ط
الأخبار

مقال حصري ” الخروف الجورجي والبنزين النرويجي”

تم النشر في السبت 2017-02-04

 

معتصم الفلو 

 

كنت في زيارة سياحية إلى جمهورية جورجيا، وهي غير ولاية جورجيا في الولايات المتحدة، وأذهلني رخص سعر الخراف الجورجية؛ إذ بإمكانك اختيار أحدها لغراض الشيّ أو المفطح أو حتى المندي بسعر لا يتجاوز 60 دولارًا (225 ريالًا).

وعندما سألت عن سبب رخص الخروف الجورجي، قيل لي إن الأرض غنية بالمياه والأنهار ومساحات العشب الأخضر واسعة، وهو منتج محلي بالكامل؛ فغذاؤه وماؤه وأهله جورجيون بالكامل.

 

فاستفضت أكثر في السؤال، وقلت لهم إن هذا السعر هو أقل من الأسعار العالمية، فقيل لي إذا كانت الأرض تنتج لنا هذا الخير، فمالنا ومال السعر العالمي؟

 

وعندها قررت أن أكون أكثر فلسفة بالسؤال:”وماذا عن الفرصة البديلة؟” أي ماهو مقدار الخسائر “الافتراضية” الناتجة عن عدم بيع الخروف بالسعر العالمي لأهل البلاد والسياح أيضًا؟

 

فقيل لي، مالنا ومال الفرصة البديلة؟ هذا إنتاجنا المحلي ومن حقنا أن نستمتع به، فلماذا نرفع السعر على المواطنين أو السياح، بافتراض أننا إذا صدرناه للخارج، فإننا سنكسب أموالًا أكثر.

 

فاستنتجت أن هذا الخروف يحظى بالدعم، فقيل لي إنه لا يحظى بأي دعم؛ فهذا سعره المعقول والحقيقي، وأن نظرية “الفرصة البديلة” لا نأخذها في حساب الأسعار، لأنها غير واقعية!

 

وعند نفاد الوقود، توقف السائق عند محطة الوقود، فنظرت إلى مضخة البنزين، فرأيت السعر عن حدود 90 سنتًا (3.4 ريالات) لليتر الواحد. فسألت السائق عن سبب غلاء البنزين لهذا الحد، فقال لي إن البنزين منتج غير محلي، وهو مستورد بالكامل من الخارج، ولذا فإنه يباع بالسعر العالمي الحر.

 

وفي رحلة أخرى، من تايلاند إلى كمبوديا، التقيت زوجين نرويجيين، وكلاهما ينتمي إلى بلاد غنية بالنفط، فسألتهما عن ثمن ليتر البنزين، فأجابا أنه نحو 1.8 دولار (7 ريالات).

فقلت أليست النرويج بلدًا منتجًا للنفط؟ فقالا: نعم!، ولكن هناك ضرائب على المبيعات والاحتباس الحراري والتلوث وصناديق الضمان الصحي والاجتماعي. كما أن لدينا نظام نقل عام متطور يشمل قطارات الأنفاق والشوارع والحافلات، ولا نحتاج إلى السيارات كثيرًا. كما أن لدينا ضغطا على صناديق البطالة والتقاعد، فبمجرد خروجك من وظيفتك لسبب ما، فإن الدولة تعوضك بنحو 80% من آخر راتب كنت تتقاضاه حتى تجد عملًا آخر، ولدينا نظام متطور للتقاعد، يضمن الحياة الكريمة حتى الموت. كل هذا لا يغطيه النفط، فنحن لا ننتج سوى 1.5 برميل يوميًا في بلد لايتجاوز سكانه 5.2 ملايين نسمه.

أدركت لحظتها أن تحرير الأسعار والفرصة البديلة مفاهيم نسبية، وأن كل بلد يستخدمها حسب مايراه مناسبًا للتنمية. المهم أن تكون التنمية حقيقية ولا ترهق جيوب البشر وأن توفر لهم بدائل معقولة؛ لا تأتي على حساب الرفاهية والعيش الكريم!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock