته “الأنباء”.
وتعد هذه التدابير وغيرها، كالخصخصة والسعودة، جزءا من المبادرات الحكومية الثلاثية للتخطيط التنموي وهي: برنامج التحول الوطني للعام 2020 وبرنامج تحقيق التوازن المالي ورؤية السعودية 2030.
ونظرا لأهمية دور تلك المبادرات في تحقيق الاستدامة المالية والتنويع الاقتصادي فقد رحبت الأوساط الاقتصادية بها بعد انتظار مطول.
وفيما شهدت الأوضاع المالية في السعودية استقرارا نسبيا مع توقعات بتراجع العجز في 2017 لأول مرة منذ 3 سنوات، جاء نشاط المستهلك سلبيا.
كما من المتوقع أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ العام 2009 على أعقاب خفض المملكة إنتاجها النفطي بنسبة 4.6% وفقا لاتفاقية الدول من أوپيك وخارجها الموقعة في نوفمبر الماضي.
وقد أدركت السلطات الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي قد يترتب على المضي في تطبيق الإصلاحات بوتيرة سريعة جدا، حيث أشارت مؤخرا إلى توجهها لإعادة دراسة برنامج التحول الوطني ووضع خطط أكثر واقعية قبل إصدار النسخة 2.0 التي تم تأجيلها إلى شهر أكتوبر الجاري.
تراجع نمو الناتج المحلي
نتوقع أن يتراجع النمو بشكل كبير من 1.7% في العام 2016 إلى -0.6% هذا العام، وذلك تماشيا مع تشديد السلطات جهودها لخفض الإنتاج وفق الاتفاقية، وذلك إلى ما يقارب 5% من سقف إنتاجها البالغ 9.95 ملايين برميل يوميا في أغسطس.
وستساهم عودة مكافآت القطاع الحكومي في إنعاش طلب المستهلك، ولكن سيتحتم على السلطات التحكم بها عندما يحين وقت الخفض التالي للدعم على الطاقة المزعم تنفيذه في شهر أكتوبر الجاري والذي سيؤثر حتما على الدخل المتاح.
وجاءت بيانات الاقتصاد غير النفطي متفاوتة، فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من هذا العام بواقع 0.8% على أساس سنوي نتيجة تراجع إنتاج النفط والغاز، بينما سجل القطاع الخاص نموا ضعيفا بواقع 0.7% على أساس سنوي.
وقد بدأت المؤشرات الرئيسية لإنفاق المستهلك بالارتفاع ولكن ببطء، كمعاملات نقاط البيع وأجهزة السحب الآلي ومؤشر مديري المشتريات ونمو ائتمان القطاع الخاص. ومع بلوغ مستويات الائتمان الممنوح للقطاع الخاص ونمو القروض الاستهلاكية -1.5% على أساس سنوي في يوليو و-0.8% على أساس سنوي في يونيو، سيكون من الصعب تحقيق تصور رؤية السعودية للعام 2030 لنشاط القطاع الخاص.
البطالة السعودية ومشاركة الإناث
تسير كل من البطالة السعودية ومشاركة الإناث في العمل باتجاهات معاكسة، وذلك في ظل محاولة السلطات خفض نسبة البطالة إلى 9% بحلول العام 2020 ورفع مشاركة الإناث إلى 28%. فقد بلغت البطالة 12.7% في الربع الأول من العام 2017 مقارنة مع 12.3% في العام 2016. الجدير بالذكر أن بعض المؤشرات تفسر هذا الارتفاع بتراجع التوظيف بشكل عام وليس بقياس الزيادة في سوق العمل السعودي.
إذ يتبين أن العمالة السعودية قد تقلصت في الفترة بين الربع الرابع من العام 2016 إلى الربع الأول من 2017 بنحو 160 ألف شخص، شكلن الإناث 120 ألف من هذا العدد (بنسبة 80%)، ما يعني أن نسبة مشاركة الإناث قد تراجعت من 19.3% في الربع الرابع من العام 2016 لتصل إلى 17.4% في الربع الأول من العام 2017.
ولكن يبدو أن الأمور قد بدأت بالتغير تدريجيا، حيث ستشهد المملكة تطورا كبيرا جدا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي بعد إصدار مرسوم ملكي يسمح لأول مرة بقيادة المرأة في السعودية وذلك اعتبارا من يونيو 2018.
فبجانب الزيادات التي سيشهدها نشاط سوق السيارات والتأمين والصناعات الاستهلاكية، من المفترض أيضا أن تنتعش الإنتاجية في المملكة بشكل كبير على خلفية الارتفاع المتوقع لمشاركة الإناث في سوق العمل بعد هذا القرار.
انكماش الأسعار يستمر
بالنظر إلى الضغوط التي يواجهها طلب المستهلك، فمن غير المفاجئ أن يسجل الاقتصاد غير النفطي انكماشا خلال العام 2017. إذ استمرت أسعار المستهلك بالتراجع بواقع 0.1% على أساس سنوي في أغسطس، بالإضافة إلى تراجع أسعار خدمات المسكن والمواد الغذائية والنقل والمواصلات، وهي أهم 3 قطاعات مساهمة في وزن المؤشر.
وكان من المفترض أن تنكمش الأسعار بصورة أكبر بكثير لولا فرض الضريبة الانتقائية على المشروبات الغازية والتبغ في يونيو، والتي ساهمت في زيادة أسعار المواد الغذائية والمشروبات، كما رفعت أسعار التبغ بنحو 100% على أساس سنوي، ومع ركود الطلب، فإننا لا نتوقع أن يتجاوز التضخم نسبة 0.2% في المتوسط خلال هذا العام.
أما في العام 2018، فمن المتوقع أن تتغير الأمور نظرا للتوقعات بارتفاع الأسعار بواقع 2.5% في المتوسط نتيجة تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في يناير ونتيجة أيضا تعافي إنفاق المستهلك بصفة عامة. كما سيلعب ضعف الدولار دورا مهما، إذ سيساهم في ارتفاع السلع المستوردة من خارج أميركا.
الأوضاع المالية تتحسن
بدأت الأوضاع المالية للمملكة بالتحسن في العام 2017. إذ تراجع عجز الموازنة من 149 مليار ريال (40 مليار دولار) في النصف الأول من العام 2016 ليصل إلى 73 مليار ريال (19 مليار دولار) بحلول النصف الثاني من العام 2017، أي أقل من توقعات الحكومة التي قدرت العجز بنحو 99 مليار ريال (26 مليار دولار).
ويعكس ذلك تحسنا كبيرا في مستوى الإيرادات النفطية التي ارتفعت بواقع 63% على أساس سنوي نتيجة ارتفاع أسعار النفط (حيث ارتفع إجمالي الإيرادات بواقع 6% على أساس سنوي).
كما يعكس ذلك أيضا التشديد المالي، فقد تراجعت المصروفات بواقع 1.9% على أساس سنوي بعد أن حدت السلطات من تكاليف بعض المشاريع وجمدت رواتب القطاع الحكومي وخفضت العلاوات.
وسترتفع المصروفات الحكومية مستقبلا نتيجة عودة العلاوات في يوليو بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة مشاريع البنية التحتية التي تتسارع عادة في النصف الثاني من العام ومدفوعات الفائدة بسبب قوة برنامج الصكوك والسندات العالمية.
وإذا طبقت الحكومة خفض الدعم على الطاقة في أكتوبر الجاري كما هو مخطط له، وبالأخص على الجازولين ونفط الوقود، ستتمكن حينها من الاعتماد على المزيد من المدخرات.
ويشير برنامج تحقيق التوازن المالي إلى بلوغ مدخرات المملكة المتراكمة في الخزينة 209 مليارات ريال (55 مليار دولار) بحلول العام 2020، أي ما يساوي 8.7% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2016.
لذا، فمن المحتمل أن تحقق الحكومة هدف الإنفاق هذا العام، ليرتفع مستوى الإنفاق بنحو 6% في الموازنة وبواقع 8% مقابل المصروفات التي تمت في 2016 (في حال استثناء مدفوعات المتعاقدين المتأخرة منذ العام 2015 البالغة 105 مليار ريال). ومن المفترض أن يرتفع الإنفاق في العام 2018 بواقع 4.3% على افتراض أن أسعار النفط لن تتراجع.
ومن المفترض أن تشهد الإيرادات غير النفطية انتعاشا هذا العام على إثر تطبيق عدد من الضرائب كتلك الانتقائية على المشروبات الغازية والتبغ، والضرائب على عائلي العمالة الوافدة وعلى ما يسمى بـ «الأراضي البيضاء» غير المستخدمة (بنسبة 2.5%).
وقد تساهم ضريبة القيمة المضافة بمفردها في إضافة 22 مليار ريال (5.8 مليار دولار) في العام 2018، أي ما يساوي 1.5% من الناتج المحلي الإجمال غير النفطي. وبصفة عامة، قد تسجل الخزينة السعودية ارتفاعا إضافيا في التدفقات إليها بقيمة 150 مليار ريال (40 مليار دولار) بحلول العام 2020.
ومن المتوقع تباعا أن يتراجع العجز المالي هذا العام إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي من 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وسيشهد المزيد من التحسن في العام المقبل ليصل إلى 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي، أما هدف السلطات بإزالة العجز تماما عن الموازنة بحلول العام 2020 فهو غير واقعي على الإطلاق.
الاحتياطيات تستمر بالتراجع
قامت السلطات ببيع ثلث الصكوك بالريال السعودي مؤخرا بقيمة 7 مليارات ريال منذ فصل الصيف بعد أن قامت ببيع أول صكوك عالمية بقيمة 9 مليارات دولار في أبريل وأول سندات حكومية بقيمة 17.5 مليار دولارا في أكتوبر 2016.
ويصل إجمال أدوات الدين المحتمل إصدارها في 2017 ما يقارب 120 مليار ريال (32 مليار دولارا)، والتي من المفترض أن تغطي 58% من العجز المتوقع لهذه السنة. وارتفعت تباعا قيمة سندات الحكومة لدى البنوك بواقع 29% على أساس سنوي لتصل إلى 216 مليار ريال (58 مليار دولارا).
إلا أن الودائع الحكومية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي قد استمرت بالتراجع بواقع 32% على أساس سنوي في يوليو ولكن بوتيرة أبطأ بواقع 8.5 مليار ريال شهريا لهذ العام (80 مليار ريال إجمالا) وذلك مقارنة بالعام الماضي بواقع 24 مليار ريال شهريا (293 مليار ريال إجمالا).
وتراجعت احتياطيات المملكة الأجنبية إلى 494 مليار دولار اعتبارا من يوليو، وهو أقل مستوياتها منذ العام 2011. إلا أن تغطية الأشهر من الواردات ما زالت جيدة، حيث تقدر عند 30 شهرا من الواردات.
الدين الحكومي عند أعلى مستوياته، 24% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018 ولكن جهات الائتمان الخارجية لاتزال تفضل أدوات الدين السعودية، مع استمرار السلطات بالمضي في برنامج إصداراتها بوتيرة سريعة، من المتوقع أن يصل إجمالي أدوات الدين إلى 458 مليار ريال (122 مليار دولار) أو 17.8% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام.
وقد أشارت السلطات إلى اعتزامها طرح المزيد من السندات السيادية في أسواق الدين العالمية، ما قد يرفع من إجمالي الدين إلى أعلى مستوياته بنحو 24% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2018. وقد حددت السلطات سقف الاقتراض عند 30% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2020.
ولكن لاتزال السعودية جهة مفضلة لجهات الائتمان الخارجية على الرغم من خفض تصنيفها من قبل وكالة «فيتش» في بداية العام من AA- إلى A+. فقد تم الاشتراك في تغطية السندات العالمية والمحلية والصكوك بكثرة.
وتراجعت العوائد على السندات السيادية في 2017 رغم ارتفاعها قليلا في الأسابيع الماضية إلى ما يقارب 2.7% للسندات المستحقة في 2021. وعلى الرغم من تحديد السقف عند 30% من الناتج المحلي الإجمالي إلا أنها لاتزال منخفضة وفق المعايير العالمية، إذ تمتلك المملكة احتياطيات مالية كافية.
السيولة المصرفية تتحسن
ساهمت الإصدارات السيادية في ضخ سيولة كافية في القطاع المصرفي. وتحسن نمو الودائع (3.3% على أساس سنوي في يوليو) لاسيما في ظل تباطؤ نمو الائتمان وارتفاع أسعار النفط.
وتراجعت تباعا أسعار الفائدة على الإنتربنك بنحو 60 نقطة أساس من أعلى مستوياتها في أكتوبر 2016 بنسبة 2.39% لتصل إلى ما يقارب 1.79%.
انتعاش الأسهم مستمر
شهدت ثقة المستثمر تحسنا في الأشهر الأخيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتحرير الإصلاحات من قبل السلطات والانضمام المحتمل لمؤشري مورغان ستانلي وفوتسي للأسواق الناشئة، إلا أن الاحتمال الأخير قد تلاشى بعد أن استبعدت شركة فوتسي راسل في سبتمبر رفع تصنيف السعودية وتأجيل البت في الموضوع إلى مارس المقبل.
وقد ارتفع مؤشر تداول بواقع 33% على أساس سنوي في بداية أكتوبر ليصل إلى 7.224 نقطة. وقد استفادت الأسهم من عودة العلاوات الحكومية وقوة أرباح الشركات في الربع الثاني.
ومن المتوقع أن تقترب السلطات من تحقيق بعض أهداف رؤية 2030 وتتمثل في الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو.
حيث يتوقع أن يساهم طرح نسبة 5% من أسهم الشركة العملاقة في مجال الطاقة للاكتتاب في جمع ما لا يقل عن 45 مليار دولار من عوائد الاكتتاب لصندوق الاستثمارات العامة.