مقالات

القطاع العقاري.. وفوضى الشفافية..

عايد الهرفي الخبير والمختص في الشأن العقاري

تم النشر في الأثنين 2024-09-30

اكدت رؤية السعودية 2030 على الشفافية كمبدأ ومعيار اساسي ومن أهم سماتها منذ إطلاقها، ومن أهم عوامل نجاحاتها في كافة المجالات، وتجلت آثارها في الممارسات الحكومية وفي كافة مجالات التنمية؛ مثل الميزانية العامة للدولة وأنشطة صندوق الاستثمارات العامة بالإضافة لقطاعات الدولة الحيوية التي شهدت قفزات نوعية، الأمر الذي جسد تأكيد الدولة ورغبة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بأن يكون مبدأ الشفافية نهجا راسخا في جميع ممارسات الحكومة.
هذا الاتجاه عزز الشفافية في الاقتصاد السعودي على المدى القريب والبعيد، وساعد على تحسين أدائه وجعله أقل عرضة للأزمات، كما شجعت الشفافية على الانفتاح على العالم و الاستفادة من افضل الممارسات ودراستها ومقارنتها وتقييمها وتقويمها كنهج عام، مع تعزيز المساءلة ورفع مستوى المصداقية، لا سيما وأن المملكة خطت خطوات جبارة نحو مستقبل مشرق مدفوعة بعملية تحول اقتصادي كبير متمثلة في رؤية 2030، وهي آخذة في النمو والتغيير ومستعدة لمزيد من الازدها في ريادة الأعمال المحلية والاستثمار الأجنبي، الأمر الذي يتطلب تبنيا كاملا لمبدأ الشفافية والنزاهة.
في جانب آخر وبعيدا عما ذكر أعلاه لا تخفى الدهشة والاستغراب مما يعانيه القطاع العقاري من فوضى الشفافية، المتمثل في التقرير السنوي لبرنامج الإسكان، وما تضمنه من تضارب كبير في المعلومات، والتي تناولها بالنقد والتفنيد الإعلامي القدير الأستاذ عمر الجريسي بالتفصيل، مثل ما ورد في التقرير أن نسبة سهولة ممارسة الأعمال في القطاع العقاري وصلت إلى 99.9 %، في حين نجد المطورين العقاريين يبدون ملاحظاتهم ويشتكون من تراجع سرعة وسهولة إنجاز معاملات رخص البناء والفرز والإتمام وغيرها، بالإضافة إلى ما أشار إليه التقرير من انخفاض تكلفة الحصول على المسكن، دون أن يقدم التقرير شرحا تفصيليا عن كيفية معرفة هذا الانخفاض؛ في ظل التقارير الإعلامية والصحفية وشكاوى المستفيدين من ارتفاع الأسعار والإيجارات.
ولم تتوقف علامات الاستفهام على التقرير عند هذا الحد، فقد جاء فيه أن نسبة رضا المواطنين عن البرامج السكنية وصلت إلى 90%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة للحال في أرض الواقع، الأمر الذي يحتاج إلى تفسير وتوضيح عن كيفية الوصول إلى هذه النسبة، في الوقت الذي نرى فيه تذمرا من الخدمات والمنتجات المقدمة.
من المؤلم أن يعيش القطاع العقاري السعودي أزمة ثقة، نتيجة افتقاده للشفافية الكاملة، وهو ما أشار إليه مؤشر الشفافية العقارية العالمية 2024، حيث احتل السوق العقاري المرتبة 38 في المؤشر، وهي مرتبة لا تليق بمكانة المملكة، ولا تحاكي الإنجازات التي تحققها القطاعات الأخرى، إذ تتصدر المملكة المرتبة الأولى عالميا في عدة مؤشرات دولية منها “ثقة المواطنين بحكوماتهم” و “تفهم الحاجة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية” و”الأمن السيبراني”، و”الكفاءة المالية العامة” و”تمويل التطوير التقني”، و “دعم شراكات القطاع الخاص للتطور التقني”، والقائمة تطول، وهو ما يعكس النجاح الباهر في تحقيق المستهدفات وتجسيد رغبة الحكومة بقيادة سمو سيدي ولي العهد في جعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة، وهو واقع نراه رأي العين في مجالات شتى.
في الحقيقة، ومن خلال أحاديثنا كعقاريين، يتعين على الجهات المشرفة والمنظمة للقطاع العقاري في المملكة رفع مستوى الشفافية، ليكون المستثمر والمستفيد على اطلاع بالبيانات الحقيقية للسوق، حتى يبني المستثمر قراراته الاستثمارية على قاعدة بيانات دقيقة.
نحن كمختصين، نرى أن إحدى أبرز مزايا الشفافية في السوق العقاري أنها تساعد على تحقيق توازن بين العرض والطلب، وعندما تكون هناك معلومات دقيقة وشفافة يمكن للمشترين والبائعين اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الشراء والبيع، كما تسهل الشفافية عمليات التقييم والمقارنة بين العقارات المختلفة، مما يعزز الثقة في السوق ويحد من الاحتكار والتلاعب بالأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشفافية تعزز الثقة بين الأطراف المتعاملة في السوق العقاري، حيث يشعر المشترون والبائعون بالأمان عندما يكون هناك إفصاح كامل وحقيقي عن المعلومات، كما تعمل الشفافية على تحسين كفاءة السوق وتقليل المخاطر، مما يعود بالفائدة على جميع الأطراف المعنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock